الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • المجتمع السوري بوصفه موضوع التغيير وأداته غسان المفلح ليفانت

المجتمع السوري بوصفه موضوع التغيير وأداته غسان المفلح ليفانت
غسان المفلح





نقد المجتمع، نقد الدين، نقد التقاليد والعادات، هذه محايثة للوجود الاجتماعي نفسه، لم تكن هذه مشكلة في يوم من الأيام في أيّ مجتمع كان، حتى لو تبدّت أحياناً بكونها كذلك. هي إشكالية حقيقية عندما تتحوّل هذه المحاولات النقدية إلى عناصر ملتحقة بالسياسة ومستلزماتها واشتراطاتها.


ما يميز الاجتماع الإنساني المافوق بيولوجي أنّه يخضع لسلطة سياسية، مهما اتّخذت من أشكال في تجلّيها، سواء كانت دينية أو طائفية أو قبلية، ديمقراطية أو ديكتاتورية.


لم تكن السلطة في تاريخ كل الأديان إلا سلطة سياسية، هذه السلطة السياسية تستخدم الدين أو أيّة أيديولوجيا للحفاظ على مصالحها أو مصالح من تمثّله، لأنّ الاجتماع بين مكونات مختلفة بيولوجياً أو مختلفة دينياً أو طائفياً أو المصالح بحدّ ذاتها لا تتم إلا بسلطة سياسية. هذه السلطة السياسية هي بمواجهة مع المجتمع دائمة، لأنّها تحكمه، تفرض عليه معاييرها وقوانينها وكل ما من شأنه أن يديم سلطتها. في النظم الديمقراطية ودولة القانون، تكون السلطة أيضاً دوماً بمواجهة قسم من المجتمع تحت مسمى معارضة، لكنها تحلّ بالطرق الديمقراطية المتعارف عليها حتى الآن، رغم ذلك تجد تباينات بين سلطات كل بلد وتجربة كل بلد ديمقراطياً.


الإشكاليّة التي تواجهنا هي التي تتعلّق بالسلطات الديكتاتورية، سورية مثالاً، الديكتاتورية تتمحور حول شخص الديكتاتور ومصالحه أولاً وأخيراً، هذا الديكتاتور يصير منتج قيم ويصير عالماً وقاضياً وخبيراً سياسياً ومفتياً أيضاً، يمنع أي نقد مهما كان لا يخدم مصلحته، يشجع ويستثمر أي نقد يخدم مصلحته بالمقابل، حتى تتم هذه المعادلة لا بد من جهاز قمعي خارج كل القوانين والأعراف لكي يستوعب عملية فرض ما يكونه أو ما ينتجه هذا الديكتاتور، ويكون هذا الجهاز حارساً لمصالح ديكتاتوره. هذا الجهاز ارتكب إبادة بحق الشعب السوري، قتل مليون إنسان واعتقل أكثر من نصف مليون خلال العشر سنوات من عمر الثورة السورية، هجر 12 مليوناً ودمر مدنهم وقراهم ونهب أرزاقهم، هذه المعادلة البسيطة تقرّها كل الدول بمعزل عن مصالح هذه الدول في التعامل مع هذه الحقيقة.


العملية النقدية التي تشغل بال النخب الثقافية، من المفترض أنّها تحمل عنواناً إنسانياً بسيطاً، “مجتمعنا هو موضوع التغيير وهو أداته”، هكذا الحالة الطبيعية لأيّة نخبة ثقافية مهما كانت توجهاتها الآيديولوجية، إلا إذا كانت تريد تأبيد الديكتاتور وسلطته، عندها من الطبيعي أن يتحوّل هذا المجتمع لعدو.


لهذا عندما يأتي نقد الدين ونقد العادات والتقاليد على أرضيّة أنّ المجتمع عدواً، لا يعود لهذه العملية النقدية أية فائدة غير أنّها تزيد من قوة الديكتاتور. هذا يتبدّى من خلال المفردات واللغة المستخدمة وحمولتها الرسالية، مثال بعض النخب الثقافية التي تنحدر من الأقليات الدينية والطائفية في سورية، تركز هجومها على المسلمين السنة في سورية، بطريقة تخرج بنتيجتها، أنّهم يستحقون ما فعل الأسد معهم، دينهم، عاداتهم، تقاليدهم، رغم أنّهم لا يشكلون طائفة، وداخلهم مصالح وتيارات وتعدّد سياسي ومصلحي وحتى فقهي.


هذه النخب ذاتها ترفض مثلاً تسمية النظام في سورية أنّه طائفي، يردّد بعضهم أنّه يجب أن تنظر لمشاركة السنة في الحكم! بعد ذلك عندما يهبّوا للدفاع عن ماكرون وسياسته يصير كل السنّة مسلمين ومشاريع إرهابية، لم يعد هنالك تعدّد مصالح، لم يعد هنالك سني موالِ وسني معارض، يصيروا كلهم سنة يعبرون عن “أزمة الإسلام” الماكرونية، بالتالي المجتمع السوري بأكثريته بات عدواً لأنّه مشروع إرهابي، من جهة أخرى هذه الترسمية تحمل في طياتها مناصرة للأسد، لم يعد هناك سني يساري أو ليبرالي او قومي، لم يعد هنالك برجوازي سني أو عامل سني.


على فرض أنّ هذه النظرية صحيحة، كيف يتم تجاوزها؟ ماهي الرسائل التي يجب توجيهها للمجتمع والعالم؟ ماهي شبكة الملفوظات التي يجب استخدامها؟ ثم أليس هذا المجتمع نفسه لكونه موضوعك، هو أيضاً والأهم أداتك للتغيير؟ هنا تكمن المشكلة.


كيف يتم التوفيق بين كون المجتمع هو موضوع التغيير وكونه الأداة لهذا التغيير؟


يحضرني هنا أمثلة من حوران من خلال متابعتي قبل انطلاق الثورة السورية، قلة قليلة من أهالي حوران من كان يسمع أن ّهنالك قضية كردية في سورية؟ بعد الثورة هتفت حوران أزادي. ثم أتى حزب العمال الكردستاني، ومن جهة أخرى الدعاية التركية مع الإسلام السياسي، لينقسم من هتفوا أزادي بين متهم للأكراد أنّهم انفصاليون، وبين من يرى أنّ للأكراد قضية، بغضّ النظر عن شكل حلّها.


الأكراد حتى اللحظة جزء من المجتمع السوري، أيضاً نلاحظ أنّ فضاء حزب العمال الكردستاني بات يكفر كل المجتمع السوري، خاصة من يعيشون في أوروبا.


كيف يتم العمل على جعل القضية الكردية في سورية بوصفها قضية سورية؟


مثال أخير: الأحزاب اليسارية الرئيسة في سورية ثلاثة: الحزب الشيوعي بزعامة خالد بكداش وتفرعاته، لاحقاً كان حليفاً للأسدية، لكنه كان يصرّح دوماً ويذكر بأنّه حليف ليس لسياسات النظام الداخلية، بل لكونه معادٍ للإمبريالية والصهيونيّة.


حزب الشعب الديمقراطي، المكتب السياسي سابقاً، كان يرى أنّ النظام ديكتاتوري وطائفي وخائن، وأخيراً حزب العمل الشيوعي كان يرى أنّ النظام ديكتاتوري لا وطني لم يصل مرحلة الخيانة، لكنه ليس وطنياً وذي سمات طائفية، الأحزاب الثلاثة تجمع على فساد هذا النظام.


ما الذي حدث بعد الثورة السورية لمناضلي هذه الأحزاب؟ كيف كان خطابهم عن الثورة وعن الفساد وعن الإمبريالية وعن الطائفية؟ الفساد ملف تراجع للخلف، بات شيئاً أقل من عادي، بدل مناهضة الإمبريالية بتنا نرفع شعار العلمانية، أما الطائفية بات النظام غير طائفي ولا سمات طائفية له حتى عند كثر من يسارينا، المجتمع الآخر خارج قاعدة الأسدية هو الطائفي، هو الإرهابي.. كيف ستغيرون المجتمع إذا كنتم تعادونه؟ ماهي وسائلكم للتغيير؟




غسان المفلح






كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!