الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
المعتقلون, سابعاً أم تاسعاً؟!
ثائر الزعزوع

منذ خمسة عقود على الأقل بدأ بعض السوريين بالاختفاء من الشوارع والحارات، وعند السؤال عنهم، تأتيك الإجابة مواربة وغير مباشرة، فهم “هناك”، أو “أخذوهم”....و كذا وكذا... إلى أن ابتكر السوريون مصطلحاً ربما لا يستخدمه سواهم، “في بيت خالته”. بيت خالتنا جميعاً لم يكن سوى قبو مظلم تابع لأحد الفروع الأمنية، يمكن أن يمكث فيه المرء شهوراً وسنوات، دون أن يرى الشمس، أو يعلم شيئاً عن تعاقب الليل والنهار.


مع انطلاقة الثورة ربيع العام ٢٠١١ اتسع بيت خالتنا كثيراً، حتى ضاق علينا، ونشط كتّاب التقارير في كل مكان ليرسلوا أولئك الذين قد يشكلون خطراً على مستقبل الأمة ومسيرة صمودها، رجالاً، نساءً، شيوخاً أطفالاً، الجميع يرسلون إلى بيت خالتهم دون حساب أو عتاب، فالخالة هناك قلبها يتسع للجميع، وهي قادرة على احتوائهم، أكداساً، قد تتجاوز أعدادهم في غرفة مساحتها عشرين متراً مئة وستين أو مئة وسبعين ضيفاً، مكدسين فوق بعضهم البعض، يتنفسون أجسادهم وقهرهم، وقد ارتفعت الأصوات عالياً تطالب بإطلاق سراح المعتقلين، وعقدت مؤتمرات ونقاشات، وأنشئت جمعيات كثيرة، كلها كان شعارها “المعتقلون أولاً” لكن الواقع يقول غير ذلك، المعتقلون ليسوا أولاً لدى مؤسسات المعارضة المختلفة، فهم لم يضعوا شرط إطلاق سراح المعتقلين قبل التوجه إلى أي جلسة مشاورات أو مباحثات، ولم يضعوا شرط إطلاق سراح المعتقلين قبل أن يجتمعوا بأي مسؤول أممي، بدءاً بكوفي أنان وصولاً إلى غير بيدرسون، الذي يحمل بين يديه الملف السوري ثقيلاً بالخيبات والكوارث، أولها ودون نقاش هم أولئك القابعون في بيت خالتهم منذ سنوات دون أية تهمة تذكر، و لم يعرض الآلاف منهم على القضاء.


مؤخراً استبشر السوريون خيراً بإقرار الكونغرس الأميركي قانون «سيزر» الذي يستند على آلاف الصور التي قام بتسريبها عنصر منشق عن جهاز المخابرات، الصور توثق مأساة المعتقلين كاملة، وهي شبيهة إلى حد كبير بصور المعتقلات النازية، كما كتب صحفي ألماني. والقانون المذكور يدعي مشرعوه أنه سوف يكون كفيلاً بردع النظام عن الاستمرار في إيذاء «شعبه» و ربما، في مرحلة لاحقة، محاسبة أولئك المسؤولين عن تلك الجرائم المروعة التي ترتكب كل يوم بحق المعتقلين. ولكن كيف سوف يتم ذلك والنظام قابض على السلطة، وفي يده الحل والعقد؟ وهل تستطيع لجنة أممية على سبيل المثال اختراق تلك التحصينات والأقبية لإخراج المعتقلين منها، أو أقله تحسين شروط موتهم البطيء؟ بكل تأكيد لن يحدث أي من ذلك، ولم يحدث من قبل أن اكترثت دول العالم بما يحدث في سجوننا، قد نكون مفيدين لعمل أفلام وثائقية، وإظهار التعاطف والتباكي علينا قليلاً، قبل تناول المشروبات، إذاً ما هو المطلوب كي يتحرر أولئك المعتقلون؟ وكيف يمكن فعلاً صناعة خلاصهم؟


من الواضح أن الأمور تتجه نحو «خيار سياسي» تم التوافق عليه دولياً، وإن حدثت مماطلة وشد و جذب في لجان كتابة الدستور، إلا أنهم في آخر المطاف سوف «يسلقون» دستوراً، وسوف يكون النظام مجبراً على القبول به، كونه أصلاً ليس صاحب قرار، و عندما نقول ليس صاحب قرار، فهذا يعني أنه ينبغي الضغط على أصحاب القرار الأصليين، الروس، في ملف المعتقلين أولاً، ويجب أن يكون ذلك الضغط أممياً، لا شعاراتياً، ولا من خلال «هاشتاغات» على مواقع التواصل الاجتماعي، و بمقدار ما يبدو هذا الكلام نظرياً إلا أنه واستناداً لقانون سيزر يمكن أن يتحول إلى مشروع عملي تتبناه المعارضة، إن كانت جادة في تقديم شيء حقيقي، شريطة أن يتولى الأمر حقوقيون مختصون لا صبيان المعارضة الذين كانوا أحد أسباب خسائرنا الكبيرة.


المطلوب أن يصير قانون سيزر الأميركي ورقة ضغط، ومشروع عمل، لأن توقيع الرئيس الأميركي سلاح مهم إذا عرفت المعارضة كيف تستخدمه.


و أنتم ذاهبون إلى المفاوضات، لا تخجلوا من رفع صور المعتقلين، لا تخجلوا من الصراخ بأسمائهم كي يسمع العالم كله، فليكن المعتقلون أولاً، أيتها المعارضة، فليكونوا أولاً.  


صحفي سوري

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!