-
المملكة العربية السعودية التحالف الأقوى
لاشك أنّ معظم الرأي العام العالمي ووسائله الإعلاميّة المقروءة والمسموعة والمرئيّة كانت منشغلة في تغطية الحدث الكبير المتعلّق بالانتخابات الأمريكية، وكثر الحديث عن مآلات السياسة الأمريكية الجديدة في العهد القادم، والتنبؤ بتوجهات هذه السياسة حول مختلف القضايا الدولية التي تعتبر السياسة الأمريكية هي الموجّه والدور الأكثر فاعليّة في هذه القضايا وأسلوب حلّها أو إدارتها.
وأحد أبرز هذه القضايا المتعلّقة بالشأن الإقليمي والعربي الذي يعنينا بشكل مباشر، هو مسألة العلاقات وشكلها، بين الإدارة الأمريكية الجديدة وبين الدول العربية الفاعلة، ولاسيما دول الخليج العربي وتعاطي الإدارة الجديدة مع مسألة الإرهاب الإيراني وحركات الإسلام السياسي اللتين تهددان السلم والأمن الإقليميين.
ومن المسلّم به أنّ الدول الديمقراطية التي ترسم سياساتها الاستراتيجية المبنيّة على المصالح الحيوية والوطنية لهذه الدول لا تتأثر الخطوط العامة لهذه السياسات ببرنامج انتخابي لهذا المرشّح أو ذاك، أو فوز هذا المرشح أو آخر، وإنّما تكون الفوارق والاختلاف بأسلوب تنفيذ هذه السياسات، وتعتبر العلاقات الاستراتيجيّة بين الولايات المتّحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية أحد ثوابت السياسة الأمريكية، بغضّ النظر عمن يصل للبيت الأبيض، سواء كان جمهورياً أو ديمقراطياً، وهي قائمة على المصالح المشتركة التي تجمع بين البلدين.
فالمملكة العربية السعودية هي دولة لها ثقلها الاقتصادي، وأحد الدول العشرين في المنظومة الاقتصادية العشرين، ومن الطبيعي أن تسعى الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها للمحافظة على هذه العلاقات وتجعلها بعيدة عن التأثر بالأحداث الطارئة والبعد الانتخابي والبرامج الانتخابية ومايقال فيها، وبمنأى عن التجاذبات الإقليمية والمصالح الضيقة لأطراف لهم علاقة بالولايات المتّحده الأمريكية.
ويضاف لهذا الثقل الاقتصادي، البعد الديني الذي تمثّله المملكة كونها تمثّل زعامة تاريخيّة للعالم الإسلامي، لا يقبل الكثير من المسلمين في هذا العالم المساس بهذه السيادة التي طالما كانت سبّاقة لتعزيز قضايا الحوار بين الأديان وتعزيز قيم التسامح ونبذ أشكال العنف والتطرّف أيّاً كان شكلها أو طبيعتها أو الطرف المصدر لهذا التطرّف وإدانته وتقديم الكثير من الجهد والعمل للقضاء على هذا التطرّف، وكان كلام ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان واضحاً، عندما قال سنقضي على التطرّف.
وعلى صعيد الفكر المتسامح الذي عملت مؤسسات المملكة الدينية على تعزيزه، وإن كان من خلال تعزيز مبدأ الحوار مع الآخر، بالإضافه للمساهمة الفعالة مع المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب، من خلال القوة العسكرية والمساهمات الكبيرة التي قدمتها المملكة في هذا الجانب، والسعي لتجنيب المجتمع الدولي الكثير من الكوارث الذي يسببها التطرّف والإرهاب الناجم عنه.
ويضاف لما سبق، الفعالية والقدرة التي تمتّع بها المملكة وسياستها الحالية للوقوف بوجه التمدّد الإيراني الذي يمارسه نظام الملالي على حساب شعوب المنطقة، ومحاربة المملكة لهذا المشروع بكل ماتملكه من طاقات وعلى كافة المستويات، والعمل على بناء تحالف إقليمي يقف في وجه هذا المشروع الذي يسعى لدمار المنطقة، وتفتيت النسيج الاجتماعي في بلدانها من خلال ضرب الاستقرار الذي تعيشه شعوب المنطقة.
إنّ الخطر الكبير الذي يمثّله المشروع الإيراني من خلال إصرار نظام الملالي على امتلاك أسلحه الدمار الشامل من أجل العبث في مستقبل الشعوب، ومحاولة السيطرة على قرارها ومستقبلها وحاضرها عبر الترهيب، من خلال بنائها لشبكة من التنظيمات الإرهابيّة التي تقوم على أسسس وآيديولوجيات إرهابيّة وفئوية طائفية في دول المنطقة، ودعمها لتهديد استقرار تلك الدول والسيطرة عليها لاحقاً، من خلال هذه التنظيمات، ومن خلال تحالفها مع حركات الإسلام السياسي.
كان الدافع الأساسي الكبير والموجّه الحقيقي لسياسات المملكة العربية السعودية في العقد الأخير، ويعتبر اللبنة الأساسية لتحالف الولايات المتّحدة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية، هذا التحالف الذي يوجّه كامل طاقته لإنهاء هذه الكارثة التي ألمّت بالمنطقة وعصفت كثيراً بشعوبها ومزّقت عدة دول عربية ودمرت معظم بناها الاجتماعية والاقتصادية، ومما سبق فإنّ هذا التحالف وصموده لن يتأثر ببرنامج انتخابي أو ميول سياسيّة لهذا الحزب أو آخر، فالسياسات الاستراتيجية للدول القوية ترسم لعقود ولا تتأثر بعوارض آنيّة او لحظيّة، وكل المراهنات التي تروّج لها أقلام المشروع الإيراني والإعلام القطري والإسلام السياسي على إحداث خلل في هذا التحالف هي مجرد أوهام تكررت تجاربها مراراً، وأثبت هذا التحالف متانته بالرغم من تغيير الأشخاص والمسؤولين في سدّة الحكم في كلا البلدين.
بالتأكيد لن يتغيّر شيء في قيمة وقوة هذا التحالف وسياسة الضغط الذي يتبعها هذا التحالف على المشروع الإيراني وقطع أذرع إيران في المنطقة سيستمر مع أي إدارة قادمة وإن كانت هناك اختلافات بسيطة في التفاصيل والجزئيات، إلا أنّ الهدف نفسه للوصول لنفس النتيجة في كبح جماح هذا الخطر.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا التحالف إنما يستهدف المشاريع الهدّامة والحركات المتطرّفة، ولايستهدف أياً من شعوب المنطقة، بمن فيهم الشعب الإيراني الذي بات أسيراً ورهينة لهذا النظام ومشروعه الهدّام، وكبح جماح المشروع الإيراني في المنطقة، والسعي لقطع أذرعه سيكون الخطوة الأولى على طريق حرية الشعب الإيراني الذي بات أسيراً لهذا النظام، يعاني ماتعانيه شعوب المنطقة من آلام وحصار.
هذا النظام الذي رهن مقدرات الشعب الإيراني وثرواته لتأجيج الصراع وإشعال النار في المنطقة، بدلاً من السعي لرفاهية الشعب الإيراني، وبنفس الوقت فإنّ هذا التحالف لا يسعى لمحاربة الإسلام كدين وكقيم ومثل وشرائع، وإنما يسعى لكبح جماح حركات الإسلام السياسي التي تحاول جعل الدين مطيّة لها لتسويق مشاريعها القائمة على التحالف مع المشروع الإيراني في المنطقة خدمة لمصالح حزبية وفئوية ضيقة، كما يفعل الإخوان المسلمون، ومفرداتهم، كحركة حماس، وتحالفهم مع التنظيمات الإيرانيّة وتنظيمات الولي الفقيه في إيران، كحزب الله في لبنان وسوريا والحوثي في اليمن، وغيره من الأدوات القذرة التي باتت مطيّة للمشروع الإيراني وسبيلاً وطريقاً لتحقيق طموحاته وأطماعه.
إنّ عزم المملكة العربية السعودية على المضي في هذه السياسة هو ما يدعو الكثير من شعوب المنطقة ليكونوا فخورين بهذا الدور الذي تتصدّره، وإنّ سعيها الحثيث لامتلاك مقومات الصمود في وجه المشروع الإيراني وتعزيز الاستقرار والترابط بين شعوب المنطقة، وتعزيز تحالفاتها بينها وبين القوى الدولية والإقليميّة الفاعلة هو الحلّ الأمثل لحلّ جميع قضايا المنطقة والخلافات بالطرق والوسائل الدبلوماسيّة التي يمكن من خلالها الحفاظ على استقرار المنطقة الذي يعتبر أهم ركائز نمو ورفاهية الشعوب.
ليفانت – عبد العزيز مطر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!