الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
المنتخب السعودي: استمتعوا وبراحتكم
حماد الثقفي

«أفيون الشعوب» هي الكرة المستديرة، الأكثر شعبية في العالم، والتي طالما ارتبطت مُنذ نشأتها بالتجمعات المنظمة والاحتجاجات والدعاية والترويج، ليُزاحمها في السنوات الأخيرة السياسيون مستفيدين من جمهورها في التعبئة الاجتماعية والدعاية السياسية التي تدل على تلك الروابط بين مُثلث السياسة والكُرة والمُجتمع التي تزدهر وتنتشر فيها الأيديولوجيات المتناقضة وكذلك الأحزاب السياسية وجميعهم فيهم لاعبون ومشجعون قد يكون منهم مروجاً للأفكار السياسية.

وبالتالي يستفيد العالم السياسي من بقية أضلاع المثلث المُتمثل في (الكُرة والمُجتمع) مباشرة أو بشكل غير مباشر، من أجل الاحتفاظ بمقاعدهم النيابية في الاستحقاقات الانتخابية المتنوعة. فالشعوب تجري وتلهى وراء كرة القدم، وتنسى معيشتها، لا بل إن الشعوب تعشق (مشاهدة واستمتاع فقط)، وهم يعلمون أن الساسة تستغلهم في ذلك، لكن لا يهمهم ذلك، فكل بناء اجتماعي – ثقافي - رياضي له جانبه السياسي.

ووصل الأمر أن الزعماء والملوك يحضرون المباريات، لا سيما الافتتاحية، وإظهار أنهم يتشاركون في مشاعر شعبهم، فبعض الدول تستضيفها البطولات، وتستخدمها لاكتساب الشرعية السياسية وتعزيز قوة وصورة حكامها، في استغلال سياسي، وهذا ما يؤكّده الصحافيان الفرنسيان، أنطوان غرينيوم ورومان شنايدر، في كتابهما الذي يحمل عنوان «كرة القدم والسياسة»، ويتعرضان فيه لما يسميانه «العلاقات الخطيرة» بينهما، فنجد رجال السياسة لم يعودوا يترددون في إصدار آرائهم وأحكامهم حول النتائج التي يحققها منتخب بلادهم "نصراً أو هزيمة" وكُل منهم يحاول تقديم عدد من «المفاتيح» لفهم أفضل لـذلك التداخل المُربك بين عالمي كرة القدم والسياسة. ويُعمق التوظيف السياسي الذي يقوم به حكام الدول للرياضة في كل العالم.

إذاً تتداخل السياسة بالكرة مُنذ عقود بعيدة، ولا أدل على ذلك من كأس العالم في إيطاليا الذي أراده موسيليني تأكيداً على قوة الحكم الفاشي، وفي إسبانيا دعم الديكتاتور فرانكو حين الكرة وأنديتها بشكل كبير بعدما تعلم من الدوتشي الإيطالي أهمية استغلال الأحداث الرياضية لإلهاء الشعب عن سياساته واستمالتهم نحوها بدلاً من العصبية القومية، وصولاً لفساد الفيفا بعد تحقيقات الكونغرس الأميركي في صفقات كروية ضخمة يتحكم فيها أنظمة سياسية، فكأس العالم لكرة القدم عام 2002 على سبيل المثال، شاهدها حوالى مليار مشاهد في جميع دول العالم. ويوجد حوالي 270 مليون لاعب كرة قدم حول العالم، وفقاً لتقديرات الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) (211 عضواً)، يفوق عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (193)، لتُصبح صناعة يحكمها الكثير من قواعد "البزنس" والاحتراف، لتتغير قواعدها وأطر تنظيمها بالكامل.

لقد أصبح العالم العربي مؤخراً مركزاً رياضياً لاستضافة البطولات والفعاليات العالمية والقارية، لتُنظم قطر كأس العالم حالياً تحت شعار "لقاء للبشرية" في قطر، مشاهد العناق والمصافحات عقب كل مباراة أسعدتنا لا سيما الفوز السعودي ورقصة العرضة على راقصي السامبا الارجنتينيين، مُعلنين انتصارهم للعرب ككُل، ليُضيف الإنسان السعودي برؤيته الوطنية 2030 سحراً خاصاً يتمثل في تلك الروح الجماعية بالمرح والشغف والحماسة والمنافسة النبيلة، لتُثبت خلال مدة الشوطين بالمباراة الساعة والنصف، أن لا فوارق طبقية ومذهبية وعرقية وجغرافية، فالجميع سواسية في تلك المشاعر، التي رسمها ولي العهد بكلمتين قبل المباراة للاعبين "استمتعوا وبراحتكم"، كانا كوقع السحر الجميل الذي عبرت عنه منجّمة ألمانية حين سُئِلت عن كيفية توضيحها معنى السعادة لطفل، فردّت بهدوء وثقة: "لا أوضح له، بل أعطيه كرة ليلعب".

 

ليفانت - حمّاد الثقفي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!