الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • المُصالحة المريرة في أفغانستان ما بين كابول وطالبان

المُصالحة المريرة في أفغانستان ما بين كابول وطالبان
أفغانستان


 





يبدو أنّه لا يجد العالم من بدّ، عقب 19 عاماً من الحرب على أفغانستان، والتي بدأت العام 2001، عقب تفجير أسامة بن لادن لبرجي التجارة العالميين في الولايات المتحدة الأمريكية، سوى محاولة تخفيف الخسائر، إذ مكّنت فيما يبدو الجبال العصيّة في تلك البلاد المترامية، الجهاديين الذين وصموا دوماً بالإرهاب، حتّى ضغطت إدارة ترامب للانسحاب من تلك البلاد.


وفي السياق، أفرجت السلطات الأفغانية، اليوم الثلاثاء، عما مجموعه 900 من سجناء حركة “طالبان”، في أحدث خطوة لدفع محادثات السلام بين الأفغان، وفق ما أكّده متحدّث باسم مكتب مجلس الأمن الوطني، حيث جاءت الخطوة وسط استمرار وقف إطلاق نار أعلنته “طالبان”، السبت، لثلاثة أيام بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، فيما أصدر الرئيس الأفغاني، أشرف غني، قراراً بإطلاق سراح 2000 من معتقلي “طالبان” بعد إعلان الحركة وقفاً لإطلاق النار.


ثناء أمريكي على الحوار


ورغم أنّ واشنطن هي من أسقطت حكومة طالبان، قبل تسعة عشر عاماً، وأخرجتها من كابول، لكنّها عدلت مواقفها فيما يبدو في عهد ترامب الراغب بالانسحاب، وتنفيذ وعوده الانتخابية، وفي السياق، عدّ المبعوث الأمريكي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، في الثالث عشر من أبريل، أول تبادل للأسرى بين حركة “طالبان” وكابول بالـ”خطوة المهمة” نحو السلام، وغرّد في حسابه على “تويتر”: “تبادل الأسرى خطوة مهمة في عملية السلام والحدّ من العنف”، مطالباً الطرفين إلى “تسريع الجهود لتحقيق الأهداف المنصوص عليها في الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان، بأسرع وقت ممكن”.


 


لكن لم تخلُ عمليات التبادل من إشكاليات بين الطرفين، ففي الثامن عشر من أبريل، قالت حركة “طالبان” الأفغانية إنّها أفرجت عن 60 أسيراً من القوات الحكومية، فيما أشارت السلطات في كابول أنّ هذه الدفعة تشمل فقط 19 عنصراً عسكرياً، وقد صرّح المتحدّث باسم مكتب “طالبان”، في العاصمة القطرية الدوحة، محمد سهيل شاهين، في حديث لوكالة “تاس” الروسية: “حتّى الآن، أفرجنا عن 60 معتقلاً، بينهم عسكريون وعناصر شرطة تابعون للإدارة في كابول، تم إخلاء سبيلهم على 3 دفعات يشمل كل منها 20 شخصاً، وسنواصل إطلاق سراح مجموعات جديدة مستقبلاً”، وزعم شاهين أنّ الحركة تصرّ على أن تجري عملية الإفراج عن عناصرها المعتقلين لدى السلطات الأفغانية بناءً على اتفاق السلام مع الأمريكيين، وليس مرسوم الرئيس الأفغاني، أشرف غني، وادّعى بالقول: “هذا يمثّل حاجزاً، لأننا سنبدأ مفاوضات أفغانية فقط في حال الإفراج عن كل المعتقلين الـ5000 بشكل متزامن أو خلال فترة زمنية قصيرة”.    


بدوره، أوضح المتحدّث باسم مجلس الأمن الوطني الأفغاني، جاويد فيصل، أنّ 19 شخصاً فقط من أصل الـ60 المفرج عنهم عسكريون، موضحاً أنّ الباقي مدنيون، وذكر فيصل أنّ “طالبان” أفرجت عن 20 شخصاً في ولاية قندهار، وبينهم 10 عسكريين و10 مدنيين، منهم 4 قاصرون، مردفاً، إنّ الحركة أفرجت كذلك عن 40 آخرين في لهمان، وبينهم فقط 9 عسكريين، وتعرض بعضهم لأعمال تعذيب، وأكد المسؤول الأفغاني على ضرورة تطبيق “طالبان” التزاماتها الخاصة بالإفراج عن المعتقلين العسكريين وعدم إخضاعهم لأي أعمال تعذيب.


مواصلة العنف رغم الاتفاق


وإلى جانب الإشكاليات المتعلّقة بتنفيذ الاتفاق الأمريكي مع طالبان للإفراج المتبادل بين كابول وطالبان عن المعتقلين والمختطفين، كشفت بيانات، في الأول من مايو، أنّ حركة “طالبان” قامت بأكثر من 4500 هجمة خلال 45 يوماً في أفغانستان، في تصعيد شديد للعنف، وذلك عقب أن أمضت على اتفاق مع واشنطن يفسح المجال لانسحاب القوّات الأمريكية، وهو ما ذهبت إليه مجموعتان من البيانات، إحداهما من مصدر عسكري غربي، والأخرى من هيئة مستقلة، واللتان أكدتا ارتفاع وتيرة الهجمات بنسبة تزيد عن 70 في المئة خلال الفترة، من بداية مارس، حتّى 15 أبريل مقارنة بنظيرتها، من العام الماضي.


 


وفي سياق ذي صلة، كشفت بيانات الحكومة الأفغانية أنّ أكثر من 900 من أفراد القوّات المحلية والوطنية الأفغانية قُتلوا خلال نفس المدة، ازدياداً من 520، في الفترة نفسها من العام الماضي، وفي الوقت عينه، تقلص تعداد القتلى في صفوف طالبان إلى 610 في نفس المدة، انخفاضاً من 1660 تقريباً قبل عام، بعد أن خففت القوات الأمريكية والأفغانية الهجمات والضربات الجوية عقب الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان، بينما أشار مسؤولون غربيون وأفغان ومستقلّون كبار متابعون للموقف على الأرض، إلى أنّ ارتفاع معدل الهجمات يظهر عدم احترام طالبان بشكل متعمد للتعهد الخاص بخفض العنف المنصوص عليه في الاتفاق الموقّع، في أواخر فبراير.


وقال آنذاك، مسؤول أمني غربي كبير طلب عدم الكشف عن هويته: “لا يضرب مقاتلو طالبان مراكز أو مدناً حكومية كبيرة، بل يركزون على قرى في أقاليم هراة وكابول وقندهار وبلخ، التي سجلت أكبر عدد من الإصابات بالفيروس”، فيما ذكر متحدّثان باسم “طالبان” أنّ الحركة ليست مسؤولة عن غالبية الهجمات في الأسابيع الأخيرة، واتهما الولايات المتّحدة بتعريض اتفاق السلام للخطر من خلال دعم قوات الأمن الأفغانية، وعدم إطلاق سراح جميع سجناء طالبان، البالغ عددهم 5000، المطلوب إطلاق سراحهم بموجب الاتفاق.


وهو ما ذهب إليه وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، في السادس من مايو، عندما قال إنّ حركة “طالبان” الأفغانية لا تفي بالتزاماتها بموجب اتفاق جرى توقيعه هذا العام، مشيراً للصحفيين، لدى سؤاله عما إذا كانت “طالبان” تفي بالتزاماتها: “لا أعتقد أنهم كذلك”، وأردف: “إنّه يعتقد أنّ الحكومة الأفغانية لا تفي كذلك بالتزاماتها”، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الحكومة الأفغانية ليست طرفاً في الاتفاق بين الولايات المتحدة وحركة “طالبان”.


من الدفاع إلى الهجوم


فيما أعلن الرئيس الأفغاني، أشرف غني، في الثاني عشر من مايو، أنّه أمر الجيش بتحويل العمليات ضد حركة “طالبان” من دفاعية إلى هجومية، مشدّداً في كلمة متلفزة، أنّه أمر قوّات الأمن بالتحوّل إلى وضع هجومي واستئناف عملياتها ضد الأعداء، منوّهاً إلى أنّ هذه الخطوة تأتي “من أجل توفير الأمن في الأماكن العامة وإحباط هجمات وتهديدات “طالبان” وغيرها من الجماعات الإرهابية”، عقب يوم دموي، قتل فيه المسلحون 16 شخصاً بهجوم على مستشفى في كابول، وأكثر من 20 شخصاً بتفجير انتحاري استهدف جنازة في شرق البلاد، فيما قالت “طالبان” إنّها غير مسؤولة عن الهجومين.


 


وعليه، يبدو أنّ حركة طالبان تدرك الحرج الذي تمرّ فيه كابول، فهي غير قادرة على مُواجهة الحركة بمفردها، خاصة عندما يتم استكمال الانسحاب الغربي بالكامل من البلاد، وفي ذات الوقت، غير قادرة على رفض الاتفاق الأمريكي مع طالبان، ليبقى الخيار المرّ أمامها، مُصالحةً مع جماعة دموية سفكت الكثير من دماء الأفغانيين، ويبدو أنّها قد تعود إلى حكمهم وبطريقة معترف بها دولياً.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة 



كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!