الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
النظرة الأمريكية لسوريا
كمال اللبواني

لا يمكن النظر لعلاقة أمريكا بالنظام السوري إلا بعيون إسرائيل، فكل قرار يتعلق بدول الطوق يجب أن يحظى بقبول ورضا إسرائيل، التي يشكل دعمها (استراتيجية أمريكية ثابتة) و أولوية بغض النظر عن الحزب الحاكم في أمريكا، وطالما كان الأسد متعهداً حفظ أمن إسرائيل بالرغم من أنها تحتل الجولان، وقادراً على ضبط الشعب السوري واللبناني ومنعهم من تهديدها، فقد كان مرضياً عنه بغض النظر عما يفعله بشعبه، لكن بعد موت حافظ الأسد قويت شوكة حزب الله على حساب حركة أمل وبقية حلفاء سوريا في لبنان، وبعد خروج الجيش السوري صار مطلق اليدين في لبنان، وبعد الثورة السورية صارت إيران هي الحاكم الفعلي للسياسة السورية، فالذئب السوري قد استخدمته إيران وصار تابعاً لها.

استراتيجية إسرائيل أثناء الثورة كانت استخدام النظام السوري لتدمير بلده وإخراجها نهائياً من المعادلة الأمنية الإسرائيلية لعقود طويلة، لذلك كانت سياسة أمريكا حليفتها هي القبول بفكرة إطالة أمد الحرب وتوسيعها، واعتبار سوريا ساحة استنزاف لقوى التطرف والإرهاب، وهذا يخدم استراتيجيتها الثانية أيضاً، وقد تلاقت تلك الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية مع مسعى الدول العربية لوقف تمدد الربيع العربي بكل الوسائل تجاهها، 

تجلى ذلك عبر السماح للدول العربية بمساعدة النظام، والسماح لإيران وروسيا التدخل لمنع سقوط النظام، والسماح له باستهلاك كل سلاحه الذي اشتراه الشعب ليقاتل إسرائيل (نظرياً)، ضد شعبه ومدنه، وبذات الوقت السماح  بتسليح المعارضة تسليحاً غير حاسم، لكي لا ينتصر النظام بسرعة عليها ولزيادة كم الدمار، ثم تقوم إسرائيل بتدمير ما يتبقى من سلاح استراتيجي بقصفها الجوي، بينما تسعى العقوبات الأمريكية لحصاره وإضعاف كامل جسد الدولة والمجتمع، فالموضوع ليس حب الأسد بل الرغبة في تدمير سوريا التي لا يجب أن تكون قادرة على تهديد إسرائيل بغض النظر عمن يحكمها.

استغلت إيران تلك الفسحة للتمدد نحو المتوسط، كما فعلت روسيا لاحقاً، ولم ينتبه الأمريكي لخطورة ذلك التمدد استراتيجياً، بل بررت أمريكا صمتها بفكرة إغراق الطرفين بالوحل السوري، واستنزافهم هناك، ثم استخدامهم كيد قذرة لسحق الحركات الإسلامية المحتمية بحاضنة شعبية كبيرة، دون تحمل أمريكا مسؤوليتها. 

الضغوط الجدية على النظام انطلقت فقط عندما طلب منه إخراج ايران من سوريا، بعد السماح له بالقضاء على الثورة، وتسليمه المناطق تباعاً، فالخطر الوحيد المتبقي على إسرائيل هو تحويل سوريا لمنصة إيرانية، فالسياسة الإسرائيلية بعد عام 2018 (بعد تسليمه آخر معاقل الثوار في الجنوب) هي: على الأسد أن يختار بين بقائه في السلطة وبين بقاء إيران في سوريا، وهكذا أعلنت روسيا عدم قدرتها على إخراج إيران، ثم أعلن نظام الأسد أنه لا يستطيع إخراج إيران، وأنه يحتاج للمساعدة في ذلك، لهذا تحركت الدول العربية اتجاهه بحماس، لكنه بعد ذلك كله لم يستطع أن يقدم سوى معلومات أمنية عن التواجد الإيراني في سوريا ليستهدفها الطيران الحربي الإسرائيلي، تلك المعلومات التي كانت إيران على اطلاع عليها لذلك تفادت هذه الضربات بنجاح، وتمكنت من إحكام قبضتها على مفاصل الدولة السورية والقوى العسكرية والأمنية وسيطرت بشكل كلي على الجنوب والحدود مع إسرائيل والأردن،  اليوم تدرك إسرائيل أنها لن تستطيع إخراج ايران باستخدام النظام، لذلك فمسألة بقائه في السلطة هي مسألة وقت ريثما ترتب مع الدول الغرب برنامجاً آخر لسوريا.  

ولكي ينجح السيناريو السابق صممت الدول (التي تدعي صداقتها لسوريا) مؤسسات المعارضة لتكون فاشلة وغير قادرة ومنفصلة تماماً عن الواقع والشعب، بالرغم من ذلك اقتربت الثورة عدة مرات من إسقاط النظام، وهو ما عبر عنه الإيراني والروسي الذي ادعى كل منهم أنه لولا تدخله لسقط النظام، فالنظام بقي لأن الدول الصديقة أرادت ذلك ولأن المعارضة التي اعتمدتها واعترفت فيها فاشلة، فقط لو أديرت قوة الثورة بطريقة صحيحة لسقط النظام منذ العام الأول.

فالنتيجة الطبيعية لسياسة أمريكا في سوريا منذ نصف قرن هي الحال الذي نرى سوريا عليها الآن، دمار نصف البلد وهجرة نصف السكان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وميليشيات طائفية واحتلالات متعددة وفقر ومجاعات ومخيمات لا ينقصها سوى رفع العلم الأمريكي عليها.

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!