-
ببغاوات إعلامية في أروقة السياسة الأمريكية
عندما يؤدي ساحر خدعة ما، نادراً ما ينظر الجمهور إلى المكان الذي ينبغي النظر إليه، حيث تكون خفة اليد وكثرة الكلام الطنان سراً لصرف الانتباه دون أن نشعر، بما يحدث بعيداً عن عالمنا الواقعي.. لنتوّه في طرقات التضليل وأشكاله المتعددة. ليتجه لأهم حراك فكري – بشري، واللعب على وتر الحرية للرأي العام، خاصة في حالات صناعة التضليل الإعلامي وضلالات الحملات الدعائية التي تمسّ مبادئ المجتمعات وقيمها.
كما حدث بقصة عام 1928م بأميركا، عندما اشتكى تُجار التبغ من كساد البضاعة وانخفاض المبيعات، فقصدوا عراب "البروباجندا الدعائية"، رجل العلاقات العامة الأمريكي "إدوارد بيرينز"، الذي لعب على حبل وجد فيه ضالته عبر كسر قيم وعادات فرضها المجتمع الأمريكي ونبذها في عشرينيات القرن الماضي، بل وعدها عادة قبيحة ومستكرهة (تدخين النساء)، فأرسل مجموعة من ذوات الكعب العالي من مشاهير الأفلام، وفتيات الموضة، وعارضات الأزياء، وملكات الجمال للسير في أكبر شوارع نيويورك، بأحد المناسبات الوطنية الهامة، وطلب منهن حمل مشعل الحرية باليد اليمنى، والسجائر باليسرى، أمام مرأى ومسمع عالمي إعلامي، صور قدرة المرأة على العيش بحرية كما يحلو لها دون إملاء من أحد. وكتبت حينها جريدة نيويورك تايمز عنواناً شهيراً "مجموعة من الفتيات نفثن السجائر في سبيل الحرية". فكسرت المحظور وتضاعفت مبيعات شركات التبغ بفضل هذه الحيلة الماكرة من بيرينز.
والآن، ونحن بعصر الجيل الخامس ارتبط التضليل بأحد أكبر الصُحف «واشنطن بوست»، وعلى رأسها، أغنى الرجال في العالم، أي جيف بيزوس، مؤسس شركة "أمازون"، الذي يتصدر قائمة أغنى أغنياء العالم بثروة تقدر بحوالي 147 مليار دولار، فقد كان للواقعة أبعاد كثيرة ومثيرة، ومعه عدد من مستشاريه وناصحيه، إذ ثبت سريعاً زيف ما ينشروه تنفيذاً لنظريات مؤامرة كاملة، تم صياغتها باحترافية مفتعلة، حول الرئيس دونالد ترمب وتورّط المملكة السعودية المزعوم في فضح علاقاته غير الشرعية وخيانته لزوجته، وعلاقة الرئيس بايدن بمصر، مستغلين وسائلهم كقناة الإخوان (العالم والجزيرة والشرق ووسائل التواصل الجمة) لكسر قوانين دولية واجتماعية وأعراف ثقافية تنسف بميثاق أي شرف خاصة الشرف الإعلامي إلى حائط الاستغلال والتضليل.. وبدلاً من الاعتراف بما اقترفه من تصرفات لا أخلاقية وأن يتحمل المسؤولية عن أفعاله، كتب بيزوس عبر منصة التواصل Medium يتهم كيانات مختلفة بالقيام بحملة "ابتزاز" ضده.. فهل يعتذر صاحب واشنطن بوست لترامب والسعودية؟.
إنها الجزيرة بعباءة أمريكية باطنها الماسونية، إذ شنّت "واشنطن بوست" حملات متوالية تنشر في إطارها قصصاً سلبية بلا هوادة ضد السعودية ومصر، وقد كتب "ساشتيل"، محرر شؤون الأمن القومي بموقع "دوسيه" الشهير، والمعني بملفات الأمن القومي والمخابرات، في تغريدة على منصّة تويتر، بتاريخ 8 ديسمبر 2018، قائلاً حول نظرية مؤامرة خيالية خالية من أي أدلة: "هذه هي الحقيقة يا أصدقائي، بعد وفاة الصحافي المزيف جمال خاشقجي، تقوم كارين عطية، محررة أعمدة الرأي للشؤون الدولية في واشنطن بوست، بحملات ترويج لجماعة جهادية تدعمها إيران تحت عنوان "تعذيب الصحافيين"، ولعل ترويج بيزوس في معرض الترويج لنظرية المؤامرة قد أثار حوله الشكوك التي كشفتهُ عن أن السعودية متورّطة في فضح شؤونه الشخصية "لأسباب ما يزال من الأفضل فهمها، حيث يبدو أنّ الزاوية السعودية تضرب عصباً حساساَ، بشكل خاص له، وأنّ تواطؤاً لمثلث أضلاعه، (ترمب والسعودية وناشيونال إنكوايرر)، قد تكاتفوا عليه جميعاً لتدميره لعدة أسباب".. وكأنها تشبه نظريات مؤامرة ترمب - روسيا، التي تملأ وسائل الإعلام، على مدى السنوات الثلاث الماضية، بدون أي أدلة، كما خرج التقرير المخابراتي الأمريكي حول مقتل خاشقجي فضفاضاً لا صحة له، صادماً الداخل الأمريكي، وفضحهُ بالخارج.
ورغم كل ما تفعله طهران بالمنطقة، لكن صحيفة «واشنطن بوست» تدعم التفاوض الأميركي مع إيران التي تعدم الصحافيين، والمعارضين، وحتى مصارعاً إيرانياً كل ذنبه التظاهر، ناهيك عن أفعال عملائها من الحوثيين، و«حزب الله»، وغيرهم في سوريا والعراق، ولبنان، لتخرج علينا بافتتاحية محرضة ضد مصر! بحجة حقوق الإنسان، وكصحيفة منافقة، ومواقفها لا تنطلق من قيم ومبادئ، بل من أيديولوجيا عمياء، ولا يمكن احترامها، فماذا عن سجل الصين مثلاً بحقوق الإنسان، فهل على بايدن مقاطعة بكين؟! أمر لا يستقيم، ولا هكذا تكون المبادئ، ناهيك عن السياسة، خصوصاً أنّ الصحيفة تشيد بتصريحات بايدن عن ميانمار، وروسيا، لكن دون ذكر لإيران، وإرهابها، وجرائمها بحق حقوق الإنسان، فإذا لم يكن ذلك نفاقاً، فماذا نسميه؟
هل هو إعلام ببغاوات؟ نعم هي كذلك إذ شملت تغطيات لا تهدأ على CNN وMSNBC، بترديد الادعاءات الكاذبة التي نشرتها آلة بيزوس الإعلامية، واحتفاء بعض المعلقين، مثل دون لمون المعلق في CNN بادعاءات نظرية المؤامرة وأكاذيب بيزوس المزعومة على أنّها خطوة شجاعة وجريئة، إذاً لا يهم تلك الصحيفة الأميركية، ومن هم على شاكلتها ونهجها الفكري، أو قل المنافقين، تدمير دولة بحجم السعودية ومصر، وتهديد سلامة العالم العربي الذي انهار وتشتت على أياديهم الأبرياء، وإنما كل همهم تطبيق أجندتهم التخريبية، بل والمُنافقة. ولن تكون تلك الأضاليل الأخيرة، بل هي مُجرد حلقة في سلسلة حلقات الحقد ضد المملكة ومصر وعالمنا العربي والإسلامي.. فالعالم الغربي لم يعد مهنياً كما كان يزعم دائماً.. كثالوث الكذب (ذا جارديان وواشنطن بوست والعميل بيزوس).
ليفانت - إبراهيم جلال فضلون
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!