-
بماذا تختلف الحرب الباردة بين أمريكا والصين عن سابقتها مع الاتحاد السوفييتي؟
من الواضح جداً، ومن خلال ردود أفعال الصين تجاه سياسة الإدارة الأمريكية الحالية، أنّ مداخل الصين إلى العالم لم تكن بطريقة تقليدية، كما فعل الاتحاد السوفييتي السابق بدعم الأنظمة الشيوعية المتحالف معها بالسلاح والعتاد، واعتماد حروب الإنابة فقط، وإنما أصبحت هناك طرقاً مختلفة عملت على تأسيسها الصين.
لقد اعتمدت الصين على عدة عوامل خلال التنافس الروسي الأمريكي على العالم بعد عام 1989 وتعلمت دروساً كثيرة من هذا التنافس، ومن بين هذه العوامل: نظرية الدومينو التجارية، ومبدأ النسخ واللصق التكنولوجي ومبيعات السلاح، ودعم البنية التحتية للدول الصديقة.
بالنسبة للعامل الأول باعتماد نظرية الدومينو التجارية، فقد كانت مصدراً أساسياً لسلاسل التوريد في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استفادت من السوق الحرة الأمريكية أكثر من أمريكا نفسها، واستغلّت اتفاقية نافتا بطريقة محترفة، وذلك بالتبادل التجاري مع أمريكا اللاتينية وكندا، وأثرت فيها وفرضت ماركتها التجارية بصادراتها بطريقة غير مباشرة، وقسَّمت جودتها بين ضعيفة ومتوسطة وقوية وحسب مستوى نمو الدول في العالم، فزودت الماركة الضعيفة للدول النامية والمتوسطة للناشئة منها، وذات الجودة العالية للدول المتقدمة، فأوجدت أجواءً مناسبة لها في كل دول العالم، فسقطت الدول تجارياً كأحجار الدومينو في حضن سلاسل التوريد الصينية.
العامل الثاني وهو النسخ واللصق التكنولوجي، فقد استغلّت صناعة الآخر، واستفادت من التقدم التكنولوجي في الصناعات العسكرية حيث كانت، على سبيل المثال، تصنع نفس النوع من السلاح المستورد، بناءً على التبادل التكنولوجي، وتصدّره لأصدقائها، ناهيك عن إمكانية تهريب التكنولوجيا النووية السلمية لبعض الدول، وبالطبع بالتشارك مع الروس، مما أربك العالم أمنياً، وذلك بمحاولات بعض الدول النامية بطرق غير سلمية لامتلاك السلاح النووي.
العامل الثالث، وهو دعم البنية التحتية للدول المحتاجة لها في العالم، حيث أنشأت ما تسمى مبادرة "الطريق والحزام"، ووقعت عقوداً تجارية مع ما يقارب 70 دولة حول العالم، مخترقة بهذه المبادرة معظم الدول، وذلك من خلال إعطاء قروض لجميع الدول لضمان الدخول إليها بـ"جواز سفر" تجاري دائم، فأصبح انفكاك هذه الدول من هذه المشروع مستحيلاً وعبئاً على الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يوجد طريقة لإحباطه على المدى المنظور.
الخلاصة، الحرب الباردة المتوقعة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية ليست كالتي حدثت مع الاتحاد السوفييتي السابق، لأن طابعها ليس عسكرياً، ولا أيديولوجياً، ولا طابعاً لحرب إنابة، وإنما هي تأخذ نماذجَ مختلفة، فنظرية الدومينو السياسية تحولت لتجارية، والتكنولوجيا العسكرية المستوردة من قبل الصين من الخارج أصبحت غير محمية، والولايات المتحدة لم تعد قادرة اقتصادياً على إنعاش البنى التحتية لجميع حلفائها، والتفلُّت من سوقها الحرة أصبح ملحاً للحفاظ على البقاء، وهنا يظهر العبء الكبير على الولايات المتحدة الأمريكية، لاستعادة السيطرة من جديد على العالم، وبذلك فإن تغيير الاستراتيجية الأمريكية العسكرية بما يتناسب مع واقع الحال أصبح أمراً متوقعاً في قادم الأيام.
ليفانت - كمال الزغول
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!