الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
تآكل سرديات الإسلام السياسي ونهاية التنظيم
رامي شفيق

تبدو أزمة الإسلام السياسي، وقواعده التنظيمية التي استندت عليها، طيلة عقود طويلة مضت، في تداعٍ متواصل، بينما تتزامن حالات السقوط والإخفاق في عديد الدول العربية، باعتبارها نتيجة مباشرة لممارساتها السياسية الانتهازية، وتحديداً فيما يتصل بتجربة الحكم، خلال العشرية الأخيرة، الأمر الذي نجم عنه تفكك التنظيم، داخلياً، ثم انهيار الصورة الذهنية التقليدية لدى القواعد، وحدوث تلك الفجوة والمسافة البينية مع القيادات.

يتحقق الأمر بالكلية مع حركة النهضة (فرع الإخوان في تونس)، والتي تواجه عاصفة غضب من الشعب التونسي، تراكمت خلال السنوات الماضية، بينما استجاب لها الرئيس قيس سعيد، مع تدشينه القرارات الدستورية الاستثنائية، في الخامس والعشرين من تموز (يوليو) الفائت، وتجميد مجلس النواب برئاسة راشد الغنوشي زعيم الحركة، بعدما تسبب في حالة استقطاب وانقسام قصوى مع مؤسسة الرئاسة، وقد لاقى قرار الرئيس اصطفافاً سياسياً بين أغلب القوى المدنية، وكذا في الأوساط الشعبية والمجتعية، بل إن قوى عديدة ومتفاوتة من الطرفين تطالب سعيد بمواصلة العمل على اجتثاث قواعد الحركة وتجميد عملها في البلاد.

على خلفية ذلك، شاهد الجميع (علي العريض)، أحد قيادات الصف الأول من الحركة الإسلاموية، وهو يقفز من الطابق الثاني هرباً من الحريق الذي شبّ في مبنى الحركة. كما رصدت التقارير الصحفية أنّ سمير السيفي، أحد العاملين في مقرّ النهضة، والذي توفي حرقاً جاء لمقابلة راشد الغنوشي بناء على طلب من الأخير، وعندما فشل في مقابلته أقدم على سكب البنزين على جسده. بيد أنّ شقيقته قالت إن شقيقها وقع ضحية فخ من قيادات الحركة، ووعد كاذب من زعيمها إذ تغيب الغنوشي عن التواجد في المقر.

وفضلاً عن الرمزية التي تبطنها الحادثة المأساوية، حيث تكشف عن الأوضاع الصعبة والمأزومة داخل التنظيم، وقد بلغت أعلى مراحلها وانسداداتها، فإنّ الحركة تواجه تفسّخاً وترهلاً كبيرين، لا سيما في ظلّ إلحاح قيادات النهضة على الغنوشي بالمغادرة، وإفساح المجال أمام آخرين لمواجهة الأزمة الحادة القائمة والمتسبب فيها مع الشارع والجماهير التونسية.  

خلال ذلك، أعلن خمسة عشر عضواً من حركة النهضة تعليق عضوياتهم بمجلس شورى الحركة، ولجان المؤتمر، بدعوى ما اعتبروه فقدان المجلس لوظيفته الرقابية واستقلالية قراره. وفي بيان لهم اعتبر الأعضاء أنّ القيادة القائمة، وعلى رأسها راشد الغنوشي، استنفدت رصيدها بالكامل. كما عدّ الأعضاء أن تلك القيادة فشلت في التفاعل مع مقتضيات المرحلة واستحقاقاتها. بينما شددوا على ضرورة الاعتراف بذلك وبتحمل المسؤولية، خاصة أن الحركة شهدت، الفترة الماضية، موجة من الاستقالات، بلغت أكثر من مائة وثلاثين استقالة.

مضى الرئيس سعيد في توجهاته نحو إحكام قبضته على مقاليد الحكم في تونس، بعيداً عن العبث المنظم الذي عمدت النهضة تمريره، حيث أصدر قراراً بتغيير موعد ذكرى احتفالية الثورة التونسية، لتضحى يوم السابع عشر من كانون الأول (ديسمبر)، ليتوافق مع ذكرى أحداث سيدي بوزيد، بدلاً من يوم الرابع عشر من كانون الثاني (يناير)، الذي يراه الرئيس التونسي ذكرى اختطاف الحدث البارز في تاريخ البلاد. وفي اجتماعه مع عدد من أساتذة القانون الدستوري لفت إلى ضرورة النظر في دستور عام 2014، وحتمية العمل نحو تغييره بحيث يكون متجانساً مع الأوضاع الجديدة.

القراءة الدقيقة لتطورات الأحداث في صورتها الكلية، تشي أن ثمة تحركين متوازيين في تونس. الأول انهيار الحركة التي بدت تتصدّر المشهد السياسي في تونس، مرة على مستوى التنظيم وترابطه، ثم انهيار صورة الحركة في عيون المواطنين مع استمرار الغنوشي في إحكام قبضته المتشددة، والثاني يتمثل في ترقّب رئيس الجمهورية، ذلك التداعي الذي يستدعي معه تشييد رؤيته السياسية على أطلال التنظيم، وبالتالي يدعو لدستور وانتخابات جديدة.

بيد أنّ ذلك السيناريو الأخير يواجه تحدٍّ رئيسي، يتمثّل في مطالبة القوى السياسية، لا سيما الاتحاد التونسي للشغل بالمشاركة في تشكيل وبناء المشروع السياسي في البلاد، بهدف منع التفرّد بالخطوات المقبلة سياسياً وإجرائياً لما تحمله من تداعيات مهمة على واقع ومستقبل تونس السياسي والديمقراطي.

في سياق موازٍ، يمتد البصر نحو الصراع المشتعل على قمة السلطة، ومنصب المرشد، حيث القوة والنفوذ والهيمنة على المال واقتصاديات الجماعة، من خلال حرب التصريحات، في ما بين محمود حسين، المحسوب على جبهة إسطنبول، وإبراهيم منير، جبهة لندن. إذ يتحرك الأول نحو عزل الثاني، وإعلان نفسه قائماً بعمل المرشد، وقابضاً على كافة مفاتيح التنظيم، مستنداً في ذلك لقرارات مجلس الشورى العام. كما أن حسين شدد على أنه لا يجوز لمنير حل مجالس منتخبة أو فصل أو تجميد قيادات في الشورى، خاصة أن المجلس أصدر قراراً بإعفاء منير من منصبه، وإلغاء كافة قراراته. وبذلك أمسى الفضاء العام للتنظيم يترقب تولي حسين منصب القائم العام بعمل المرشد عوضاً عن منير واحتفاظه بكافة الشركات والمهام والمسؤوليات الخاضعة للجماعة.

ليس خافياً على أحد ما أتاحته حرب التصريحات والبيانات المرئية التي هاجم فيها كلا الطرفين بعضهما، وأبرزت صورة الانهيار بدلالاتها في ذهنية المتابعين، فضلاً عن مدى هشاشة الوضع الداخلي للتنظيم، لا سيما ما ظهر بين أطراف تنظيمية محددة ولافتة تكشف عن ميلها تجاه أحد طرفي الصراع، مثلما حدث مع يوسف ندا، اليد الغليظة القابضة على رأسمالية الجماعة منذ سنوات مديدة، والذي أبدى تأييداً وارتياحاً نحو منير، ووصفه بأنه يقوم على رعاية الجماعة.

الثابت وسط كل المتغيرات أنّ قيادات التنظيم تدرك حجم الثقوب التي تهدّد بنية الجماعة، وحالة الوهن المتسببة فيها على نحو مباشر تفكك القواعد الأساسية وانحلال الثقة والالتزام الحركي مع المراتب الأعلى في التنظيم. ويضاف لذلك، فقدان القدرة على الاستجابة للمستجدات السياسة الإقليمية والدولية، وحتمية العثور على وسيلة تواصل مع تلك القنوات التي تنفذ نحو صانعي القرار في العالم، خاصة بعدما فقد التنظيم معظم حواضنه الإقليمية التي كانت تمدّه بخيوط الأمل وبواعث الحياة.

 

القواعد الأساسية

ليفانت - رامي شفيق

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!