-
تركيا والعودة إلى تصفير المشكلات
المتابع لتوجهات السياسة الخارجية التركية تجاه كل من السعودية ومصر، يتضح له أن السياسة الخارجية التركية تخضع لعملية مراجعة لإصلاح الخلل الذي قاد تركيا إلى حالة من العزلة الإقليمية وكان له تأثير على الاقتصاد التركي، لذلك تحاول تركيا العودة إلى قواعد السياسة الخارجية مطلع الألفية والتي كانت تقوم على استراتيجية تصفير المشكلات مع دول الجوار، خاصة بعد أن كانت قد انتهجت منذ مرحلة الربيع العربي استراتيجية قائمة على التصادم وخلق المشكلات مع دول الثقل العربي.
يبدو واضحاً أن تركيا تحاول إعادة بناء الجسور مع أفكارها القديمة، والتي صاغها أحمد داوود أوغلو الذي يعدّ مهندس السياسة الخارجية التركية منذ الألفية الثالثة، والتي لخصها في كتابه “العمق الاستراتيجي”، حيث كان يرى أنّ قيمة الدولة في العلاقات الدولية تتحدّد بشكل رئيس من موقعها الجيواستراتيجي ومن عمقها التاريخي، وعليه فإنّ تركيا ذات الهوية المركبة من هوية شرق أوسطية وبلقانية وآسيوية عليها أن تنهج سياسة خارجية تهدف إلى إرساء دعائم استقرار داخلي وإقليمي، لأنّه بواسطتهما يتحقّق الأمن القومي التركي، الأمر الذّي يترتّب عليه ضرورة أن تُوظِّف تركيا -بشكل جيد- موروثها التاريخي والجغرافي في سياستها الخارجية، وهو ما تحاول تركيا اليوم العمل على انتهاجه من خلال إعادة ترميم الجسور مع دول الجوار.
يرتبط الاقتصاد التركي ارتباطاً كثيراً بتوجهات السياسة الخارجية، وبالتالي فإن تركيا استطاعت أن تتعافى من أزمات التسعينات الاقتصادية من خلال إجراء تغيير جذري في توجهات سياستها الخارجية، وهو ما مكن الدولة التركية من أنت تفتتح لنفسها أفاقاً اقتصادية أوسع، وأسواقاً اقتصادية جديدة، وبخاصة مع دول الخليج، وهي "الثقل الاقتصادي والتجاري"، وما كان من نتاج ذلك أنها أعطت حزب العدالة والتنمية الفرصة لانتشال الاقتصاد التركي من حالة الانهيار التي كان يقف على أبوابها إلى مرحلة من النمو الاقتصادي المتصاعد، والذي ساهم ذلك على إعادة إبراز قوة الاقتصاد التركي والحفاظ عليه من الانهيار، حيث شهد الاقتصاد التركي في ظل استراتيجية تصفير المشكلات من 2002 - 2014 نمواً ملحوظاً مقارنة بما قبلها بين العامين 1990 – 2002 ، وهو ما انعكس على مستوى الدخل الفردي بمعدل سنوي يقارب 3.4% بعد أن كان معدل النمو السنوي 1.3% ومن 6878 دولار في العام 2002 إلى 10266 في 2014.
اليوم، وفي ظل حالة التدهور التي يعيشها الاقتصاد التركي والانهيار الحاصل لليرة التركية، تجد تركيا نفسها أمام ضرورة إجراء مراجعة لقواعد سياستها الخارجية، والعودة إلى قواعدها القديمة السائدة مطلع الألفية والتي كانت قائمة على "تصفير المشكلات مع دول الجوار بدلاً من استراتيجية خلق المشكلات"، وبالتالي العمل على انتهاج استراتيجية قائمة على البراغماتية بدلاً من الأيديولوجيا التي كانت سائدة في مرحلة الربيع العربي كأحد أهم أدواتها في سياستها الخارجية، وهو ما يفسر بالتالي حالة الرغبة المتنامية لدى تركيا للتخلي عن دعم الإخوان والتقارب مع مصر، وأيضاً العمل على ترميم الجسور مع المملكة العربية السعودية ذات الثقل السياسي والاقتصادي، وهي خطوات لاشك سيكون من شأنها العمل على وقف التدهور الحاصل في الاقتصاد التركي.
ليفانت - خالد الزعتر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!