الوضع المظلم
الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
تصاعد الدور الصيني في الشرق الأوسط
مقداد الكركري

منذ أن أطلقت الصين مشروع الحزام والطريق "طريق الحرير" في عام 2013 وهي تحاول أن تتوسع في منطقة الشرق الأوسط في مختلف المجالات وتسعى لربط دول المنطقة بنفسها اقتصادياً وسياسياً قدر الإمكان.

ويتكون مشروع الحزام والطريق الصيني من مجموعة طرق بحرية وبرية ويعتبر ممر (الصين - آسيا الوسطى - الشرق الأوسط - أوروبا) أحد أهم ممرات طريق الحرير، حيث يمر عبر دول الشرق الأوسط، وإن وقوع طرق المشروع في المنطقة له أهمية بالغة، إذ إن المنطقة تحتوي على احتياطات ضخمة من النفط والغاز التي تعد محركاً لاستمرار الصناعة؛ ما دفع الصين لإبرام اتفاقيات اقتصادية وسياسية مع دول في شرق الأوسط، لا سيما إيران والسعودية والعراق.

ووقعت الصين اتفاقية تعاون استراتيجي شامل مع إيران لمدة 25 سنة ركزت بالدرجة الأساس على العامل الاقتصادي، كما اتفق الطرفان على تنسيق سياساتهما الخارجية في كل من (العراق، سوريا، باكستان وأفغانستان)، إذ تجد الصين في إيران شريكاً رئيساً لها في الشرق الأوسط لتنفيذ مشروعها وضمان تحقيقه النجاح المطلوب نظراً للنفوذ الإيراني في المنطقة، وتحالفاتها السياسية والعسكرية وامتلاكها موقعاً جغرافياً مميزاً، فهي تتحكم بمضيق هرمز الذي يعد معبراً مهماً للطاقة العالمية، وكذلك هي تطل على منطقة الخليج، كما أنها دولة العبور نحو بقية دول الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية والغربية، وكذلك تعد إيران مورداً رئيساً للطاقة والمواد الخام، مثل خام الحديد والمنتجات البتروكيماوية الخام، إلى الصين، ما يجعلها أولوية رئيسة في مبادرة طريق الحرير.

أما فيما يتعلق بالسعودية، فإن الصين تجدها من الدول المحورية في المنطقة الشرق الأوسط، لا سيما في مجال الطاقة، إذ تعد المملكة العربية السعودية أكبر شريك للصين في الشرق الأوسط في مجال الطاقة لامتلاكها كميات ضخمة من احتياطات النفط. ويبدو أن العلاقات الصينية-السعودية الاقتصادية متجهة نحو التطور ومزيد من الاتفاقيات الاقتصادية، كما تعد السعودية من أكثر دول العربية استقبالاً للاستثمارات الصينية، ومن أكثر الدول العربية المستثمرة في الصين. ودخلت الصين مع السعودية في اتفاقيات ضمن مجالات عديدة حول الطاقة الشمسية والتقنية المعلوماتية وتكنولوجية الصناعات الطبية والصناعات البتروكيماوية... إلخ، ما يجعل السعودية من الدول الهامة المنخرطة في طريق الحرير.

رعاية الصين المفاوضات الإيرانية-السعودية وصعود دورها السياسي في الشرق الأوسط

انتهجت الصين سياسة الحياد منطلقاً لها في الشرق الأوسط وابتعدت عن الصراعات الدائرة في المنطقة ولم تتدخل في أي صراع، وتمكنت الصين من الحفاظ على موقفها طوال العقود الأخيرة، فهي ابتعدت عن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، كما أنها لم تنخرط في صراع سني-شيعي. منحت هذه السياسة المتوازنة ثمارها للصين، حيث حظيت الصين بعلاقات اقتصادية وسياسية جيدة مع معظم الدول في الشرق الأوسط، لا سيما إيران والسعودية، إذ تجد دول المنطقة أن السياسة الصينية المتوازنة هي إيجابية وذات منفعة للجميع، فهي ساعية لخلق الاستقرار في المنطقة وخفض الصراعات القومية والمذهبية قدر الإمكان، ومؤخراً استطاعت الصين قطف ثمار نهجها الحيادي برعايتها المفاوضات الإيرانية-السعودية بغية إعادة إحياء العلاقات السياسية الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين، حيث انقطعت العلاقات بين الطرفين منذ 2016، عقب اقتحام المتظاهرين سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، ونجحت الرعاية الصينية بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وعدم تدخل أي طرف في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، الأمر الذي سيؤدي إلى خلق مزيد من الاستقرار في الشرق الأوسط وخفض صراعات النفوذ بين السعودية وإيران، وبالتالي خفض الصراعات السنية-الشيعية. إن هذه السياسة الحكيمة تمنح الصين مكانة مرموقة في النظام الدولي ما يفيد بأن نفوذ الصين السياسي متجه نحو التزايد في العالم، لا سيما في الشرق الأوسط، حيث شركاؤها الاقتصاديون والدول المنخرطة في مشروع طريق الحرير.

إن ظهور الصين كفاعل أساسي في السياسة الدولية في الشرق الأوسط ولعبها دور الوساطة بين دول المنطقة يضعها في مواجهة حتمية مع أمريكا، خاصة أن معظم دول المنطقة فيها تواجد عسكري أمريكي. كما أن دول المنطقة تمتلك علاقات سياسة واقتصادية مع أمريكا، بالإضافة إلى وقوف أمريكا بوجه مشروع طريق الحرير الصيني وتحاول أن تضع مشاريع مضادة للمشروع الصيني في الشرق الأوسط. إن دولاً، مثل السعودية والعراق، ستكون محل شد وجذب بين الصين وأمريكا، وإنه من صعب على هذه الدول انتهاج سياسة حيادية مع طرفين في المستقبل، ولعل أفضل الحلول المتاحة أمام دول المنطقة هي مراعاتها لمصالحها الذاتية قدر الإمكان بعيداً عن الضغوطات الخارجية.

وإن ظهور الصين بهذا الشكل الفعال في المنطقة وتأثيرها الواضح على السياسة والعلاقات بين الدول يهدد مكانة أمريكا في المنطقة كطرف مهيمن من الناحية السياسية والاقتصادية، وحتى العسكرية، وبالتالي يتم تهديد مكانة أمريكا العالمية بشكل مباشر، إذ إن الصين تطرح نفسها بديلاً وداعماً للاستقرار في المنطقة، كما أنها تعتمد على سياسة الشراكة والمنفعة المتبادلة ما يغري دول المنطقة بالتوجه نحو الصين أكثر، خصوصاً إن معظم الدول ترغب في التنمية الاقتصادية وتطوير اقتصاداتها وتنويع مصادر دخلها.

ليفانت - مقداد الكركري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!