الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
عدم اليقين واللاقرار
باسل كويفي

تباينت التغييرات التي طرأت على المؤشرات والتصريحات الحكومية الاقتصادية المُعلنة في معظم بلدان منطقتنا بالشهور الأخيرة، وجاءت الأرقام التي أعلنتها بعض مؤسسات الدول كاشفة عن التزام تلك المؤشرات الاقتصادية بموقعها في دائرة ذلك التباين؛ والتي تشير بطبيعة الحال لعدم استقرار الأوضاع الاقتصادية في بلدانها.

تظل الأزمات الاقتصادية - الاجتماعية أحد أقوى التحديات التي تواجهها دول المنطقة (باستثناء دول الإنتاج النفطي)، إن لم تكن التحدي الأقوى والأخطر على الإطلاق، حيث تلقي بأثقالها على المسارات السياسية باعتبارها أساساً للاستقرار في الظروف المحلية والإقليمية والدولية المتشابكة.

وبمتابعة الوضع الاقتصادي، والجهود المبذولة لمواجهة الأزمات القائمة، نراها تصطدم مع التحديات والصعوبات الداخلية، والانعكاسات السلبية الدولية المرتبطة ببيئة الاقتصاد العالمي، واستمرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

وبالتالي أعتقد أن سياسات الترقيع في جعبة الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية لن تجدي نفعاً، مما يحتم البحث عن سياسات اقتصادية جديدة وتحقق التوازن الاجتماعي وتخلق فضاء واسعاً للثقة بين القرارات الحكومية والمجتمع والمنتجين، تضاف إلى قوانين ضامنة لتدوير حركة الإنتاج والحدّ من الفساد والاحتكار، وتتدارك هجرة الرأسمال البشري والمالي عبر تحفيز الاستثمار وتشجيع الإنتاج في جميع القطاعات، مما يستدركنا في هذه الظروف الطارئة ردم فجوة الثقة، عبر تعزيز مفهوم المواطنة، لأن الوطن الذي ينتمي له الإنسان هو الذي يضمن له حياة حرة كريمة، من حيث السكن والإطعام وفرص العمل والمشاركة السياسية والرفاهية وسواها، وأي تقصير في الخدمات الأساسية، يعني ضعف الشعور بالمواطنة.

أما من الناحية الاجتماعية، فالمواطنة تعني تمتع المواطن بخدمات اجتماعية لائقة، تتضمن التعليم، وحسن الرعاية الصحية، والحد من الفقر والتنمية المتوازنة.. على سبيل المثال لا الحصر، أما من حيث المنظور الاقتصادي فيُقصد بالمواطنة إشباع الحاجات الأساسية للأفراد، بحيث لا تشغلهم هموم الذات عن أمور الصالح العام، وفضلاً عن التفاف الناس حول مصالح وغايات مشتركة، بما يؤسس للتعاون والتكامل والعمل الجماعي المشترك.

في هذا الإطار يعمل ولي العهد محمد بن سلمان جهوده الحثيثة للانتقال بالمملكة إلى العصرنة والحداثة والانفتاح على دول العالم بشكل متوازن ومتوازٍ مع المصلحة السعودية والعربية والاقليمية والدولية، لتستعيد الرياض ثقلها السياسي والاقتصادي والثقافي بشكل أكثر لمعاناً وبريقاً، مما سيرسخ باليقين أن الملك سلمان وولي عهده، انتقلا بالمملكة إلى درجة أعلى وأسرع في التطور لتلحق بركب الدول العظمى.

ويأتي في هذا السياق، الاتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية برعاية صينية وبعد مفاوضات في بكين، هو خطوة كبيرة باتجاه شرق أوسط تتراجع صراعاته وتساهم الصين في ترتيباته الأمنية ويتجاوز ماضي الهيمنة المنفردة للولايات المتحدة الأمريكية.

كما تسعى الصين إلى تحقيق اختراق أوسع وبسط نفوذها عبر قمّة خليجية إيرانية تخطط لعقدها خلال هذا العام، وفقاً لما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، وهي خطوة تبدو وكأنّها متعمّدة لإغاظة واشنطن اقتصادياً، في الوقت الذي تتفاعل أزمة إفلاس بنك "سيليكون فالي" الأمريكي وحتى اللحظة، يظهر أنّ الأسواق قد استفادت من دروس أزمة 2008 المالية، وتحاول احتواء الأزمة الحالية بالرغم من انهيار أسهم البنك والشركة المالكة له وانعكاس ذلك بهبوط على بورصات أمريكية وأوروبية وعربية وآسيوية ، في نفس الوقت الذي قد يكون إفلاس بعض البنوك الأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية (سيلفر غيت) وكذلك بنك كريدي سويس السويسري المعروف بودائعه الكبيرة إذا لم تتدخل السلطات المالية العامة لمنع إفلاسهما. عقبة أخرى في الأزمة، وبالتالي نستنتج انعكاساً للتطورات السياسية والعسكرية والأمنية، فحواها من المتوقع سطوع نظام مالي عالمي جديد، بالتوازي مع الانتقال الى عالم متعدد الأقطاب.

ما يسرّ الذين يريدون الخير للمنطقة التي نعيش فيها أن الاتجاه العام لدول منطقتنا الأوسطية، تتجه نحو الوئام والتصالح ونبذ العدائية وعدم التدخل، وإن التقارب بين السعودية وإيران وبين مصر وتركيا، وتصريحات وزير الخارجية السعودي والتركي بخصوص سوريا وزيارات متعاقبة لوزراء خارجية عُمان ومصر والإمارات والأردن وإيران إلى سوريا، والزيارات الرسمية لرئيس الجمهورية العربية السوريةإلى مسقط وموسكو وأبو ظبي، قد تشير بدلالات واضحة إلى النوايا الحَسَنة لإرساء الاستقرار والأمن والسلام المستدام.

في المقابل، وعلى الصعيد الداخلي السوري، نؤكد أن بناء السلام المستدام يتطلب حواراً سورياً وتنفيذ القرار الأممي 2254 بنكهة سورية، مما يتطلب عقد مؤتمر سوري جامع في دمشق بمشاركة واسعة من النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تُمهد لعقد اجتماعي جديد يتوافق عليه السوريون باليقين والقرار.

وفي تصريح لصحيفة «الوطن» عام 2018، اعتبر رئيس الكتلة الوطنية الديمقراطية المعارضة في سوريا باسل كويفي، أنه من دون المعارضة الداخلية والقوى الوطنية لا يوجد حل للأزمة السورية، وأن الشعب السوري هو الأحق في تقرير مستقبله وفق الحوار السوري – السوري والحل السياسي بمشاركة جميع القوى الوطنية والسياسية والمعارضة في الداخل والخارج الذين لم يشاركوا في نزيف الدم السوري.

من زاوية أخرى، وبالإشارة إلى الكوارث الطبيعية وغيرها والتي تدخل في صُلب العلاقات الإنسانية، نعيش في منطقتنا حالياً محاولة لبناء الثقة بين الأفراد والمجتمع، بين المجتمع والحكومات، بين الدول وبعضها، ونعيش مرحلة معالجة أزمات السنوات الماضية، في محاولة لاختبار معنى المصطلح الدارج (تضافر الجهود) لوضع آلية شاملة لمعالجة مشاكل الماضي في حدود ما تجود به حالة الثقة وبناؤها وحسن تنفيذها.

في هذه الظروف الصعبة تبرز أهمية (سرعة التعافي)، ويصدق هذا بوجه خاص في حالة البلدان النامية، حيث لا تكون سبل الرزق مضمونة حتى مع انعدام الكوارث. وعندما تمضي عملية الإعمار في مرحلة ما بعد الكارثة بخطى بطيئة تكون الشدة الاقتصادية والحرمان الذي تعاني منه الأسر والجماعات المحلية عميقي الجذور ويستمران لأمد طويل.

ولنوعية التعافي الاقتصادي أيضاً أهميتها. فغالباً ما ينظر إلى الكوارث الطبيعية باعتبارها تتيح فرصة "لإعادة البناء على نحو أفضل" سواء تعلق الأمر بالمساكن أم الطرق أم المدارس أم المستشفيات. إلا أنه من المهم توضيح المقصود بكلمة "أفضل"، وذلك أن إعادة بناء المساكن والبنى التحتية العامة يجب أن يتم وفقاً "لمعايير السلامة العليا" التي تحد من خطر الكوارث، ويعد أمراً حيوياً من شأنه أن يقلل في المستقبل إلى أدنى حد الخسائر البشرية والاقتصادية لأي كارثة ويساعد على تهدئة مخاوف الناجين وامتصاص صدمتهم وهم يسعون إلى إثبات وجودهم من جديد في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

وأحياناً ما ينُظر إلى عملية إعادة البناء بشكل أفضل باعتبارها فرصة أُتيحت لبلد تعرض لكارثة كي يحقق "طفرة في مجال التنمية" بإنشاء بنى تحتية متطورة ما كانت لتوجد لولا لم تقع الكارثة. ومع ذلك فإن لم تجرِ هذه العملية بما يتوافق مع القدرات المحلية المتاحة ستتعثر جهود الإنعاش. ومن ثم يمكن أن تكون "إعادة البناء على النحو المناسب" هي أكثر ما تحتاجه البلدان التي دُمرت اقتصاداتها، وحتى ذلك يُعد أمراً بالغ الصعوبة بالنسبة للبلدان الفقيرة التي تفقد الكثير من رأسمالها البشري عندما تحل بها الكوارث.

ففي أعقاب الكارثة وبعد الصدمة، تقوم الحكومات والجهات المانحة "بتقييم الأضرار والخسائر وتضع مقترحات فنية بشأن الإعمار". إلا أن نواتج تلك الخطط يمكن في أحيان كثيرة أن تحيد عن مقاصدها. ففي الواقع العملي، تتدخل عوامل أخرى، من بينها، مدى توافر الأموال والمهارات اللازمة ونوعية المؤسسات المنفذة والمصالح الثابتة وعلاقات القوى المؤثرة.

باعتقادي واستخلاصاً لدراسات وأبحاث عميقة، آن الأوان بعد الزلزال وتداعياته (آخذين بعين الاعتبار الكوارث الطبيعية والحربية التي خلفتها المجموعات الإرهابية في المدن السورية خلال الأزمة) أن يكون العمل جاداً للسعي لإحداث (استثناء عن عدم اليقين واللاقرا ر)، "هيئة لإدارة الكوارث" غير حكومية تنسيقها المباشر مع مؤسسة الرئاسة تضم تكنوقراط وفنيين وأكاديميين ومتخصصين والمجتمع المدني الفعّال وممثلين عن الوزارات والمؤسسات الحكومية ذات الصلة، تشمل أقساماً متعددة أهمها:

١-دراسات (متابعة جميع التغيرات المناخية والفلكية والحرارية والسجلات الزلزالية المحلية والإقليمية والعالمية والجفاف والتصحر والمياه والأبنية والمنشآت القديمة والحديثة والتي هي قيد الإنشاء).

٢- تنفيذ: (تضم فرق الإنقاذ من الدفاع المدني والإطفاء وتوابعهم مع فرق متخصصة في كل مجلس محلي لتدريب الكوادر المحلية وتوزيع المسؤوليات والمهام لمعالجة أي طارئ مع تجهيزات حديثة.. وتدريب المتطوعين ومتابعة تنفيذ الأبنية العامة والخاصة ومنع المخالفات والبناء إلا وفق الكود السوري الناظم للبناء ومراقبة مواد البناء وغيرها التي من شأنها الحفاظ على بنيان الحجر والبشر).

٣- الإغاثة والتعليم على تقديم برامج الإغاثة اللازمة والتنسيق بين المنظمات الدولية والمحلية والهلال الأحمر العربي السوري لتقديم الإغاثة وتنظيم التوزيع العادل والمتوازن والشفاف.

الزلازل الموثّقة تاريخياً على طول فالق البحر الميت وشرقي المتوسط والفالق الأناضولي والأفريقي والأوراسي متعددة، علينا التعايش مع الواقع بتغليب الوعي والثقافة المجتمعية عن واقعنا الجيولوجي، بعيداً عن الذعر والخوف والوسواس الذين لا يغيّرون في الواقع أي شيء.

‏كما عاش أجدادنا، نستطيع العيش بسلام، في وسط طبيعة ومناخ وعوامل عدم اليقين واللاقرار، فالقرار التي تتخذه الطبيعة لا يمكن لأحد التنبّؤ بحصوله.

كل عام وأنتم بخير، بمناسبة عيد الام وقدوم شهر رمضان المبارك، ونتمنى السلامة والخير للبشرية جمعاء.

 

ليفانت - باسل كويفي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!