الوضع المظلم
الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
  • تطبيع الملالي مع أعدائهم العرب.. الدوافع والركائز والآفاق

تطبيع الملالي مع أعدائهم العرب.. الدوافع والركائز والآفاق
سامي خاطر

النظام الإيراني من أكثر النظم إثارة للجدل في منطقة الشرق الأوسط؛ نظراً لطبيعته التي نشأ عليها ونهجه القائم وتأثيره المرعب داخل إيران وفي محيطها والعالم الخارجي، وانتهاج هذا النظام لمسار ديني مذهبي مغايرٍ تماماً عن حقيقة الإسلام المحمدي الأصيل، ويتجلى هذا التأثير داخلياً في حجم البطش والاضطهاد على كل من يخالفه الرأي من كافة مكونات الشعب الإيراني وسلب موارد الدولة وتسخيرها لخدمة مخططاته وتعزيز سلطاته القمعية لإسكات الشعب والاستمرار في السلطة.

أما تأثير هذا النظام في محيطه الإقليمي فقد كان لعاملي الجغرافيا السياسية والطائفية التعبوية الأثر الكبير في المنطقة، فقرب إيران الجغرافي للمنطقة العربية، ومشاركة حدودها مع دولة ذات تأثير ونفوذ في المنطقة، كالعراق، قد أسهم في تشكيل وعي كل طرف بالآخر، خاصة في إطار الموالاة السياسية العراقية الحالية لنظام الملالي الذي نشر وباء التطرف والسلاح المنفلت في العراق، وعلي الرغم من أهمية عامل الجغرافيا السياسية، فإن الطائفية التعبوية التي يؤطرها الملالي في إطار ما يسميه بتصدير الثورة هي المؤطر الحقيقي لشكل العلاقة التي يطمح لها الملالي مع العرب، وفي الحقيقة لا يمكن الحديث عن العرب وإيران الملالي أو ذكر مواطن التوافق أو الاختلاف بين الطرفين من دون الحديث عن عامل الطائفية التعبوية وإثارتها وتأججها في العراق يعد الخطوة الأولى في مشروع اجتياح نظام الملالي للمنطقة العرب وبأشكاله المتعددة والمدمرة.

تتسم السياسة الخارجية الإيرانية في حقبتيها حقبتي الشاه والملالي بطبيعة معقدة، ومن الصعب وصف السياسة الخارجية الإيرانية ضمن إطار محدد لما تحويه من الكثير من الغموض والتحرك السريع واللعب على عامل الزمن، والانتقال تارة بين دائرة المذهبية المبهمة، وتارة أخرى بين دائرة المصالح، وبالتالي انعكست كل هذه العوامل علي طبيعة السياسة الإيرانية تجاه الدول العربية في نظامي الشاه المخلوع والملالي والتطورات المرتبطة بتلك الدول، ويمكن القول إنه من غير الدقيق تعميم سياسة إيرانية موحدة في ظل سلطة الملالي تجاه جميع الدول العربية، ولكن يمكن الجزم بأن السياسة التي اتبعها نظام الملالي تجاه الدول العربية قد مرت بثلاث مراحل أساسية، المرحلة الأولي منذ سرقة الثورة الإيرانية وإقامة الملالي لما أسموه بـ الجمهورية الإسلامية سنة 1979، والمرحلة الثانية منذ الاجتياح العراقي للكويت عام 1990 أما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي المرتبطة ببدء ما يسمى بالربيع العربي.

جدير بالذكر أن طموحات الملالي وأهدافهم الإقليمية قد اختلفت مع تمكنهم بدعم غربي في سلب الثورة  وإقامة ما أسموه بـ الجمهورية الإسلامية الإيرانية تلك التي لم تراعِ قيمة مفردة الإسلامية ولا قيمة مفردة الإيرانية، ويُعد الدستور الإيراني (دستور الملالي) الإطار الأول في تحديد سياتهم تجاه الدول العربية، وبالتالي فهو المحرك الأول لسلوك الملالي السياسي، وما سياستهم الخارجية إلا نتاج الأيديولوجية الطائفية التي يتبنونها وحددوا بها شكل سلوكهم السياسي أولاً عن طريق أيديولوجية التمدد، وثانياً فيما يتعلق بالخطاب الطائفي التحريضي التعبوي، وفي صورة أخرى مغايرة تماماً عن الخطاب الطائفي التعبوي التحريضي يظهر شعارٌ لطالما كرره خميني منادياً بمبدأ وحدة الأمة الإسلامية في العديد من خطاباته، وهنا يري النظام الإيراني أن إنشاء الدولة الإسلامية وفق نهجه ومسلكه هي الخطوة الأولي في نشر هذا المبدأ، وهو ما ضاعف حالة الجدل بين السنة والشيعة بسبب تمحور خطاب توحيد الأمة الإسلامية الذي يدعو إليه الملالي تحت مفهوم "ولاية الفقيه".

لقد نجح النظام الإيراني في حقبة ما بعد إحتلال العراق سنة 2003 في خلقِ نظامٍ سياسيٍ تابعٍ له ومهيمناً عليه ليصبح حليفاً استراتيجياً له في المنطقة معززين بذلك نفوذهم الأمني والاقتصادي والسياسي والعسكري في العراق.

يعتمد دور النظام الإيراني في المنطقة في المقام الأول على سطوته على أدواته وميليشياته في المنطقة، وكذلك في قدرته على توظيف العامل الطائفي التعبوي للتدخل في شؤون دول المنطقة، وقد سعى نظام الملالي إلى لعب دور سياسي تعبوي مبطن منذ الوهلة الأولي لظهور الإسلاميين في المشهد السياسي الحاكم، بعد أحداث الربيع العربي في كل من مصر، وتونس، وليبيا، كامتداد لنهج ولاية الفقيه على اعتبار أن ذلك صحوة إسلامية متأثرة به في المنطقة، لكن شعوب المنطقة رفضت ذلك.

دوافع الملالي للتطبيع مع أعدائهم العرب

هناك دوافع إقليمية ودولية قد تكون هي الأساس في دفع نظام الملالي إلى التطبيع مع العرب الذين كانوا أعداء الأمس، وهذه الدوافع بالمجمل كما يلي: 

السعي للانفتاح مع المملكة العربية السعودية للاستفادة من التطبيع معها في إنقاذ علاقاتهم مع الغرب.

يتطلع الملالي إلى إمكانية تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة مع السعودية لما لذلك من أهمية فى تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمار على أمل أن يفضي ذلك كله في إفشال مشروع العزلة المفروضة على طهران، وأن يمهد التطبيع مع الأعداء العرب الطريق لكسر العزلة الاقتصادية، وإجهاض جزء لا بأس به من العقوبات الاقتصادية على إيران كما فعل الملالي من خلال علاقتهم مع العرق التي أفضت إلى خلق أزمة اقتصادية عراقية كبيرة مست السوق والنقد المحلي والأجنبي بسبب التلاعب الخفي لـ أذرع الملالي داخل العراق وحتى داخل سوريا المنكوبة.

رغبة الملالي في التطبيع من أجل الإستفادة من السعودية لممارسة دور من شأنه أن يؤدي إلى التحكم في مسارات سوق النفط العالمي.

قناعة الملالي في طهران بأن السبيل الأمثل لتقليص الضغوط المُمارسة عليهم من قبل المجتمع الدولي اتباع ما من شأنه أن يخفف التوترات مع جيرانهم العرب بما فيهم السعودية.

يخدم التقاربُ مع السعودية سياسةَ الملالي مع الولايات المتحدة الأمريكية، فعبر إتمام مصالحة مع السعودية أبرز خصومهم الإقليميين وأهم حلفاء الولايات المتحدة المنطقة، تُجرِّد طهران واشنطن من أهم أسلحتها وهو تعامل الولايات المتحدة مع نظام الملالي كنظام ضارٍ ومهددٍ للأمن الإقليمي والعالمي، فضلاً عن أن إدخال بكين وسيطاً في منظومة الأمن الإقليمي يخفف من احتكار النفوذ لصالح الولايات المتحدة ويصب في مصلحة الملالي.

ينظر الملالي إلى التطبيع مع أعدائهم العرب على أنه مخرج لهم بسبب ازدياد حالة الشك والريبة المتأصلة بين الدول الغربية وبينهم، وتراجع موازين الثقة فيما بينهم إلى حد كبير خاصة بعد الحرب الأوكرانية.

يهرول ملالي إيران نحو تسوية خلافاتهم الإقليمية ليتسنى لهم التعامل مع تحدياتهم الداخلية خاصة وأن تزامن التطبيع مع العرب قد جاء بعد تأجج الإحتجاجات الشعبية الداخلية غير المسبوقة والجارية إلى اليوم في جميع أنحاء إيران وقد تصاعدت من خلال هذه الاحتجاجات المطالب الشعبية بإسقاط وتغيير نظام الملالي.

ظن الملالي بأن التطبيع مع أعدائهم العرب قد يخفف من وطأة الضغوط المتزايدة على نظامهم بسبب الملف النووي.

تزيد الصعوبات الاقتصادية من دوافع نظام الملالي للتقارب مع السعودية، حيث تعاني طهران من عجز شهري في الموازنة يبلغ مليار دولار تقريباً علماً بأن الحد من الإنفاق العسكري والأمني ودعم الإرهاب والتطرف هنا وهناك قد يوفر أكثر من المبلغ لخزانة الملالي.

اعتقاد الملالي بوجود دعم وتخطيط سعودي للاحتجاجات في الداخل الإيراني وأن التطبيع سيكون وسيلة احتواء لمسارعملية الإحتجاجات الشعبية ضد الملالي في إيران.

تداعيات الموقف الإيراني من الحرب في أوكرانيا، وما يمكن أن ينتج عنها.

الخسائر الاقتصادية التي مُنيت بها حكومة نظام الملالي والتي قُدِرت بـ 150 مليار دولار، إضافة إلى الخسائر الكبيرة في مدخولات ما يُسمى بـ الحرس الثوري الذي صنفه ترامب كمنظمة إرهابية.

إغراء السعودية بتفعيل اتفاقية 2001 للتعاون الأمنى والتعاون لمواجهة الإرهاب، وتهريب المخدرات وغسيل الأموال؛ المبرمة بين إيران والسعودية.

اعتقاد الملالي بأن التطبيع مع العرب قد يثمر عن مكاسب اقتصادية، والمطالبة بمقاربات أخرى من أجل تفعيل الاتفاق النووى.

اعتقاد الملالي بأن التطبيع مع العرب يمكن أن يكون تكتيكاً يتم التأكيد من خلاله على فشل مشروع عزل طهران، حيث إن التطبيع قد يمهد الطريق لكسر العزلة الاقتصادية، وإجهاض جزء من العقوبات الاقتصادية على إيران.

يأتي تطبيع الملالي مع أعدائهم العرب من التطلع إلى ضرورة نشوء نظام عالمي جديد مناهض للغرب ويكون الملالي جزءاً منه، نظام تقف الصين وروسيا فيه جنبا إلى جنب، وبالتالي استبعاد الولايات المتحدة من أي ترتيب إقليمي جديد.

يعتقد الملالي أن إتفاق التطبيع مع أعدائهم العرب الذي توسطت فيه الصين “يضرب عصفورين بحجر واحد” في هذا الصدد من خلال كسر طوق العزلة المفروض حول عنق الملالي والهروب من مصير السقوط والزوال من جهة، وتقويض وزن ودور الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط من جهة أخرى.

آفاق التطبيع بين الملالي والعرب

التأثير على العلاقات الدولية السعودية وبالتالي العلاقات العربية الدولية.

عودة سوريا إلى الحضن العربي.

أن يسفر التطبيع عن تهدئة المخاوف بشأن تدخّل إيران في المنطقة ودعمها للمجموعات والميليشيات المتطرفة.

أن يتيح التطبيع للملالي فرصة التهدئة والحد من سباق إقليمي على التسلّح، لكنه يسمح للملالي بنفس الوقت بالحفاظ على برنامجهم النووي السري بشكل أو بآخر.

يأمل العرب أن يساعد التطبيع في تيسير مسار المحادثات المتعثّرة حول البرنامج النووي الإيراني والتوصّل إلى اتفاقٍ بهذا الشأن.

يأمل العرب أن يساعد التطبيع على التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار في اليمن للتوصل إلى حل سلمي للصراع، ما من شأنه أن يسمح بتدفّق المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار.

يأمل العرب أن يساعد التطبيع على حلحلة مشاكل شائكة في كلٍّ من العراق وسوريا ولبنان.

يأمل الملالي أن يتيح التطبيع مع أعدائهم العرب فرصة لنظام الأسد لإعادة ترتيب بيته الداخلي وإقامة علاقات إقليمية جديدة.

يأملون هنا، ويأملون هناك؛ وسابق الأيام ومقبلها خير دليل.. وأفلح الملالي (إن صدقوا)، وقد تغير الشعوب والمفاجآت المعادلة، وعندها لن يكون التطبيع إلا فرصة لكسب الوقت الذي يحتاجه الملالي كعادتهم في التفاوض من أجل لملمة أوراقهم على الأرض من جديد، وستبقى ميليشياتهم ومخدراتهم وأدواتهم الأخرى قائمة كوسائل للمناورة والتفاوض حنى زوالهم.

ليفانت - د. سامي خاطر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!