-
تغيير المعايير الاجتماعية - الاقتصادية للتعافي والنهوض "٢"
من حيث الشكل: استمراراً للنقاش والحوار حول رؤية إيجابية لمعضلات يتعرض لها وطننا الكبير وسوريا، على وجه الخصوص، انبرت العديد من الشخصيات الوطنية التي تمتلك الحس الوطني والجرأة والإحساس بالمسؤولية للمشاركة في ندوات ونقاشات حوارية من شأنها الوصول إلى توصيات مستخلصة من حوار مجتمعي - اقتصادي حقيقي بحضور فعاليات ونخب من كافة الشرائح السورية والكفاءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية، والتي وضعت نصب عينيها هموم السوريين ودأبت على العمل الطوعي للمشاركة في الشأن العام وتقديم رؤى واقعية للبناء الاقتصادي، الذي من شأنه الحد والتخفيف من معضلات يتعرض لها وطننا وشعبنا. المعايير
وقد توضح خلال الحوارات ضرورة تغييّر جذري في السياسات الاقتصادية - الاجتماعية، يحدد أولويات برنامج البناء الاقتصادي - الاجتماعي لرفد الحل السياسي وعودة الاستقرار والسلام المستدام.
إن الاقتصاد المتعافي ومنهجه يستوجب تحديد الأساسيات الآتية:
1-التوجهات المستقبلية للاقتصاد السوري (هوية الاقتصاد).
2-النمو الاقتصادي وسبل تحسين المستوى المعيشي للسكان.
3-الفساد وآثاره الاقتصادية والاجتماعية.
4-تحفيز البيئة الاستثمارية بشفافية ومنع الاحتكار (زراعياً وصناعياً وسياحياً وتجارياً…).
5-حماية الملكية وعودة الرساميل الوطنية المهاجرة.
من حيث الموضوع:
لقد وصلت سوريا، بشعبها وحكوماتها، إلى مرحلة الانسداد أمام النفق الضيق الذي بدا واضحاً منذ سنوات عديدة، وإذا كانت الحكومة تعاني قلة الموارد وارتفاع المديونية التي تزداد تضخماً، فإن الأغلبية العظمى من المواطنين قد اجتازوا حدود الدين المتعسر، حتى من يظن أنهم من الناس الأثرياء لم يعودوا يملكون المال، بل لم يعودوا يملكون مقومات العيش الكريم.
اليوم أضحى من الضرورة على الحكومة العمل على إصدار قرارات إعفاءات وتبسيط الإجراءات بتقسيط الضرائب والرسوم والغرامات بدلاً من الجباية الجوفاء وتنفيذ أحكام تنفيذية بالحجز والبيع بالمزاد لممتلكات الأفراد الذين لم تمكنهم الظروف الاستثنائية بالسداد، وغيرها من القرارات التي تساهم في إعادة تدوير عجلة الإنتاج وغيرها.. وهو ليس بكاف لإخراج البلد من قفص الشلل الاقتصادي في ظل إعسار عام بات واضحاً، مع ضرورة الانفتاح على الدول المجاورة والعالمية والأسواق الدولية بما يساهم في دعم الاقتصاد وإعادة البناء، والسير بخطى جادة نحو الطاقات البديلة وتشجيع وتحفيز العمل والاستخدام.
لدى تحديد أهم المعايير الاقتصادية لتحقيق البناء الاقتصادي المطلوب معالجتها عبر التغيير الجذري، نلاحظ النقاط الأساسية الآتية:
1- تحديد هوية الاقتصاد السوري، وبعد تجارب الاقتصاد الاشتراكي واقتصاد السوق الاجتماعي، وعدم تحقق الفائدة المرجوة من تلك السياسات الاقتصادية، نعتقد أن الاقتصاد المفتوح والمنفتح الحر قد يلبي حاجة السوق والمجتمع في النمو والتقدم.
2- إن الأخذ بسياسة الاقتصاد الحر يتطلب عدالة اجتماعية أكثر انفتاحاً، وبالتالي فقد يكون من الأهمية القصوى توزيع معونات مالية إلى المواطنين الاكثر عوزاً، (الدعم المادي بدلاً من السلعي)، وبالتالي قد يوفر على الخزينة العامة مبالغ كبيرة نظراً لأن الدعم السلعي للمواد يشمل جميع القاطنين، بينما الدعم المادي يشمل الفئات التي سيحددها قانون يستثني أصحاب الأعمال والمدخرات من الدعم، بالإضافة إلى القدرة على الحد من الفساد وتحقيق عدالة اجتماعية عريضة، والتخفيف من استنزاف الخزينة العامة، (مع العلم أن التضخم واختلاف أسعار الصرف كان عاملاً إيجابياً في مساعدة الدول على النهوض الاقتصادي إذا رافقه الانفتاح على التصدير وإعادة القطع ويحقق منافسة المنتج الوطني في الأسواق العالمية).
3- تحقيق الأمن الغذائي، يتطلب تحفيز ومساعدة قيام المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا، وعلى الأخص، زراعياً وصناعياً، إلا أن الأمن الغذائي مرتبط بتحقيق الأمن المائي والاستقرار والسلام المستدام، وبالتالي فهو بحاجة إلى سياسات أكثر مرونة وتطوراً على الصعيد الإداري والمالي والمصرفي والخدمات والبنية التحتية، ويتواءم مع اللامركزية الإدارية وخصوصية المناطق، مع الإشارة إلى أن نقص سبل الحصول على إمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي جانب واحد فقط من جوانب انعدام الأمن المائي. أما الجوانب الأخرى فتتمثل في كثرة المياه أو قلتها عن الحد، أو في تلوثها لدرجة لا تسمح بالاستفادة منها أو استخدامها. ويمكن أن تتسبب كل هذه الجوانب مجتمعة في اضطرابات شديدة للأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، فضلاً عن تفاقم هشاشة الأوضاع.
4- إعادة هيكلة المؤسسات التي تعنى بالاقتصاد والوزارات ذات الشأن، عبر الدمج أو حلها في حال عدم الجدوى من وجودها بما يحد من البيروقراطية وسوء الإدارة، ويرفع من خدمة المواطن ويحقق الفائدة المرجوة والقيمة المضافة، (فمثلاً دمج المصرف التجاري السوري والعقاري والتسليف والبريد ليصبح بنك التجارة والتمويل والبناء، ودمج المصرف الصناعي والزراعي ليصبح بنك التنمية الزراعية والصناعية)، وكذلك دمج وزارات الصناعة والتجارة الخارجية والداخلية لتصبح (وزارة التجارة والصناعة)، وكذلك دمج وزارتي النفط والثروة المعدنية ووزارة الكهرباء لتصبح (وزارة الطاقة)، بما يتيح آلية عمل مشتركة بإمكانها وضع سياسات عامة تنعكس إيجابياً على توفر المواد والطاقة والتنمية.
5- ضرورة تعديل قانون التجارة ومنظومة القوانين المصرفية لتصبح حيادية تجاه المستثمر وليست طرفاً مع المصارف، كما هو الحال عليه الآن، حيث تصدر المحاكم المصرفية أحكامها على المدينين حسب ادعاء البنك دون النظر إلى الظروف الاستثنائية والوثائق المقدمة من المستثمر مما يساهم في هجرة الرساميل الوطنية وتوقف الاستثمار، كما أنه أضحى من الإيجابية في تحفيز الاقتصاد وإعادة تدوير الإنتاج، إصدار مرسوم بتسوية الديون المترتبة على عملاء البنوك، سواء العامة أم الخاصة، وإجراء تسوية (ضمان أصل الدين والإعفاء من الغرامات والفوائد) عملاً بالظروف الاستثنائية، وخصوصاً للمنشآت التي كانت في المناطق الساخنة، مع إلغاء كافة الاجراءات بما فيها الحجز التنفيذي وتحويله إلى حجز احتياطي، ومنع السفر للمدينين والضامنين، بعد إجراء التسوية وتقديم ضمانات مقبولة، أو تسجيل الضمانات باسم البنك لغاية السداد التام.
6- استثمار الثروات الطبيعية والمقدرات المحلية والموقع الجغرافي المميز بشكل يحقق تكاملاً اقتصادياً اجتماعياً عادلاً.
7- توفير التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يعمل على دعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة ويساهم في الحفاظ عليها بدلاً من هجرتها.
8- السير نحو تحقيق التوازن بين الدخل والإنفاق عبر زيادة الدخل بصفة عامة، في مقابل زيادة الإنتاج والإنتاجية بشكل فعال.
9- التشاركية مع القطاع الخاص وتحفيزه على المشاركة في المسؤولية الاجتماعية، مما يحد من الانقسامات المجتمعية، وخصوصاً في المناطق الريفية.
10- وضع برنامج واضح وتشاركي حول التنمية المستدامة في سوريا بما يحد من التخلف والجهل والفقر، وفق أهداف الألفية الثانية للفترة بين 2016-2030.
11- كسر الاحتكار والحد من والفساد ضمن منظومة قانونية تحقق المساواة والعدالة بين الجميع.
12- وضع خطط عبر برنامج تكتيكي أو إسعافي لمعالجة الأوضاع الاقتصادية الراهنة وفق الأولويات الممكنة، وبرنامج تنموي استراتيجي يعتمد على القدرات المحلية بالشكل الأعظم.
13- بذل الجهود لتحقيق استقرار متوسط الأجل (3 سنوات) للسياسات الاقتصادية والمالية والمصرفية، بناء على متطلبات المرحلة الاستثنائية، ويتم خلالها إعادة التقييم والدراسة واحتساب الجدوى لتطوير هذه السياسات وتعديلها إذا اقتضى الأمر، والتحول من الاقتصاد الرجعي إلى الإنتاجي، والانتقال من الجباية الجوفاء إلى الجباية ذات المعالم والمحددة التوجه بقصد التنمية وتأمين الخدمات وتلبية احتياجات المواطنين، كما أنه من المفيد الإشارة إلى فصل السياسة النقدية واستقلاليتها كخطة طموحة تعتمد استراتيجية السياسة الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تحددها السلطة السياسية، على ألا تقوم نفس السلطة بالتدخل في عمل البنوك المركزية التي تتمتع بالنزاهة والكفاءة (الحالة المشابهة في استقلالية القضاء)، وتبقى الحكومة جهة رقابة على الأداء وتطبيق الاستراتيجية المحددة.
14- إعادة تأهيل المصانع الحكومية الاستراتيجية، كمصانع الحديد والكابلات والإسمنت، وذلك إما بالتشاركية مع القطاع الخاص أو تحويلها لشركات مساهمة على أن يكون مجلس الإدارة فيها من التكنوقراط والمساهمين وأن يكون المدير التنفيذي عبر الانتخاب الحر من الهيئة العامة، وفق ملف الاعتبارات العلمية والفنية والإدارية والأخلاقية.
15- ضرورة تعديل القوانين، وفق بيئة تشريعية وقانونية حديثة، تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاستثنائية التي تمر على سوريا، وكذلك المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية المترابطة والمرتبطة طرداً وتوازياً مع التنمية الاجتماعية، وبما يتناسب مع التنمية المستدامة والعادلة.
سوريا أمانة في أعناقنا، واجبنا ومسؤوليتنا أن نحافظ عليها، وعلينا إلقاء الخلافات بعيداً والتبرؤ من كل ما من شأنه أن يفرقنا، لنتسامح ونتعالى على الألم والخلافات ولنعمل جميعاً من أجل إعادة اللحمة المجتمعية بين السوريين، من أجل الدولة المدنية والمواطنة وسيادة القانون.
من كل ما تقدم، نؤكد اعتقادنا أن تأسيس مجلس اجتماعي - اقتصادي - سياسي، في هذا الإطار والتوقيت أضحى من الضرورة الاستثنائية في تاريخ سوريا، أن نعمل على وصف ومعالجة الأوضاع المعيشية والإنسانية المتردية للسوريين، كمؤسسة مستقلة معنية بشكل مباشر بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وعلى الأخص، بعد الصراع والحرب (للتعافي المبكر)، تكون مهمته إبداء الرأي في مشروعات القوانين المعنية بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، يضم نخبة من الخبراء والمختصين بالشأن الاقتصادي والمجتمعي والحقوقي والقانوني، ولتكون مهمة المجلس تقديم الرؤى والحلول للمشكلات المستعصية التي يعانيها المواطن السوري، لتكون طوق النجاة لمعالجة همومه وآلامه، وهي الفكرة التي نأمل تضمينها بنصوص الدستور السوري، لتكون إحدى الروافع المجتمعية للديموقراطية التشاركية وتعزيز قدرة وكفاءة المؤسسات التي ازدادت ترهلاً بفعل الحرب والأزمة، وبعيداً عن الآيديولوجية والنرجسية والشوفينية، وبالتالي إعطاء المجلس الاقتصادي -الاجتماعي - السياسي صلاحيات وسلطات استثنائية، وفقاً للظروف الاستثنائية والقاهرة، آخذين بعين الاعتبار أن آلية تشكيل هذا المجلس، هي بالأساس آلية مستقلة، وبما يعطي الأدوار الخلاّقة لجميع الشرائح المجتمعية رجالاً وشباباً ونساءً، وتمكينهم جميعاً للضرورات التي تفرضها المرحلة القادمة، من أجل تعزيز السلام والاستقرار المجتمعي والمستدام
نعمل معاً.. نتشارك معاً.. ننهض معاً. كل الشكر والامتنان للسادة أصحاب الفكر والمتطوعين للعمل العام الذين شاركونا في الندوات الحوارية والنقاشات المتعددة وإعداد الدراسة والمستخلصات.
ليفانت - باسل كويفي ليفانت
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!