-
ثورة الفكر التي سُرقت من قِبل تلاميذ حسن البنّا
أثار انتباهي مشهد مرئي مؤلم، من ناشطة سورية تنقل احتفالات ذكرى الثورة السورية من داخل مدينة عفرين المكتظّة بمرتزقة درع الفرات ونبع السلام التركيتين، وهي تردّد إنها مستمرة بالثورة السورية للعام التاسع، وتختم تسجيلها المصور من ساحة الحرية داخل مدينة عفرين المحتلة. ثورة الفكر
هذا المشهد أعادني للتراتب الزمني خلال الأعوام التسعة التي مرت، إلى المظاهرات المناهضة للنظام السوري، والتي كنا نقوم بها من داخل العاصمة السورية دمشق بدايات الثورة السورية، نتنقّل كخلايا النمل من مكان إلى آخر، لنتظاهر ضدّ النظام الحاكم، وانتهاكاته المستمرة بحق السوريين جميعاً، مطالبين بحياة عادلة وكرامة لكل السوريين.
لكن، سرعان ما تبدّل المشهد بعد تدخل دول الجوار، وبالتحديد حركة الإخوان المسلمين عن طريق تركيا وقطر في الثورة السورية، حيث بدأت الاصطفافات تتشعّب، وكل فترة نشهد تصعيداً جديداً بخطاب الكراهية من السوريين أنفسهم تجاه السوريين، وكأن مقايساً جديدة فُرضت على البعض لتحريف مسار ما خرج من أجله السوريين.
نعم، تبدَّلت معالم ما كنّا نرسم له بسرعة خارقة، حيث بِتّنا نحن أرقاماً معتقلة في زنازين الأسد، أو تحولنا إلى لاجئين يبحثون عن ملاذٍ آمن للعيش بكرامة أكثر ولكن بصمت وألم أكبر، نتمعّن الشعارات الجديدة التي امتطت الثورة السورية، وجعلت من هيمنة الإخوان على الثورة شعاراً مضاداً لمطالب الحرية والكرامة.
عَمِل الإخوان على تشكيل العديد من المنصّات العسكرية والسياسية والمدنية، وادّعت جميعها شعار إسقاط النظام وإقامة نظام حكمٍ جديد في البلاد وفق مطالب الثورة السورية، علماً أنّ مطالب الثورة تختلف مع أدبيات الجماعة في دولة ديمقراطية عادلة لكل السوريين، مع التلميح بأن فكرة الدولة العلمانية والتعددية السياسية في البلاد مرفوضة أصلاً لدى الإخوان، بجانب أفكارها الخاصة داخل الجماعة ذاتها، والتي تختلف كلياً مع المطالب المحقة التي خرج بها السوريون في البدايات.
مع مرور الوقت أصبح الأمر محسوماً وفق النظريات السياسية التي تبنتها المعارضة السورية، إما دولة علمانية مستبدّة وديكتاتورية بقيادة الأسد، ترفض التعددية والمشاركة السياسية في البلاد، أو دولة لا علمانية بقيادة حزب واحد وإيديولوجيا إسلامية نابعة من نهج إخواني، رافض أيضاً للتعددية في البلاد، وبالتالي يكون القاسم المشترك بين الطرفين الاستبداد ورفض التعددية السياسية في سوريا.
حاولت الجماعة من خلال نشطائها المدنيين التغلغل داخل أجسام الثورة السورية، بالتزامن مع الجهد السياسي الذي كانوا يبذلونه لاستقطاب بعض أطراف اليسار السوري، لسحب البساط من أغلب الكتل لمصالحها الداخلية، والبدء بمرحلة العسكرة وتمويل الكتل العسكرية المتنوعة على الأراضي السورية بطرق سرية لفرض وجودها على السوريين. ثورة الفكر
وكانت البدايات الكبيرة لذلك بدعم "هيئة دروع الثورة" التي انتشرت في أغلب المحافظات السورية وتحديداً في إدلب وحماه وحلب، حيث كانت تدار عمليات الدعم من الأراضي التركية وبدعم قطري، إلى أن وصل عدد المنتمين لذلك الجسم إلى آلاف من المقاتلين برواتب مالية جيدة ومعدات عسكرية كاملة، وصولاً إلى دعم جبهة النصرة والكتل المتطرفة خارج إطار الجيش الحر، واستقطاب القادة العسكريين المتواجدين على رأس تلك الفصائل. ثورة الفكر
نعم، حاول الإخوان عمل تحالفات سياسية وعسكرية عديدة بدعمٍ قطري-تركي، والترويج لها عبر منصّات إعلامية متنوعة من خلال السوشيال ميديا، وقنوات وصحف إعلامية داعمة لنهجها، إلى أن بات القرار الكلي لهم داخل أجسام الثورة السورية السياسية والعسكرية، وذلك بتحالف وتمهيد من بعض شخصيات اليسار السوري المعارض الذين تحالفوا مع الجماعة وسلّموا زمام الأمور لهم بتحوير مطالب السوريين وفق أجنداتهم وإيديولوجياتهم الخاصة.
لذا، لم يعد المشهد الحالي يناسب أغلب السوريين، حيث توزّعت مرتزقة تركيا والإخوان بين قرى ومدن السوريين تنهب أموالهم ومنازلهم، بعيدة عن خطوط التماس مع قوات النظام السوري وميليشياته، ما ترك الباب مفتوحاً أمام إجرامه وجرأته بارتكاب المزيد من المجازر بحقّ شعبه، وبات بذلك الإخوان شركاء دمٍ مع الأسد في سفك أرواح السوريين، واستمرار نزيف الدم.
سَعت الجماعة بذلك لتحويل ثورة الفكر والعدالة إلى مطالب وصفقات تسليم واستلام، عبر هيمنتها على القرار السوري، وإدخالها ملف المطالب المحقة ضمن الصفقات السياسية-العسكرية، الناتجة أصلاً عن تدهور الحالة الصحية للثورة، ولعل آخر الصفقات تلك التي تمّت بتسليم أغلب المناطق للنظام السوري، والمصالح التركية التي يسعى الإخوان لتحقيقها في الشمال السوري، كل ذلك سيمهّد الطريق أكثر أمام السوريين لرفض تلك الهيمنة، التي شوّهت مفاهيم العدالة والكرامة لصالح طموحات مرتبطة بأجندات إيدويولوجيّة محليّة ودوليّة.
إنّ لُهاث الإخوان نحو السلطة ليس بجديد، فحركات الإخوان في المنطقة ابتداءً من مصر مروراً بتركيا ووصولاً إلى ليبيا والسودان والصومال، مازالت مستمرة لتدمير ما تبقى لهذه الشعوب من هوية، وتحطيم مطالب الكرامة والحرية التي يطالبون بها بوجه آلة القتل التي تفتك ببلادهم، ولتكون بذلك جماعة الإخوان المسلمين طُعماً إيديولوجيّاً لثورات المنطقة التي تناضل في سبيل خروجها من النمطية السلطوية لحكام بلادهم ومرتزقتهم. ليفانت
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!