الوضع المظلم
الخميس ٠٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
دافوس في مهبّ الريح
إبراهيم جلال فضلون (1)

دعوات إلى ترك الأبواق والكلام الأقلّ لساحة الواقع المُعاش والفعل الأكبر لمُكافحة الفقر الغذائي، عبر عوالم دافوس الجيوسياسية، فبعد عامين من الغياب يتأهبّ "التاريخ لمفترق طُرق"، على أعتاب "دافوس" الذي أسّسه كلاوس شواب في عام 1971.

وروّج على مدى عقود لمبادئ التجارة الحرة والرأسمالية، مؤكداً لشعاره "التاريخ عند نقطة تحول"، بل وكأنّهُ منتدى نخبوي في مهب الريح، مما يجعل اجتماع هذه السنة وقتياً للغاية، لكن هذه المرة تخيم عليه أجواء قاتمة في ظل غياب العولمة، بغياب مشاركيه المعتادين ممن تُطرح لهم السجادات البيضاء، وذلك على إثر الغزوة الروسية لأوكرانيا، وبوادر ركود اقتصادي عالمي على وقع جائحة «كورونا»، بمشاركة 2500 شخصية بارزة من عوالم الاقتصاد والسياسة.

لنراه في مشهد مُختلف بأعلى جبال الألب، العالم يمرّ بأزمات غير مسبوقة، تتطلب جميعها حلولاً مختلفة مع تراجع حادّ للعولمة، وغياب قادة القوى الاقتصادية الكبرى عنه، كروسيا التي كان رئيسها مُتحدّثاً "البوتيني" رئيسياً في دوراتها المنقضية بعيوبها، ليكون الحضور مُقتصراً على زُعماء الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين الحليفة لروسيا والتي انسحبت بسبب "زيلينسكي"، فهل فَقدَ المنتدى وهجهُ المعتاد؟

لم تنجح العولمة وسط تساؤلات حول "ازدهار الأثرياء" حل هذه المشاكل من منتجع بلدة انطلق منها هزات زلزالية جمدت توحيد الجهود الدولية لأكبر أزماتها، سواءً الصحية أو الاقتصادية، إن لم يكن للمجاعة صدارة يواجهونها منذ قرن مضى، رغم التحالفات الاقتصادية التي فشلت النخب التي تهنئ نفسها في تلافي ركود عالمي ومجاعة تهدد الملايين ومنع روسيا من جر العالم إلى مغامرة عسكرية بقلب الرجل المريض "أوروبا"، وأثرها العالمي، فكيف يعتبرها "شواب" "الأهم على الإطلاق هذا العام" مدافعاً عن المنتدى وضرورة الحاجة لمنصّة عالمية «موثوقة» لمواجهة مثل تلك الأزمات المُهلكة وتغيُرها بل وتأقلُمها مع المُتغيرات الجيوسياسية، التي فرضها الواقع الوبائي وغزو أوكرانيا الذي غربل معادلات الحرب والسلم للمرة الأولى منذ عقود، وتأزّم الأوضاع المالية وارتفاع الدولار وتباطؤ اقتصاد الصين؛ مُشككاً في نظريات اعتبرتها القارة العجوز من المُسلّمات عقب الحرب العالمية الثانية، وهو ما أثر سلباً على الاقتصاديات ككل، لكن صندوق النقد لا يتوقع ركوداً عالمياً، فهل لديه حلول؟

أشك في ذلك بوقت يواجه فيه العالم جملة تحديات، وإلا لنجح في حل مشكلاته الواقعية بدلاً من رميها على فقراء العالم.. ولرُبما تكون حُلولاً فقط للأثرياء على حساب العالم الثالث كما يفعلون الآن، بل كما فعلوا بإضافة 5 تريليونات دولار إلى ثرواتهم، خلال أزمة كورونا، بينما هوت الإنسانية بعشرات الملايين من البشر في نطاق الفقر المدقع.. وقد بلغت الخسائر التراكمية لاقتصاديات منطقة آسيا والمحيط الهادئ فقط منذ الوباء الصيني، تريليوني دولار، وقع 85 مليون شخص فيها بدائرة الفقر، وفقاً للأمم المتحدة، وها هم كبار العالم الاقتصادي ودول أوربا العجوزة يكررونها الآن، فيكنزون الصادرات الأوكرانية مُقابل السلاح خوفاً من القادم الأسوأ.. فيا حسرتاه على البشرية، ومليون ندامة على حقوق الإنسان!

بينما مراكز الثورة الصناعية الأربعة "ثلاثة مراكز في الشرق الأوسط، أحدها في مدينة الرياض، وآخر في دبي والثالث في تل أبيب". إنها مراكز من أبرز مبادرات دافوس هذا العام، قد تساعد الحكومات والقطاع الخاص على إدارة وتنظيم التكنولوجيا الجديدة، وإنتاج مجموعات عمل إقليمية هدفها خلق مساحة للتبادل والنقاش، وتبادل المعرفة ووجهات النظر.

لقد قال (جيريد هارداس) صاحب كتاب "Winners Take All :The Elite Charade of Changing the World": "إن العامين الماضيين بيّنا بشكل درامي ما كان صحيحاً لفترة من الوقت، وهو أن طبقة النخبة الثرية لا تترك بقية العالم وراءها فحسب، بل تزدهر بدقة من خلال الدوس على أعناق الجميع".

فلماذا لا يتعلم الكبار من زخم الإصلاحات في منطقة الخليج التي تقود دفة الاقتصاد وتوجهه؟ فالسعودية كانت قائدتهم في مجموعة الـ20 في أحلك الأزمات.. والآن ها هي تشارك مع مجتمع الأعمال الخطط والإجراءات التي خططت لها قبيل الجائحة، وهو ما لمسه "كيروز" من التزام دول الخليج بالإصلاحات القوية التي اتخذتها قائلاً: "ما تزال جداول الخصخصة مستمرة وفقاً للخطط المعلنة من قبل هذه الدول، كما نرى استمراراً لمبادرات التصنيع والتكنولوجيا وإطلاق شبكات الجيل الخامس (G5)".. ليُؤكد القول وزير الاقتصاد السعودي، بأن المملكة نموذج عالمي يُقتدى به لقيادة مسؤولةٍ وتحول اقتصادي مستدام ركيزته الإنسان، علماً بأن 40 % من رواد الأعمال في المملكة من النساء.. لترسم السعودية صورة مشرقة، محورها قصة تعافٍ قوي وإصلاحات مُثمرة، في ظل قيادة حكيمة ورؤية قويمة.
 

ليفانت - إبراهيم جلال فضلون

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!