-
سوريا بعد الأسد.. ثروات منهوبة وإرث اقتصادي ثقيل
مع انتهاء حكم بشار الأسد وهروبه المفاجئ مؤخرا، بدأت تتكشف حقائق جديدة حول حجم الفساد ونهب الموارد الذي مارسه النظام على مدى عقود. أظهرت تحقيقات حديثة أن عائلة الأسد تمتلك أصولاً تقدر بحوالي ١٢ مليار دولار، تشمل 200 طن من الذهب ومليارات اليوروهات، ما يعادل ميزانية سوريا لسبع سنوات، استناداً إلى أرقام عام 2023. ورغم تضارب الأنباء حول التقديرات الحقيقية لحجم هذه الثروات المنهوبة، إلا أنها بالتأكيد تشكل جانباً من المأساة الاقتصادية التي يرزح تحتها الشعب السوري بعد سنوات من الحرب والدمار.
شبكة معقدة لإخفاء الثروات
لجأ النظام السوري إلى بناء نظام مالي معقد يهدف إلى تجنب العقوبات الدولية وإخفاء ثرواته الهائلة. وفقاً لتقرير صدر عن وزارة الخارجية الأميركية عام 2022، يدير الأسد شبكة من الشركات الوهمية والحسابات المصرفية الخارجية والعقارات الفاخرة في لندن، موسكو، ودبي. هذه الأصول تخفي ثروات طائلة وتتيح للنظام التهرب من الرقابة الدولية.
إضافة إلى ذلك، أظهرت وثائق "أوراق بنما" التي نُشرت عام 2016 كيف استخدمت العائلة الحاكمة شركات وهمية في الملاذات الضريبية الآمنة لتجنب العقوبات. في إحدى الحالات، كشفت الوثائق أن أسماء الأسد، زوجة الرئيس، أنفقت آلاف الجنيهات الإسترلينية على مجوهرات فاخرة ومواد كمالية، بينما كان ملايين السوريين يعانون الجوع نتيجة الحصار والقصف المستمر.
مصادر الثروة وقطاعات الهيمنة
هيمنة عائلة الأسد لم تقتصر على استغلال موارد الدولة المباشرة، بل شملت قطاعات اقتصادية حيوية، مثل النفط، الاتصالات، البنوك، والعقارات. يُعتقد أن قيمة أصولها الإجمالية تتراوح بين 45 و95 مليون جنيه إسترليني، وفقاً لتقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان. كما اعتمد النظام على موارد غير قانونية مثل تجارة المخدرات، وخاصة الكبتاغون، التي حققت عائدات سنوية بلغت 2.5 مليار دولار.
بينما كانت سوريا غارقة في حرب مدمرة، استمر النظام في توسيع نفوذه المالي عبر طرق ملتوية. هذه الديناميكية لم تؤدِ فقط إلى استنزاف موارد الدولة، بل ساهمت في تدهور الأوضاع الإنسانية، حيث يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، ويعتمد كثيرون منهم على المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة.
التحديات الاقتصادية بعد الأسد
ترك النظام السوري البلاد في حالة انهيار اقتصادي شبه كامل، حيث بلغت خسائر الحرب أكثر من 540 مليار دولار، بحسب البنك الدولي. البنية التحتية مدمرة، والقطاعات الإنتاجية شبه معطلة، مما يجعل إعادة الإعمار مهمة شاقة تتطلب مليارات الدولارات.
إضافة إلى ذلك، تواجه سوريا ديوناً ثقيلة مستحقة للدول التي دعمت النظام، خاصة روسيا وإيران، والتي تُقدر بأكثر من 50 مليار دولار. هذه الالتزامات تعيق جهود إعادة الإعمار وتضع قيوداً إضافية على الاقتصاد السوري الجديد، ما يجعل الحاجة إلى استرداد الأموال المنهوبة أمراً بالغ الأهمية.
استرداد الأموال المنهوبة: التحدي الأكبر
التجارب الدولية تُظهر أن استرداد الأموال المنهوبة عملية معقدة تتطلب وقتاً وجهوداً قانونية كبيرة. في ليبيا والعراق، استغرقت عملية استرداد الأموال سنوات طويلة، ولم تنجح الدولتان سوى في استعادة جزء بسيط من الأموال المهربة.
بالنسبة لسوريا، يتطلب هذا الأمر تعاوناً دولياً واسعاً، وضغوطاً دبلوماسية على الدول التي تحتضن أصول عائلة الأسد. تشير التقارير إلى أن معظم هذه الأصول موجودة في أوروبا، ما يضع الحكومات الأوروبية أمام اختبار لإظهار التزامها بمساعدة الشعب السوري على استعادة حقوقه.
إعادة الإعمار: بناء الدولة والمجتمع
إعادة الإعمار ليست مجرد عملية مادية، بل تشمل إعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي مزقته الحرب، وتعزيز مؤسسات الدولة لتحقيق الاستقرار والشفافية. يجب أن تركز الجهود على تحسين التعليم، الرعاية الصحية، والبنية التحتية، إضافة إلى تقديم الدعم للاجئين والنازحين للعودة إلى ديارهم.
الدروس المستفادة من تجارب دول أخرى تؤكد أهمية ضمان الشفافية في إدارة التمويل الدولي لإعادة الإعمار، ومنع تسرب الأموال إلى شبكات الفساد. كما أن إشراك المجتمع المحلي في عمليات اتخاذ القرار يعزز الثقة ويضمن أن تكون هذه الجهود مستدامة.
رغم الإرث الثقيل الذي خلفه الأسد، فإن سقوط نظامه يمثل فرصة تاريخية للسوريين لإعادة بناء دولتهم على أسس جديدة من العدالة والمساواة. هذه المهمة ليست سهلة، ولكنها ضرورية لضمان أن تكون سوريا قادرة على النهوض مجدداً.
المستقبل يعتمد على إرادة السوريين في التغلب على الانقسامات، وبناء دولة تستوعب جميع أبنائها، مع دعم دولي يضمن أن تتحقق العدالة، وتُستعاد الأموال المنهوبة، لتكون ركيزة لإعادة الإعمار وبناء مستقبل مستدام.
قد تحب أيضا
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!