الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • شراكة إسرائيليّة روسيّة بقصف إيران في اللاذقية

شراكة إسرائيليّة روسيّة بقصف إيران في اللاذقية
عبد السلام حاج بكري

لن يمرّ قصف مواقع إيرانية، بشقّيها العسكري والميليشياوي، في الساحل السوري، فجر الثلاثاء الماضي، كما مرّت كل عمليات القصف الماضية التي أدمنتها إسرائيل، بل من المنتظر أن تكون له ردود أفعال ميدانية هذه المرّة، ولن يكتفي محور المقاومة بالجعجعة ودعوى الاحتفاظ بحق الرّد، تتمثل باغتيالات ستطال عناصر وضباط روس، أما الاختلاف هذه المرّة مردّه إلى معلومات وصلت (لا شك) للجانب الإيراني عن اشتراك روسيا في القصف، وهنا يمكنه الخرمشة قليلا، ليس كما هو الحال أمام إسرائيل، حيث لا تجرؤ إيران على العطاس في ذلك الاتجاه، أو أنّها لا تريد.


المواقع التي استهدفها القصف هي عسكرية أولاً، حيث تم تدمير ورشة تجميع صواريخ ذكية في الميناء العسكري برأس شمرا، يشرف عليها ضباط من الحرس الثوري الإيراني، وكانت قد وصلته مؤخراً مجموعة طوربيدات بحريّة إيرانية متطورة، قد تكون تحوّلت إلى خردة كما حصل مع الورشة.


وثانياً، وهنا بيت القصيد، والشيء المستحدث والغريب في آن، هو استهداف مقرين لإطلاق طائرات درونز يشرف عليهما الحرس الثوري الإيراني ويقوم بتشغيلهما ضباط من جيش الأسد وعناصر ميليشيات سورية جرى تدريبها في إيران على تسيير هذا النوع من الطيران، تتبع للمدعو أيمن جابر وذو الهمة شاليش، والموقعان هما ظاهرياً معمل لإنتاج العبوات البلاستيكية تعود ملكيته لأيمن جابر، وكنا قد كتبنا عنه سابقاً، ومقلع لقصّ الحجارة تمتلكه أسرة آل شاليش.


اعتادت إيران على هضم القصف الإسرائيلي المتكرّر لمواقعها الحساسة في سوريا، كما أدمنت الصمت وعدم الردّ، ولكن يصعب عليها استيعاب تدمير مقرّين لها تستخدمهما لإطلاق الطيران المسيّر، الذي طالما استهدف القاعدة الروسيّة في حميميم بغية توجيه رسائل للحليف اللدود روسيا، وكان الطرفان يتجنبان الإعلان على الإعلام عن تلك الحقيقة التي ضاقت بها روسيا ذرعاً، إذ إن وجودهما لا يعني إسرائيل بأيّ شكل ولا يشكّل خطراً عليها، وهما موجودان منذ ستّ سنوات، الأمر الذي يرجّح استهدافهما من طرف ثالث، لن يصعب على إيران تحديده.


وجدت روسيا في القصف الإسرائيلي الأخير المبرمج معها فرصة للتخلّص من هذه الرسائل الإيرانية المزعجة، فإما أنّها طلبت من إسرائيل تدمير الموقعين أو أنّها فعلت ذلك بنفسها، فقد لا توافق إسرائيل على ضربهما لأنهما لا يمسّان أمنها ولا يستهدفانها، بل ربما يسعدها وجودهما لإبقاء الروس في حالة عدم استقرار في سوريا.


كل الدلائل تقودنا إلى تأكيد عدم رضى روسيا من الوجود الإيراني في الساحل السوري الذي يتعمّق يوما بعد يوم، وهي التي تمتلك هناك قاعدتين عسكريتين في طرطوس وحميميم، كما أنّها تسعى للتوسّع بالتملّك لإقامة منشآت خدمية لقاعدتيها، واستثمارية لجني الأرباح، ولا تريد للجانب الإيراني أن يدخل في منافسة معها في هذه المنطقة، وخصوصا أنّه أكثر قبولاً من أنصار النظام، نظراً للتشيّع الكبير بين سكان المنطقة، لا سيما بين أبناء الطائفتين العلوية والمرشدية.


وإن كانت روسيا سمحت لإيران، أو تحديداً لحزب الله، ببعض النشاطات، كتجارة المخدرات في الساحل واستخدام مرفأ اللاذقية لتصديرها، لأنها كانت شريكاً عبر كبار ضباطها في قاعدة حميميم، إلا أنّها خفّضت هذا النشاط، وربما ترغب بإلغائه نهائياً عقب الحملة العالمية التي تُشنّ حالياً على حزب الله، مع اكتشاف عشرات عمليات تجارة المخدرات العابرة للقارات والمحيطات التي يقوم بها بطرق شيطانية.


سابقاً، لم تعترض روسيا على عمليات القصف الإسرائيلي للمواقع الإيرانية في الساحل والقريبة من قاعدتيها العسكريتين، رغم أنّ ذلك قد يتسبّب في إحراجها، ويدفع للتساؤل عن وقوفها متفرّجة عليه، وهي التي تسيطر على المنطقة وتتحكّم بها، لكنها هذه المرّة حبّذت الضربة الإسرائيلية ووجدت فيها مخرجاً مقبولاً للتخلّص من مصدر تهديدها بطيران الدرونز، وهي التي دأبت على إخفاء حقيقة وقوف إيران وجناح من جيش الأسد وميليشياته وراءه، والاختباء خلف الادعاء بأنّ جبهة النصرة هي من تسيّره، إنها ببساطة أرادت أن تقفل ملف هذه الكذبة وتضع حدّاً للابتزاز الإيراني في هذه النقطة.


كما جرت العادة، وقبل كل قصف إسرائيلي لمواقع في سوريا، أعلمت إسرائيل روسيا بنيّتها قصف الموقع العسكري الإيراني في ميناء رأس شمرا العسكري بساعات كانت كافية لتتّخذ روسيا قرارها بالتخلّص من موقعين لإطلاق طيران الدرونز الإيراني، وهذا ما جرى، وأكّدته مصادر محليّة تحدثت عن إطلاق صواريخ من قاعدة حميميم، شمالاً، باتجاه معمل العبوات البلاستيكية، وشرقاً، باتجاه مقلع الحجارة الافتراضيين، وهكذا تنتهي روايتهما الطويلة دون استفزاز مباشر بادعاء قصف إسرائيل لهما.


هذا تعلمه إيران جيداً، والأيام القادمة ستشهد ارتفاعاً في عدد قتلى الروس هنا وهناك، إذ من غير الوراد قبول إيران باستفراد الروس بالساحل السوري، وعليه ستلجأ لاستفزازات جديدة تخلط الأوراق دون إعلان مواجهة مباشرة وحقيقية.



ليفانت - عبد السلام حاج بكري


 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!