الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
عفرين.. ثلاث سنوات من وهم الانتصار التركي-الإخواني
عفرين

يصادف اليوم الأربعاء الموافق لـلعشرين من يناير، الذكرى السنوية الثالثة لبدء العمليات العسكرية التركية بحق عفرين، التي تشكّل واحدة من أهم الحواضر المدنية ذات الكثافة الكردية في شمال سوريا، وتحديداً في أقصى شمالها الغربي، فيما ما تزال تصفق تركيا وميلشياتها السورية المسلحة المسماة بـ"الجيش الوطني السوري"، لنصرها المزعوم على القوات الكردية المتحالفة مع باقي المكونات السورية ضمن ما يعرف بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، تحت حجج وذرائع أثبتت أنقرة مدى زيفها، بمواصلتها لحروبها التوسعيّة في ليبيا وأرمينيا وشرق المتوسط، مع تطلعها للمزيد من النفوذ عبر هؤلاء المسلحين السوريين (المرتزقة) في دول أخرى، كـالعراق واليمن وباكستان وربما غيرها.


عفرين


النصر المزعوم


قبل أسبوع من هذا اليوم في العام 2018، كانت تركيا قد بدأت بقصف أرياف عفرين ومحيط مدينة تل رفعت، شمال حلب، الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية، وكانت المليشيات التي تحوم في فلك تنظيم الإخوان المسلمين السوري، تصفق وتهلل للمعركة الموعودة، لغزو المناطق التي أثبتت فشلها في إدارة مناطقها، نتيجة التقدّم الحياتي، الخدمي، التجاري، الصناعي والإداري الذي كانت تعيشه عفرين، مقارنة مع المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات "الجيش الوطني"، التي لطالما اتّسمت الحال في مناطقها بالانقسام والاقتتال والتفجيرات.


اقرأ أيضاً: عفرين.. فصائل تركيا تواصل انتهاكاتها بحق المدنيين والآثار


كانت المعارضة في أسوء حالاتها، مع إدراك الداعمين خيبتها بهم، وبدء عمليات فضّ اليد منهم، ووقف تمويلهم، بجانب الاتفاقات الروسية التركية في أستانا، وعمليات الاستلام والتسليم في أرياف دمشق والمنطقة الجنوبية، ووسط كل تلك الحالة الكئيبة الميؤوس منها، قدمت أنقرة لمسلحيها هدية على طبق من ذهب، لعلها تعيد بعض الماء إلى وجهها (أو هذا ما كانت تعتقد)، من خلال سوقهم لخوض معركة ضد المكون الكردي السوري في عفرين، وهو جلّ ما كانت المعارضة تنتظره، بعد سنوات من فشلها في اقتحام أسوار عفرين بالعمليات العسكرية التقليدية، التي كانت تنفع عادة مع قوات النظام السوري.


ماذا كسبت وماذا خسرت؟


لكن ومع إدراك أنقرة أنّ مسلحي "الجيش الوطني" غير قادرين على اختراق عفرين، لم يتبقَ لها إلا بيع مناطق إدلب شرق سكة حديد الحجاز، بجانب الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي وبعض المناطق في حلب، مقابل الحصول على الضوء الأخضر الروسي لسلب عفرين من أهلها، وهو ما تم البدء فيه بتاريخ اليوم (20 يناير 2018).


وبطبيعة الحال، وكما هو معلوم، فقد سقطت عفرين بيد القوات الغازية المُشكلة من الجيش التركي بجميع تشكيلاته العسكرية (وعلى رأسها سلاح الجو والطائرات المسيرة)، برفقة 25 ألف مسلح من "الجيش الوطني"، عقب 58 يوم مع المعارك الطاحنة، بعدما أدرك أبناء عفرين، أنّ موسكو قد باعت أرضهم، وأنّ واشنطن وبروكسل أبعد ما تكونان عن مدّ يد العون، رغم ما تدّعيانه من مناصرة للإنسان وحقه في تقرير مصيره، فالإنسان العفريني لم يكن يمتلك هذا الحق، وفق معايير برهنت عفرين مدى زيفها.


اقرأ أيضاً: الكُرد في عفرين.. عامان من المصائر المجهولة لمئات المخفيين قسراً


وبميزان الربح والخسارة، فقد خسر الكرد السوريون واحدة من أهم حواضرهم غرب الفرات، فيما كسبت تركيا تهجير الكرد، وحرمانهم من ممارسة حقهم بإدارة أنفسهم، وبالتالي القضاء على مساعيهم لتثبيت أنموذجهم للحكم الذاتي في دستور سوريا المستقبلي (أو هذا تعتقد حتى الساعة)، فيما كسبت المعارضة السورية انتصاراً دعائياً، بجانب وخز حاضنتهم الشعبية إبرة مُنومة بالحديث عن نصرها المزعوم، للتغطية على فشلها الذريع وانسحاباتها التي تمت من مختلف أرياف دمشق وحمص وإدلب، بأمر تركي.


المعارضة في الإعلام العربي


لكن النصر المزعوم ذاك، كان في حقيقة الأمر وبالاً على المعارضة السورية، ففي الحين الذي كانت فيه تمدح المعارضة المسلحة عادة في الإعلام العربي (خارج المنظومة الإخوانية)، بدأ ذلك الإعلام شيئاً فشيئاً بالتطرّق إلى الانتهاكات والجرائم التي تقع في عفرين، كما بدأت الاتهامات الكُردية لـتركيا ومسلحيها بالتحقق الواحدة تلو الأخرى، عبر تتريك المناطق الخاضعة لسيطرتها، من خلال تتريك اللغة والمعالم والتعليم ورفع الأعلام التركية فوق المقرّات الإدارية ومقرّات المسلحين، وتسمية ساحات عفرين بأسماء تركية، مما يثبت سعيها لضم تلك المناطق، أو تحويلها إلى شمال قبرص ثانية (أي جمهورية إخوانية بدعم واعتراف أحادي تركي).


اقرأ أيضاً: اعتقالات وإتاوات.. تواصل الانتهاكات بحق أبناء عفرين


كل ذلك، بدّل صورة المعارضة، من جهة تدافع عن السوريين كما كانت تزعم، إلى جهة مُؤتمرة من أنقرة، وأداة لتنفيذ أجنداتها الساعية أساساً إلى حرمان الكُرد السوريين من حقوقهم الدستورية في البلاد، مع تحييد الأسد ونظامه عن الصراع، نتيجة التنسيق التركي الروسي، حتى أضحى الكُرد السوريون الهدف من الإسقاط ضمن (الثورة) التي ركبها إخوان سوريا، لتتحول معظم وسائل الإعلام العربية إلى الحديث الصريح عن هؤلاء المسلحين كـمرتزقة.


النجاح السياسي لـ"قسد" وفشل المعارضة


ومعها، فقدت المعارضة جلّ ما كانت تحظى به من تأييد سياسي، وتحوّلت قضية مساندتهم إلى هامش، بل تخلّى كثير من الداعمين الدوليين والإقليميين عن دعمهم، وبدأ هؤلاء بالبحث عن بديل سياسي سوري، ينظر إلى القضايا من منظور وطني، ساعٍ إلى حل القضية السورية من منطلقات وطنية، بعيدة عن الأجندات التركية.


اقرأ أيضاً: أشجار عفرين مصدر لدخل مسلحي تركيا.. والانتقام من أهلها


وهو ما يمكن الإشارة إليه أخيراً، من خلال المساعي التي يجري الحديث عنها عن بديل سياسي لما يسمى بـ"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، يكون مقرّه في شرق الفرات، بعدما تحوّل "الائتلاف" والمشاركون فيه إلى منبوذين، محلياً وإقليمياً ودولياً، باستثناء أنقرة بطبيعة الحال، كونها تجد فيه أداتها لتبرير غزو المناطق السورية، دون أي اعتراض أو التلفظ ببنت شفة منهم.


مستقبل عفرين


أما عفرين التي اشتاقت أهلها، واشتاقوا هم لزيتونها، ما يزال غالبيتهم مُهجراً على مرمى حجر في تل رفعت ومحيطها، شمال حلب، لكن لا يوجد أدنى شك بأنّ الجسم السياسي الذي يجري الإعداد له في شرق الفرات، ليجمع مجلس سوريا الديمقراطية مع المعارضين، كتلاً وأفراد، ممن لم تتلطّخ أياديهم بالمال السياسي التركي-الإخواني، بأنّها (أي عفرين) ستكون على رأس أولوياتهم، إذ لن يتوانى هؤلاء عن المطالبة بخروج تركيا كجهة خارجية تحتل أرضهم، بجانب كل المناطق الأخرى من إدلب وصولاً إلى رأس العين.


اقرأ أيضاً: (الحمزة).. مليشيا يقودها داعشي تعيث فساداً بـ عفرين


ولا يمكن هنا إنكار التفهم العربي والعالمي لمطالبات السوريين في "قسد"، وشركائهم المحتملين ضمن الجسم المعارض الذي يجري التحضير له في شرق الفرات، برفض السياسات التركية الهدامة في سوريا، والتي أطالت أمد الحرب ومنعت السوريين من التوافق، خاصة وأنّ أنقرة قد تواجه أياماً عصيبة مع إدارة بايدن، الذي لا يمكن تجاهل دوره سلباً أو إيجاباً على سرعة حل قضية التواجد التركي غير الشرعي في الأراضي السورية.


وأيّاً كانت مدة انتظارهم، فالأكيد أنّ أهالي عفرين لن يملّوا وهم يرنون إلى اليوم الذي تتاح فيه الظروف لهم للعودة إلى أرضهم، سلماً أو حرباً، فكل الخيارات شرعية لمن يُطالب بأرضه، ويناضل لخروج المُحتلين منها.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!