-
فلويد الأمريكي ومحمد الخانقيني
للعنصرية والشوفينية والطائفية والمذهبية معانٍ اصطلاحيّة كثيرة في قواميس اللغة، يمكن الإسهاب في شرحها وتأصيلها وفي اختلاف منطلقاتها، وتسببها في اضطرابات القيم والمفاهيم واختلال الموازين، ولكن جميعها تشترك في المضمون الذي يعني استغلال الجنس أو اللون أو القومية أو الدين أو المذهب للغدر والخيانة.
أما العنصري والشوفيني والطائفي والمذهبي، فلا يردعه دين أو قانون أو أعراف اجتماعية، في إقصاء الآخر المخالف، والتنكيل به، معنوياً ومادياً، وتسفيه معتقداته، ويدّعي دوماً بأنّه يمتلك الحقيقة المطلقة، وله مبررات لا يمتلكها سواه، خصوصاً إذا كان محنكاً في تحقيق مكاسب ومنافع شخصية، أو للجماعة التي يدعي الانتماء إليها، عبر مواقف وتصرفات اجتماعيّة أو فكرية أو سياسية غير إنسانيّة وغير أخلاقيّة، أو بهدف الحفاظ على مصالح محددة ذات طبيعة مجردة من أيّ مبدأ أو عقيدة أو فكرة.
في أمريكا قتل فلويد الأسود البريء المظلوم، بتهمة السرقة والابتزاز، من قبل شرطي أبيض يتحرّك بنوازع الغرور والاستعلاء، وفي خانقين استشهد محمد نوري الدوشمجي، خلال مشاركته في تظاهرة مناهضة لممارسات الحشد الشعبي وإنزال علم كوردستان من على المباني الحكومية وحرقه، استشهد من قبل الحشد الشعبي أو القوات العراقية، في يوم 19/ إكتوبر/ 2017، بتهمة الانتماء للوطن وحب الأرض ورفع علم كوردستان، المعترف به دستورياً.
كلاهما ضحايا لعقليات عقيمة ولأزمات عميقة الجذور، وكلاهما قتلا دون وجل أو خوف من الله والقانون. ولكن عندما قتل الأمريكي قامت الدنيا ولم تقعد في سبيل إدانة قتلته، والتنديد بالقاتل، واعتقاله، واعتقال كل من كان معه أثناء ارتكاب الجريمة، واعتبار الجريمة من جرائم الدرجة الأولى. أما الثاني، الكوردي الخانقيني، الذي كان له قضية وطنية وقومية يناضل ويضحي في سبيلها، وتحرك مع أبناء مدينته لأداء واجب الدفاع عن القيم والحرية والحقوق، استشهد، وعموم الذين شاهدوا بشاعة الجريمة والبغي والعدوان أو سمعوها، تغاضوا عنها ولم يحركوا ساكناً، وتصرفوا وكأنّ شيئاً لم يحدث، وهم يعلمون قباحة وخطورة ممارسة الصمت المخزي المهين الذي يقوّض السلم والأمن. ذلك التغاضي أثبت أنّ المجتمع الدولي يتعامل مع قضايا الحق والباطل والاستقرار، والفوضى والظلم والاعتداء بمعايير انتقائيّة واضحة وصريحة.
السود هناك، والكورد هنا، حصلا بموجب الدستور على حقوقهما، ورغم أنّهما لا يشكلان خطراً على أحد، مازالا مستهدفين بصورةٍ يومية، ويتعرّضان من قبل العقليات العنصرية المجرمة، للغدر والخيانة، والتي تمس كرامتهما وحقوقهما ومستقبل وجودهما، ويمارس بحقهما شتّى السياسات العنصرية، ويعانيان من التمييز والتهميش والحرمان.
القاتل هناك، مارس الاستعلاء والاستكبار بعضلاته المفتولة وقوة القانون، الذي يمنع الردّ على رجال الشرطة حتى لو كانوا على باطل. والقاتل هنا مارس الظلم والعنجهية والقتل واستعمل سلاحه المتفوق لترويع المتظاهرين الخانقين الكورد، أصحاب المبادىء الأصيلة، ليقتلهم وليكرر ممارسات ومنهاج حزب البعث الذي حاول طردهم من مدينتهم، ليحلّ، في أرضهم وديارهم، العرب الوافدين.
الجريمة هناك، أثبتت أنّ الديمقراطية التي يتبجح بها الأمريكان في كل مناسبة، وبدون أي مناسبة، هي ديمقراطية نسبية لا يمكنها الحفاظ على كرامة الجميع ونشر الاستقرار والعدل والمساواة بين الأمريكيين.
والجريمة في خانقين، أثبتت ضحالة الفكر السياسي للذين تسلموا زمام السلطات في بغداد، بلا تاريخ في العمل السياسي، ودون تجارب سياسية، وأنّ شعارات التعايش والتآخي والشراكة، التي كانت ترفع للتسويق بشكل يومي طوال الفترات السابقة، لم تكن سوى وسائل وحجج وذرائع للتلاعب والتجاوز على الدستور، والاستحواذ على القرارات الخارجة عن الإطار الإداري والقانوني، والتآمر المتعمّد على الكورد وتاريخهم ورسالتهم، وأثبتت أنّ الأصوات والدعوات التي ارتفعت وهي تطالب وتدعو إلى الاستقلال لكوردستان، كانت صائبة.
ليفانت – صبحي ساله يي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!