الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
في الصُّورِ النمطيّة.. عن مجتمعاتنا النمطيّة
روجدا علي


“النّساء مكانهنّ المنزل، والرجال في العمل- النّساء مهتمات بالغناء والموسيقى، والرجال مهتمّون بالسّياسة والثّقافة والعمل- المرأة لا تملك القدرة على التفكير، والرجل وحده يفكّر- المرأة لا تستطيع اتّخاذ القرار، والرجل يستطيع”. هذه الصورة جزء من صور نمطيّة يحدّدها المجتمع لأدوار النّساء والرجال، وهي تفاصيل صغيرة أمام الكمّ الهائل من الصور النمطيّة الّتي تغزو مجتمعاتنا، والّتي غالباً ما تركّز على التفوّق الذكوري على الإناث، وتفوّق القويّ على الضعيف، وتحديد المُمارسات والأفعال والوظائف لكلّ جنس، حتّى يكاد أن يكون مجتمعنا، هو المجتمع النمطي.


تشكّل الصور النمطيّة، اليوم، جزءاً أساسياً في حياتنا اليوميّة، وتكاد تكون أساس هويتنا اللغويّة والمعرفيّة الاجتماعيّة، وصارت جزءاً مُهمّاً من بناء أفكار الأجيال، حتّى إنّها صارت تحدّد فرص النجاح والفشل والعمل والتعليم والحرّيّة لدى كلّ الفئات الاجتماعيّة.


والحالّ أنّ الصور النمطيّة، تؤثّر، بشكلٍ سلبيّ، في بُنيةِ المجتمع وتركيبته الاجتماعيّة وتعدّده؛ إذ إنّها تقوم أساساً على تحديد الأولويات والمهام والوظائف للجنسين، ضمن قوالب من الصور النمطيّة الشائِعة أو الّتي يُريد المُجتمع أن يُشيّعها، رغم أنّ هذه الصور النمطيّة لا تعكس طبيعة المجتمعات ولا تلبّي واقع الحال الاجتماعيّ وتحدّد أشكالاً من الاستبداد والسلطويّة في طبيعة العلاقات الاجتماعيّة، إلّا أنّها صارت تترسّخ بشكلٍ أكثر، وأكثر وطأة من ذي قبل، وصارت تخلق فوارق إضافيّة بين الجنسين وتميّز بينهم في الوظائف والأدوار، وأمّا خطورةِ ذلك، فتكمن في أنّ هذه الفوارق الإضافيّة صارت تدخل أحياناً من باب الدّفاع عن حقوق المرأة أو من باب السّخرية، وبالتّالي تلقى رواجاً أكبر، وترسيخاً أوسع.


وفي مطلقِ الأحوال، فإنّ هذه الصور النمطيّة الّتي تشكّلت في المجتمع، كانت نتيجة تراكم أفكار وعادات وتقاليد وأمثلة قديمة في المجتمعات، ذاك أنّ المجتمعات المحليّة سعت إلى ترسيخ فكرة استبداد الصّورة النمطيّة الّتي تمنح التفوّق الجنسيّ لأحدِ الجنسين على الجنس الآخر، وأنتج ذلك، أيضاً، تفضيلاً في مستويات اللون والشكل والطّول والملامح والتصرّفات واللباس والتحدّث، وحتّى الابتسامة.


تقومُ المجتمعات المحليّة في الثّقافةِ الشّرقيّة على الأحكامِ المُسبقة في تقييم الأفراد والأفعال؛ إذ ثمّة صور نمطيّة تُحدّد ممارسات الأفراد وأفعالهم، ولا تجدُ هؤلاء الأفراد خارج الصور النمطيّة الّتي حدّدها المُجتمع دون أن تفكّر خارج صندوقِ تلك الأحكام والصور، وبالتالي فإنّ هذه الأحكام المُسبقة الّتي تُستمّدُ من الصور النمطيّة، تتحكّم وتؤثّر على طبيعة علاقات الأفراد في المجتمع، في قطّاعيه المِهنيّ والشّخصيّ. مثالاً؛ يحدّد المجتمع في صورِهِ النمطيّة أدوارَ المرأة؛ حيث إنّ مكانها المنزل وتربية الأطفال وطاعة الرجل، والسّير على أهواء مزاجِه وأفكاره، وبالتّالي فإنّه ثمّة حكم مُسبق على المرأة الّتي تتمتّع بُقدرات مهنيّة عالية في المجالات العلميّة والمعرفيّة، وكذلك، فإنّ الرجل الّذي يقوم بالمهام المنزليّة الّتي حدّدها المُجتمع مسبقاً أنّها من مهامِ النّساء، فيتمّ اتّهامه بنقصِ الرجولة والتشبّهِ بتصرّفاتِ النساء، ويتمّ استخدامُ ذلك في سياقِ الإساءةِ للرجلِ والمرأة على حدّ سواء.


في ظلّ تفشّي الصورة النمطيّة في حياتنا، وتحوّلها إلى ركيزةٍ أساسيّة في تقييماتنا وآراءئنا وأحكامنا، ظهرت حملات تهدف إلى الحدّ منها، لكن، غالبيّة هذه الحَملات الّتي كانت تسعى إلى المُناصرة والمُدافعة في سبيل التخلّص من الصورة النمطيّة أو التنمّر أو أوجه العنصريّة في حياتِنا اليوميّة، كان ثمّة ازدواجيّة في وجودِها، حيث أنّ جزءاً يَسيراً من القضايا الّتي وقفَ أفراد من المجتمع ضدّها، طبّقها في مكانٍ آخر. مثالاً؛ ربّما يقف الأبّ في وجهِ المجتمع، يقدّم لطفلته كلّ شيء، التّعليم والحرّيّة وفرص العمل والاستقلاليّة وحرّيّة الاختيار، وفي الوقتِ ذاته، يصرّ على أن تتزوّج قبل أن تبلغ سنّاً معيّناً يجده المجتمع “سنّ العنوسة”، فالمجتمع حدّد في صورِه النمطيّة أنّ المرأة الّتي تبلغ سنّ الثلاثين قد صارت “عانساّ”، وبالتّالي تبقى كلّ المحاولات الفردّيّة الّتي سعت إلى القضاء على النمطيّة في حياتنا منقوصة. وفي المستوى ذاته، ثمّة أمثلة كثيرة حول ازدواجيّة المُناصرة والمدافعة في القضايا الاجتماعيّة، مثل التضامن مع أصحاب البشرة السّوداء ضدّ العنصرية، فيما يسمّي المجتمع إحدى أنواع الحلويات لديه بـ”رأس العبيد” فالصورة النمطيّة تجد أصحاب البشرة السّوداء من العبيد.


قبل مدّة مِن الزّمن، طُرِحت مُبادرة تحت اسمِ “مثل فتاة” تهدف إلى الحفاظ على ثقة الفتيات بنفسهنّ خلال فترة البلوغ. في المُبادرة طُلب منهنّ أن يركضن ويُمارسن الرياضة بصورةٍ تشبه الفتيات، والّتي يجدها المُجتمع في صوره النمطيّة شيئاً دالّاً على السوء والضعف، والّتي تؤثّر على الظروف النفسيّة للفتيات خلال حاضرهنّ ومستقبلهنّ. كما عمِلَت المُبادرة على تصحيح المفهوم النمطيّ لجملة كوني مثل فتاة!، لتُعيد صياغتها بصورةٍ إيجابيّة، وتؤكّد من خلالِها أنّ الفتيات يمكنهنّ الركض واللّعب وامتلاك القوّة والقدرة الجسديّة.


خلال العام الجاري، أطلقت الشّركة المصنّعة لدُمى “باربي”، مجموعة جديدة من الدُمى بمعايير جماليّة مُختلفة تسعى إلى تغيير الصّورة النمطيّة للمرأة، واعتمدت الشّركة المصنّعة على اعتماد أشكال قريبة من النّساء العاديات، فقدّمت دُمى لفتيات قصيرات القامة، ودُمية مصابة بالصّلع، وُدمية مُقعدة، ودُمية فقدت ساقها وتستعين بطرف اصطناعي، ودمية تعاني من البُهاق.


كان شِعار تصنيع هذه الدُمى: “ما يجعلنا مختلفات، هو الذي يجعلنا جميلات”. كان الهدف خلف هذا الشّعار واضحاً، وهو أن تكون هذه الدُمى بأشكالها وألوانها انعكاساً للصّورة الحقيقيّة لعالمنا.


تالياً، ثمّة حاجة إلى إعادة الصّورة الحقيقيّة لعالمنا، إعادة التّفاصيل والحقائق والأفكار الّتي تعكس الواقع، لا الإبقاء على النمطيّة الّتي تحدّد ما نفكّر به، ونحسّه، ونعيشه، وما يجب أن نقوله ونفعله، قبل أن يوجد الإنسان، حتّى يموت.


ليفانت- روجدا علي








 




كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!