-
كورونا والتسامح الديني في الغرب.. الإسلام السياسي الطفيلي، ازدواجيّة وتناقض الموقف
ألقى الوباء كورونا بظلاله على الكثير من المسائل والقضايا التي تتفاعل في المحيط العالمي الواسع.
وتفاوتت تأثيراته على مختلف تلك القضايا والمسائل وشملت تلك التأثيرات جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، وتداول الكثيرون هذه التأثيرات بإسهاب كبير.
ولاتكاد تخلو اليوم وسيلة من وسائل الإعلام المقروء أو المسموع من نقاش حول هذه التأثيرات باستثناء جانب واحد مهم لم ينل القدر الكافي، بالرغم من أهميّته وحساسيّة مناقشته وتأثير هذا الوباء على تفاعل جوانب هذه القضية التي تعتبر أحد أهمّ السمات الأساسيّة للعالم المتحضّر المتمدّن في بداية الألفية الثالثة ألا وهي مسألة
التسامح الديني الذي تشهده الحضارة الغربية والدول الأوربيّة بشكل خاص على اختلاف إثنياتها العرقية، والذي يعتبر أحد أهم أسباب رقي هذه الحضارة ووصولها لشكل راقي من أشكال التعايش الاجتماعي البعيد بمجمله عن التعصّب الذي يعزو الكثيرون من المضطلعين بالشؤون الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعية من ساسة وكتّاب واقتصاديين، إليه الشكل الفريد من الحضارة التي تكفل تعايش جميع الأديان ضمن المدينة الواحدة أو القرية أو حتى البيت الواحد.
فالتسامح في الحضارة الأوربية بمجمله، عزّز المفهوم الإنساني للتعايش، واحترام حقوق الإنسان كونه إنسان، بغضّ النظر عن معتقده ولونه وعرقه وكان لهذه الجائحه الوبائيّة على تأثيراتها السلبيّة على صعيد الاقتصادية، مفعول إيجابي من جهة أخرى، نوعاً ما، بتعزيز قيم التسامح الديني وانحسار موجة التعصّب والتطرّف التي تطفو طفيلياتها من حين لآخر على سطح المشهد، فقد عزّزت هذه الجائحة التي لم تستثنِ عرق أو لون أو دين أو طائفة بين غني أو فقير أو بين حاكم أو محكوم من ظاهرة التكاتف الإنساني للتعامل مع هذا الوباء، وأتى التجاوب الديني مع هذا التكاتف من خلال الرؤية الإنسانيّة لمختلف الأديان التي تجمع جميعها على الحفاظ على الإنسان على هذا الكوكب وتوفير سبل حياة أفضل له، ودرء جميع المخاطر عنه وفي مقدمتها الأوبئة والحروب وباقي المشاكل الإنسانيّة.
وفي ظلّ هذا التكاتف الذي تجلّى بكثير من المظاهر التي رافقته مع انتشار هذا الوباء والكثير من المشاهد الإنسانية الرائعة برزت حالة طفيلية أرادت استغلال هذا المشهد الجميل خدمة لمصالحها الضيقة، وتجلّت في هذه الحالة، ماسوقته تنظيمات الإسلام السياسي في تعاملها مع هذا المشهد من خلال محاولتها تسيس ماحدث.
ولعل حادثة برلين والسماح برفع الآذان في مساجد برلين الذي يأتي حصراً من خلال حالة التسامح الديني الذي تعيشه معظم العواصم الأوربيّة وليس برلين فقط، فقد أغفل إعلام الإسلام السياسي أنّه عند السماح برفع الآذان كانت بنفس الوقت أجراس الكنائس تقرع وتطلب من الجميع على اختلاف معتقداتهم الدعاء من أجل شفاء كل الإنسانيّة بدون التمييز بين مسلم أو مسيحي أو يهودي أو غيره.
ولعلّ حالة التناقض وازواجيّة المعايير التي تمارسها تنظيمات الإسلام السياسي من خلال تعاطيها مع الأزمات الإنسانيّة خدمة لأهدافها، تسلّط الضوء على بعض الجوانب الدينيه التي تخدم تطلعاتها وتغفل جوانب أخرى تتعارض مع مصالحها وتنقص من معتقدات الآخرين، وتمارس نشاطها في بلدات تحكمها تلك المعتقدات أو تمثّل معتقداتها الرسميّة.
لقد أثبت الإسلام السياسي وتنظيماته فشله حتى في التعاطي مع الحالات الإنسانيّة، بهدف حشد الرأي العام والتسويق لافكاره وأسلوبه الذي يفتقر أولاً، لأقلّ درجات المصداقيّه، فهم أول من يخرق ويعارض ويحارب ماينادون به من قيم الإخاء الإنساني، وهم أول من يمارس الإقصاء بحق غيرهم، وجميع ممارساتهم تقوم على تغذية التطرّف والتطرّف المضاد، ولعلّ أبشع تلك الأساليب، استغلالهم للحالات الإنسانيّة خدمة لمصالح سياسية بعيده عن الدين الحنيف وتعاليمه.
إنّ ظاهرة كورونا سلّطت الضوء على الكثير من المخاطر التي تعصف بعالمنا الحالي وطريقة التعاطي مع هذه الجوائح، فقد أظهرت الكرونا العجز الكبير لدى الأنظمة الاستبداديّة في كل شيء وأظهرت الكورونا أنّ الأوبئة الاجتماعيّة لاتقلّ خطراً عن الأوبئة الصحيّة، وأمراض المجتمع هي الأخطر كالجهل والتخلف والفقر.
ولعل أبرز الجوائح التي تظهر الكورونا أقلّ خطورة إذا ماقورنت بخطر التطرّف الذي أفقد مئات الآلاف حياتهم وأزهقها على مرّ العقود الماضية، فالتطرّف بجميع أشكاله وأساليبه وتبعيته ومكانه هو الذي يغذّي جميع أشكال العنف الذي نشهدها حالياً وهو بالتأكيد الذي يجد من الحركات السياسية مرتعاً خصباً لينمو ويتعاظم ويصبح مشكلة العصر.
إنّ مكافحة هذا الخطر، لاتقلّ أهمية عن مكافحة الكورونا وخطورته لاتقلّ خطورة عن أي كارثة أو وباء بل تفوقهم جميعاً بما خلّفته من مآسٍ، وبما حطّمت من شعوب، وأعتقد أنّ هناك أمثله كثيرة، وإن كان العالم صادقاً اليوم في مكافحة الكورونا وجادّاً في المضي بالتخلص من خطرها، فلابد أن يكون جاهزاً لمعركة مفصلية قادمة مع الجائحه الأكبر، وهي جائحه التطرّف إن كان دينيّاً أو قوميّاً، يساريّاً أو يمينيّاً، على اختلاف سماته، والسعي لبناء نظام عالمي جديد بعيد عن هذه المفاهيم التي لازالت عائقاً في وجه التقدّم والتطوّر الإنساني للوصول الى الحالة المثاليّة التي تليق بالإنسان، وبهذا الكوكب.
ليفانت – عبد العزيز مطر
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!