الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
كيف أدلجت المعارضة السورية ؟!
حسين أحمد

بعد دخول الثورة السورية عامها السابع، انبلجت بشكل واضح نتائجها الخطيرة في المشهد السوري والتي تكللت هذه النتائج بالقتل والتشريد والتهجير وامتلأت السجون بالعباد وإقصاء الناس قسرياً عن أمكنة سكناهم، بسبب ما مارسه النظام السوري ضد الشعب بأكمله، والكرد على نحو خاص، حتى ظهر ما كان أخطر من القتل والتشريد والنفي، ألا وهي خفايا الأحداث نفسها, والتي لم يكن يتوقعها المراقبون لمجريات الثورة وخاصة حول كيفية تسلل أجهزة النظام لتتغلغل داخل شرائح واسعة من المجتمع السوري، بحيث لم يترك بيتاً واحداً أو عائلة واحدة إلا ونصب له عيناً فيها, حتى وصل به الغل والجريمة المنظمة أن يضع الشعب كله تحت سطوة أجهزته البوليسية ليتمكن هذا النظام من إدارة مجريات الثورة وقيادتها والسير بها إلى اتجاهات أخرى حسب ما تقتضيه المصالح الخاصة به وفي سبيل الحفاظ على أركانه لا حسب رغبة المنتفضين الذين أرادوا أن يحققوا مطالبهم والتعبير عنها بشكل حضاري كما حدث في (تونس وليبيا ومصر واليمن)، وبعض الدول الأخرى في العالم.


وهنا توجد حقائق كثيرة رافقت مجريات الثورة وأن أولى هذه الحقائق، تكمن في كيفية بدء الأحداث في محافظة درعا حتى دون دراية من أهلها، فثمة من أشعل فتيل الانتفاضة بيد أطفالها الأبرياء في سبيل جر أوليائهم إلى مصيدة المسؤولية وبالتالي استطاعوا أن يجهضوا الوليد قبل أن يولد، ودفع النظام لما قاموا به هم نفسهم إلى جريمة يحاسبون عليها, وزج بالكثيرين في سجونه دون أن يقترفوا ذنباً, رغم أن الشارع السوري بشكل عام كان مصدوماً مضطهداً نتيجة انتهاكاتهم الأمنية.


وتزامناً لما جرى في درعا من أحداث وانتشار شرارة الثورة في أرجاء سوريا عموماً, قد ثبت للوهلة الأولى مدى تواطئ المجتمع الدولي مع النظام وتركه ليقمع الشعب دون رادع إنساني أو أخلاقي، وذلك إنهم سمحوا له بأن يمارس القتل والتهجير وإبادة أبناء شعبه بجميع أنواع الأسلحة، حتى أنه لم يتورع عن استخدامه للأسلحة البدائية مثل البراميل المتفجرة، وقبلها الأسلحة الكيميائية الفتاكة في أوقات مختلفة من عمر الثورة.


لقد توضحت صورة الثورة وتداعياتها تماماً وخاصة بالنسبة لعامة الشعب، إذ بدا أن جزءاً كبيراً من قضية الهجرة التي ظهرت على المشهد بقوة ما بين عام (2012 – 2015) كانت لها دوافعها الممنهجة من قبل مراكز القرار والتي تديرها الماسونية العالمية من قبل اليهود والبريطانيين إلى جانب أدواتها المحلية، مثل حزب الله والحرس الثوري الإيراني ومافيات صغيرة في داخل البلد، في سبيل إفراغ سوريا من سكانها حتى يتيسر للنظام أن يسيطر على المنتفضين من الشعب السوري. بالإضافة لما نوّهت إليه أن قسماً واسعاً من الشعب لم يكن يستوعب ما يجري في المشهد السوري بسبب استخدام النظام سياسة التشويش والازدواجية وفبركة المواقف، وتصنيع ميلشيات وتنظيمات وأحزاب متعددة الاتجاهات وخلق مؤسسات إعلامية وهمية لا علاقة لها بالإعلام مطلقاً داخل الثورة، والتي باتت تنقلب على الجميع برؤية وهمية وعلى الفعاليات الحقيقية التي كانت ولازالت لها دورها في تاريخ سوريا.


فعندما انطلقت الثورة بدأ معها تقسيم البلاد إلى كانتونات في سبيل تقطيع أوصال المدن مع بعضها البعض، تلاها أيضاً ظهور ميليشيات مسلحة بكثافة في مدن وأرياف البلاد تدعي بأنها تدافع عن حقوق الشعب، وفي منحى آخر لاحظنا كذلك مسألة انشقاقات شخصيات بارزة من داخل أركان الدولة وتركهم للنظام, حيث تبيّن من خلال تحركاتهم العلنية على أساس إنهم سيعملون على تغير النظام وإسقاطه، ولكن في الحقيقة كانوا يحمون النظام ويشرعون القتل لكل من كان يقف في وجه النظام، ومن يأتي إلى سوريا لأجل الانضمام إلى "الثورة السورية" فكانوا يضعونه في مقدمة جبهات القتال ليتم تصفيته سريعاً.


ما لا شك فيه أن الكثيرين قدموا قرابين بغية إنجاح الثورة حيث سميت دولياً باليتيمة بسبب عدم وقوف المجتمع الدولي إلى جانبها، إنما هذه الضريبة التي نتحدث عنها هنا بعد كل هذه السنوات التي مرت من عمر الثورة، هي أن الكثيرين دفنوا من فلذات أكبادهم هؤلاء بصدق انتفضوا ضد النظام وخسروا مالهم وأولادهم لأنهم وحدهم كانوا منتفضين والتي تجاوزت عددهم الملايين من الارواح, ألا يكفي أن نقول عن هؤلاء بأنهم يمثلون روح الثورة السورية والذين ضحوا بكل ما عندهم.


أخيراً، كان لابد من استيعاب مجريات الثورة وخاصة تلك التصريحات التي كانوا يدلون بها رجالات النظام منذ بداية الثورة عبر شاشات التلفاز، والتي كانت تحمل في طياتها رسم خارطة الطريق وتلك الأقوال التي كانت لها أبعاد خفية مافياوية مرتبطة مع أصحاب القرار، وكان هناك انسجام مطلق في إدارة أجنداتهم التي تدعي بأنهم يقودون الثورة، ولذلك كان يجب إدراك أن راهن سوريا لربما لا يشبه جغرافية أخرى بسبب التشعبات الجيوسياسية واستثمارات لدول صاحبة القرار في سوريا ,وتوزيع الادوار بين أقطاب الدول الكبرى وأن المشهد كان مرسوماً له بعناية ودراسة.


فكان لا بد أن يدفعوا ضريبة قاسية .ليسقط من الشعب السوري الكثير الكثير حتى بات للثورة السورية عنواناً بارزاً على مستوى المجتمع الدولي.. والتي عرفت بالثورة السورية اليتيمة.


حسين أحمد - كاتب سوري

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!