-
مأزق أردوغان
استغلّ الرئيس التركي طلب انضمام فنلندا والسويد للناتو لكي يطالب الناتو بسياسة أكثر تفهماً للمخاوف التركية من التهديد الكردي المزعوم بتقسيم بلاده، مشكلته ليست مع السويد أو فنلندا فقط، بل مع معظم دول الناتو، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
فالقضية الكردية هي استثمار استراتيجي بعيد المدى لمنع قيام تحالفات تعيد أمجاد الدولة العثمانية، كما هو الحال في دعم الغرب للتمدد الإيراني نحو المتوسط، فكلا المشروعين يمنعان تلقائياً تركيا من استغلال فشل الدول العربية لاستعادة ما خسرته في الحرب العالمية الأولى.
مشكلة فنلندا والسويد أنهما بعد تقديم طلبهما تعيشان قلقاً من العدوانية الروسية التي استفزتهما، لذلك تستعجل قرار قبولها لتحصن نفسها ضد العدوانية الروسية، وهنا خرج أردوغان للعلن ورفض انضمامهما مشترطاً عليهما شكلاً، وعلى الولايات المتحدة ضمناً، أن تغيرا سياساتهما تجاه الحزب المسلح الكردي بفروعه كافة (أقصد PKK) متهماً إياه بالعنف اليساري والميول للنظرية الشيوعية، والإرهاب الذي يستهدف المدنيين، من دون تقبل مطالب الشعب الكردي التي يتبناها الحزب، محاولاً السير في الفجوة التي تحدثها الصراعات الكردية التي تجلت في انقسام الكرد بين قسد والمجلس الوطني ووقوف أربيل ضد قسد، متوهماً أن المناخ مناسب لشن عملية عسكرية ضد قسد في سوريا.
الأمريكي هو الذي يدعم قسد، مادياً وعسكرياً وسياسياً، كونه الطرف الكردي الذي يملك قوة عسكرية منظمة، تحكم أرضاً واسعة، بينما فنلندا والسويد يطبقان تجاه قسد سياسة الاتحاد الأوروبي، ومعظم دوله أعضاء في الناتو، فهم لا يضيفون جديداً على المعادلة التي تحكم علاقة تركيا بالناتو وعلاقة الناتو بالكرد المسلحين. وهم ليسوا قادرين على تغيير سياسة الناتو كما يطلب أردوغان، لذلك وصلت المفاوضات بينهما لطريق مسدود منذ اليوم الأول، عندما حيدت أمريكا نفسها وطلبت منهم التفاوض المباشر لحل مشاكلهم البينية، متجاهلة مطالب التركي الموجهة لها عبر البريد السويدي والفنلندي.
وبانتظار اجتماع الناتو القريب، لا تملك السويد سوى رمي الكرة في ملعب الناتو الداخلي وتطلب منه جواباً جماعياً سريعاً على طلبها، وهذا يعني معركة شد شعر بين الأمريكي والتركي، ونظراً لموقف أمريكا البارد وعدم رغبتها بتقديم أي تنازل للتركي، فإن انضمام هاتين الدولتين أصبح صعباً، وهذا يطرح احتمال توقيع اتفاق من دون تركيا كحل، وهو ما سيجعل تركيا عملياً عضواً منبوذاً في الناتو، وما سوف يثير غضب تركيا ويدفعها للتورط عسكرياً في حرب مع قسد التي ستحظى بدعم غربي، مما سيجعل من سقوط أردوغان في الانتخابات القادمة أمراً مرجحاً وهذا ما يطلبه الغرب حالياً، أمريكا تريد توريط تركيا في صراع عسكري لا يحقق أي نتائج استراتيجية حاسمة، غير استنزاف أردوغان.
لذلك على تركيا أن تعيد حساباتها كاملة وتركز على استقرارها والانتخابات القادمة بدل المغامرة بكل شيء، كما فعل صدام، فاستقرار تركيا مرهون بفوز أردوغان في الولاية الجديدة، وغيابه سيفتح أبواب الصراع لعدم توفر نضوج سياسي كافٍ يمكنه استلام السلطة الشمولية بعده.
كما أن خروج تركيا خارج الناتو وتحالفها مع الروس والصين سيقلب المعادلة كلياً في الشرق الأوسط وسيدفع الغرب لزعزعة استقرار تركيا بوسائله المعروفة، الاقتصادية والسياسية والمخابراتية. هنا تدخل إسرائيل على خط التهدئة وصياغة تعايش مؤقت جديد بين الغرب وتركيا بانتظار حسم مسألة الخطر الإيراني الوشيك والخطير، من دون التضحية بالمشروع الكردي البديل عن المشروع الإيراني الذي يجب أن يفصل تركيا عن امتدادها جنوباً نحو الصحاري العربية.
لا أتوقع عمليات عسكرية كبيرة بل مجرد تسخين عسكري لملف سياسي ستخسره تركيا نتيجة حساباتها العاطفية.. تورّط تركيا بعملية عسكرية جدية واسعة ستعني نهاية أردوغان على الأقل، الذي لا يملك عملياً سوى إمكانية التحرك المحدود والمقيد الذي لا يغير من المعادلة.
حلّ القضية الكردية غير ممكن بشكل عسكري، ولا بد من الحوار الطويل والبحث عن صيغ تعايش جديدة للقوميات في المنطقة، وهو الطريق الوحيد للاستقرار وللاستقلال وتقليص التدخل والتلاعب الغربي بمصير وشعوب المنطقة الاستراتيجية التي تسمى بالشرق الأوسط الكبير.
ليفانت – كمال اللبواني
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!