الوضع المظلم
السبت ٢١ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • مسارات الأزمة في ليبيا وإدارة المصالح تكشف عن ألاعيب الإخوان المشبوهة

مسارات الأزمة في ليبيا وإدارة المصالح تكشف عن ألاعيب الإخوان المشبوهة
 رامي شفيق

في الوقت الذي تمضي فيه الحكومة المكلفة ممارسة بعض الأعمال المعبرة عن أدائها للمهام الوزارية عبر السيد نائب رئيس الحكومة ووزراء الحكومة، يتكفل رئيس الحكومة، فتحي باشاغا، بترقّب الوضع السياسي، داخلياً وإقليمياً ودولياً، ومدى تحرّك مبادرة المستشارة الأممية، ستيفاني وليامز، لا سيما بعد فشل اجتماع تونس الذي كان ينبغي أن يضم وفدي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب لمناقشة القاعدة الدستورية التي تنتصب عليها آليات الاستحقاق الانتخابي في ليبيا، سواء الانتخابات البرلمانية أو السياسية.

نحو ذلك تشير الأنباء المتطابقة إلى لقاء مرتقب بين أعضاء اللجنة المكلفة من المجلس الأعلى للدولة ومثيلتها من مجلس النواب في القاهرة، خلال الأسبوع الجاري، بحضور المستشارة الأممية لجهة بحث كافة تفاصيل القاعدة الدستورية لإجراءات الانتخابات.

إذ تبدو الأوضاع السياسية في ليبيا تراوح مكانها دون تغيير واضح في مراكز القوة أو تبدل لمنسوب تأثير المفاعيل الوازنة في الداخل، خاصة مع بروز زاوية الخلاف بين المجلس الأعلى للدولة والنواب، الأمر الذي برز للجميع عقب إعلان تشكيل الحكومة المكلفة، وكذا الانقسام الواضح بين تيار الإخوان المسلمين في ليبيا حول شخص رئيس الحكومة المكلف، فتحي باشاغا، الذي اقترب من شخصيات الشرق الليبي، والمشير خليفة حفتر، الذي يعتبره الإخوان بمثابة خصم استراتيجي لهم.

على خلفية ذلك تتحرك جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، باتجاه إرباك المشهد السياسي، وربط التقدم في مسارات تسوية الأزمة، بمدى تحقق أهدافها، الأمر الذي بدا واضحاً  في أكثر من مناسبة؛ كان أبرزها على الإطلاق ما وقع إبان الاستحقاق الانتخابي السابق، في الرابع والعشرين من شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ثم عندما أرخت عزمها الوقوف جنباً إلى جنب مع رئيس الحكومة المكلف، فتحي باشاغا، ليتسلم السلطة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة.

ثمة يقين أنّ جملة الظروف التي تعرضت لها الجماعة في ليببا، خلال السنوات الأخيرة، وخسارتها الانتخابات البلدية في غرب البلاد، والظروف الإقليمية التي أفضت إلى انحسار الجماعة في مصر وتونس، كان لها أبلغ الأثر في اتخاذ الجماعة في ليبيا خطوات تكتيكية؛ لمداراة انزياح الإسلام السياسي، ونكوص نفوذها، وخروجها من دوائر السلطة المؤثرة، ولذلك تعتمد الجماعة في ليبيا عدة آليات وخطوات تكتيكية تأتي معظمها عبر المجلس الأعلى للدولة الذي استطاع عبر التطورات الأخيرة أن يظهر للجميع باعتباره نافذة تشريعية ينبغي للجميع أن يتوقف عندها حتى يستطيع أن يمرر إجراءاته وقراراته السياسية.

تدرك جماعة الإخوان، أنّها تفتقد في الوقت الراهن للمزاج الشعبي المؤيد في ليبيا، رغم ملامح الصعود السريع، في أعقاب أحداث العام 2011، ومساعيها المستمرة لحيازة أدوات التأثير، عبر بسط نفوذها على المؤسسات التنفيذية والتشريعية كافة، فضلاً عن ارتباطها بموجات العنف، وحالة الفوضى التي شهدتها البلاد، وما نتج عن ذلك من انقسام حاد بين الغرب والشرق، وكافة مؤسسات الدولة. بيد أن ذلك لم يمنعها من القبض على بعض أدوات النفوذ، خاصة عبر المحفظة المالية التي تبدو في المصرف المركزي الليبي والمؤسسة الوطنية للنفط.

الأمر الذي بدا واضحاً للجميع في استخدام المال والنفط داخل أطر الصراع السياسي خلال الفترات الأخيرة وحذر منه الجميع، لا سيما سوء استخدام إيرادات النفط .

من ناحية أخرى، تعاني جماعة الإخوان في ليبيا انشقاقات في بنيتها التنظيمية، على مستوى التنظيم السياسي، الذي بدأ بخروج الرئيس السابق لحزب العدالة والبناء، محمد صوان، وتشكيله حزباً جديداً، فضلاً عن لجوء الجماعة إلى الظهور باسم جديد، حيث أعلنت الجماعة في 2 أيار (مايو) 2021، تحولها إلى جمعية توعوية، تحت اسم "الإحياء والتجديد"، وزعمت أنها سوف تقتصر على العمل المجتمعي.

تفكك آخر ضرب تنظيم الإخوان في مدينة الزاوية، أحد معاقل الجماعة الهامة، حيث تم حل فرع التنظيم، وتقديم استقالة جماعية، في آب (أغسطس) العام 2020 . الأمر الذي تكرر في مدينة مصراتة الساحلية، المعقل القوي الآخر للتنظيم. ولم يغب عن ذهنية الإخوان في ليبيا، مشهد تداعي التنظيم في دول الجوار شعبياً، وخروجهم من دوائر السلطة والنفوذ.

إلى ذلك، لم يستطع المراقبون رصد عدد من المرشحين على مستوى الانتخابات البرلمانية السابقة، ينتمون إلى تنظيمات الإسلام السياسي، أو الدفع بأسماء بعينها، تحت مظلة التنظيم الحزبي في الانتخابات الرئاسيّة، ومالت آراء المراقبين إلى كون الجماعة تخطط لإقامة تحالفات خفية مع بعض المرشحين، إذا ما اضطرت لذلك، وعُقدت الانتخابات سيما البرلمانية.

مع فشل تنفيذ الاستحقاق الانتخابي، في موعده السابق، في شهر كانون الأول (ديسمبر) الفائت، تحرك كل من المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، والسيد خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، في تحالف تكتيكي؛ من أجل إزاحة حكومة الوحدة الوطنية، وتنصيب رئيس جديد للحكومة، هو السيد فتحي باشاغا، وزير داخلية حكومة الوفاق سابقاً، والموافقة على التعديل الثاني عشر للإعلان الدستوري، والذي من خلاله حصل كل من مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، على إطالة عمرهما، مع رهن حضورهما في الفضاء السياسي، بانتخاب مجلس النواب ورئيس الجمهورية، بيد أنّ المجلس الأعلى للدولة، ورئيسه خالد المشري، ما لبث أن تراجع عن تحالفه الطارئ مع مجلس النواب؛ بشأن رئيس الحكومة المكلف.

ويمكننا فهم هذا الارتباك في الموقف من حكومة الوحدة الوطنية، والحكومة المكلفة، من خلال أسماء شخوصها، الدبيبة، باشاغا، عبر قراءة الانقسام الحادث بين قيادات الجماعة، وحزب العدالة والبناء، من خلال الرئيس السابق للحزب، محمد صوان، الذي يؤيد فتحي باشاغا، ومدى تحقق كل فصيل من مصالحه خلال المدى المنظور، سيما وأنّ حزب العدالة والبناء، بقيادة رئيسه الحالي، عماد البناني، يحظى بسبعة عشر مقعداً، من أصل 145 عضواً في المجلس الأعلى للدولة.

وبالمحصلة، هناك انقسام واضح بين تيارات الإخوان في ليبيا حول الأسماء المطروحة في السلطة وموقفها التكتيكي من تلك الشخوص، سواء عبر رفع يد الدعم عن حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها عبد الحميد الدبيبة، أو بسط راحة الدعم على شخص رئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا، ومن الطرف الذي يستطيع أن يقدم لهم منحة الحياة القادمة وسط أفول الإسلام السياسي في الشرق الأوسط. من زاوية أخرى، ينبغي أن تكون الورقة الأكثر تأثيراً في لعبة المفاوضات على مستقبل ليبيا والطرف الأثقل في مساومات البلاد مع الأطراف الفاعلة، إقليمياً ودولياً.

 

ليفانت - رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!