-
ملابسات اغتيال ثورة .. وجهة نظر وسيناريو محتمل!
حدث وأن قرّر السوريون أن ينتفضوا على حكم قمعي ديكتاتوري، رقد على صدورهم لما يزيد عن نصف قرن، جاءت تلك الانتفاضة بقيم صدحت بها حناجرهم كالمدنية والحرية والكرامة و المواطنة ورفض الطائفية، وشاركت بها في عامها الأول كل فئات الشعب المتنوعة ديموغرافياً وفكرياً ، غنى الناس في الشوارع ورقصوا وهنفوا للحرية، وتحدّوا الاعتقال والقتل الذي واجهم به النظام منذ اليوم الأول، فسادت تلك المشاهد كل وسائل الإعلام العربية والعالمية، وتصدّرت الأخبار وتلقّفها كل العرب المتطلّعين للحرية بنشوة، كما تلقّف السوريون من قبل مظاهرات مصر وتونس ، وكلّ ذلك كان يبشر بانتقال نحو دولة ديموقراطية بوجهٍ حضاري منفتح على العالم. هكذا بدأت حكاية الثورة السورية وبينما كان يحصل كلّ ذلك، كان هناك من يترقب ماذا يحصل في سوريا ليحكم فيما اذا كان من المناسب لهم أن يتغير نظام الحكم في سوريا، أو أن تنتصر تلك الثورة تحديداً، لأن الثورة تلك لو انتصرت في عامها الأول لكانت المنطقة العربية ستشهد ولادة نظام ديموقراطي حقيقي، ناتجٍ عن إرداة شعبية وليس حكم عائلي أو انقلاب عسكري مع تحكّم أمني اقتصادي، كما هي الحالة السائدة في معظم دول المنطقة.
كان العالم حينها سيتعرّف على وجوه جديدة لنظام وطني يضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتيار، ويحقّق بنفس الوقت انفتاحاً حضارياً وسياسياً على العالم ـ ويؤمن بالشّرعة الدولية لحقوق الإنسان ويلتزم بالمعاهدات الدولية؛ هذا بالتأكيد لم يكن مناسباً لمعظم دول المنطقة والإقليم، وفي هذه اللحظة تحديداً بدأت المؤامرة الحقيقية على الشعب السوري وثورته التي ما زالت في ذلك الوقت يانعة وفتية، لتلتقي تلك المؤامرة مع مصلحة نظام الأسد المجرم، و الذي يطبيعة الحال يريد إفشال تلك الثورة ليستمر.
نجاح الثورة في سوريا بهذا الشكل، وبهذه النتائج، كان سيعني أنها ستمتدّ حتما ًالى معظم دول المنطقة إن لم يكن كلّها، وأعني المنطقة العربية وغير العربية من دول الجوار ، وهذا قد يعني أن أنظمة تمّ تكريسها لخدمة مصالح وأجندات خارجية على حساب مصلحة أوطانها وتنمية شعوبها، كانت ستهتزّ وربما تنهار، وبهذا الاهتزاز سيتضرّر الكثيرون من داخل تلك البلاد وخارجها. نجاح الثورة تلك بوجهها الديموقراطي والمدني كان سيعني أيضا ضرب الاستبداد الديني، ونهج غسيل الأدمغه التي حكمت بموجبه تلك الأنظمة شعوبها تحت شعار لا خروج عن طاعة الحاكم، وسيعني أيضا أن إمبراطوريات المال التي تتحكم بها طفيليات الفساد ستنهار، نجاح تلك الثورة كان سيعني أن حريات الأفراد ومكانتهم كانت ستعلو وتسمو وبهذا ستكون المواطنة ضابط الارتباط بين هؤلاء الأفراد و أوطناهم بموجب الدستور، وليس القيم الشعبوية والتبعية العمياء للجماعات، والانقياد لكل التابوهات الاجتماعية والسياسية والانتماءات الأخرى كالقبلية والطائفية و العائلية والمناطقية وغيرها، التي لطالما افتاتت عليها تلك الأنظمة.
وكأي حالة خطفٍ إجرامية، تمّ التخطيط لاختطاف الثورة السورية وتشويهها من أجل إفشال ماكانت ستؤول إليه المنطقة، في حال نجحت تلك الثورة و كان من الضروري لتلك الدول منفردة أو مجتمعه أن تبحث عن مخارج لتلك الازمة، واتبع كل منها طرق مختلفة فيما ينسجم مع أجندته، وهو ما خلق تضارباً في المصالح لاحقاً، وولّد صراعات انعكست على الحراك السياسي السوري، و أدّت إلى تعطيل إنتاج حل للسوريين وتجلّى ذلك عبر منهجين أساسيين :
- أولاً تغيير معادلة القوى على الأرض، بحيث تشوّه الثورة عبر إقحام قوى تابعة شبيهة لتركيبة أنظمة تلك الدول، تعزّز الاستبداد الديني والسياسي وتشكّل تحالفاً قوياً مع تلك الدول في المستقبل وتتبع لها إن نجحت ، وكان هذا يعني أسلمة الحراك الشعبي وعسكرته طبعاً، هذه الأجندة تعانقت بشدة مع قوى الإسلام السياسي ( الحليف الآني والمستقبلي المفترض) و التي كانت تحاول أن تبتلع الحراك السلمي، أو تجيرّه لصالحها دون جدوى في البدايات لسلميته ونضوج قياداته فكرياً و وطنياً، لذلك بدأت تعزف وتغذّي توجّه ميل البعض نحو عسكرة الثورة كنتيجة لعنف النظام الإجرامي، لعدم قناعة البعض بجدوى المقاومة السلمية في وجه هذا العنف ، فتلقّفت تلك القوى تلك التطلعات "إن لم تكن زرعت بذورها أصلاً" وبدأت بتعزيز الدعوات للجهاد وتطلقها وتتبناها " وهو ما فتح الباب للتطرّف لاحقاً "وقامت بضخ المال السياسي و التشجيع على العنف والطائفية عبر منابر التواصل الاجتماعي، وكانت تشبه وتلتقي في ذلك إلى حد كبير ما كان يقوم به النظام على الطرف المقابل عبر اعلامه أو سلوكه على الأرض وفي أفرع المخابرات، ويسرّب بشكل مقصود فيديوهات تخدم هذه السياسية، تلك الفيديوهات مثلا كانت مادة دسمة لتلك القوى في الجانب الآخر للاستثمار من أجل إثارة الخطاب الطائفي وتعزيز فكرة أسلمة الثورة "مدعومة من تلك الدول إياها" فبدأت بمحاولات جادة تسعى للسيطرة على كل القوى السياسية الناشئة، ولابتلاع المحاولات السياسية لإنتاج أجسام سياسية تمثل الحراك الشعبي وتتكلم باسمه في المنابر الدولية . تلك القوى" قوى الاسلام السياسي" بطبيعة الحال منفتحة بشراهة لفكرة الاستحواذ على السلطة، وقد استغلت من اجل تحقيق ذلك طفولة الحراك السياسي الناشئ في سوريا وبعض "السذاجة السياسية بحسن نية" إن جاز التعبير، والتي حملتها بعض الوجوه الديموقراطية التي كانت تريد مشهداً وطنياً يتيح للجميع "بما فيه هم انفسهم" المشاركة ببناء مستقبل بلادهم، بانفتاح فكري يحترم الحق بالاختلاف فكريا ًعلى عكس ما يبطنونه هم كقوى إسلام سياسي ، فقامت تلك القوى و الفصائل الاسلامية التي بدأت بالظهور على الأرض ، مدعومين من بعض تلك الدول "لاشك" بابتلاع تلك المحاولات لانتاج حل سياسي، بل إنهم خنقوا أي حراك سياسي مخالف لتوجههاتهم، وعملوا بشكل ممنهج على تخفيف حدة تأثير قيادات الشارع العلمانية وأصوات قوى الشباب المدني والديمواقرطي، إن لم يكن إزاحتهم من المشهد كلياً بشكل او بآخر، و هذا توازى بالتأكيد مع تغير أجندات بعض القنوات الاخبارية المفاجئ من تغطية الحراك السلمي إلى التركيز على القوى ذات الطابع الإيدولوجي وظهور الفصائل الاسلامية بإعلامها ووجوهها وشعاراتها، وغزوها للشاشات. ونتج عن تلك السياسية مع الزمن وحدة الصراع فوضى وتطرف وتشدّد، وهو ما كان كافياً لإرعاب شعوب العالم قاطبة، ولتشويه صورة الثورة الجميلة بسلميتها وحضاريتها، واستغلّه النظام أحسن استغلال إن لم نقل أنه استثمر فيه بل أنشأ وصنع بعضا ًمنه.
- اما المنهج الثاني فكان عبر الإمعان في دفع الحالة السورية الى اللاحل، وأصحاب ذلك المنهج يريدون بنهاية الأمر إما إبقاء النظام مع تغيير بسيط بالمشهد لذرّ الرماد بالعيون بعد تلك التصريحات الرنانة ضده في البدايات، أو أن تستمر حالة المماطلة تلك الى أن يتم إنضاج مشروع نظام عسكري جديد يحكم بما يشبه النموذج المصري المناسب لمصالحهم، ولكن "والله أعلم "ليس من المسموح أبداً إنتاج نظام ديموقراطي مدني حضاري علماني وطني غير تابع، لأنه قد يغري شعوبهم بالانتفاض عليهم، طبعاً أي تغيير في تلك الأنظمة سيضرّ بمصالح اقتصادية لدول كبرى، وهو المفتاح الذي تستخدمه تلك الدول في التأثير على تلك الدول الكبرى لإبقاء الحال على ما هو عليه في انتظار نضوج المشهد المرجوّ" سياسة اللااستراتيجية"، لآنه و من غير المسموح أيضاً لدى تلك الدول في المنطقة إتاحة المجال للإسلام السياسي في سوريا الوصول إلى الحكم، ليس لأنهم مثلاً يرفضون تلك الإيديولوجيا، وأنهم أصبحوا ديموقراطيين أو علمانيين بين ليلة وضحاها مثلاً ، طبعاً لا هم ليسوا كذلك ، بل لأن الإسلام السياسي "الأخوان المسلمون تحديداً" هم امتداد لأنظمة منافسة وخصوم في المنطقة والإقليم، وهم أيضاً يحملون أجندات سياسية واقتصادية، وارتباطات وتصورات مستقبلية مختلفة تهدّد مصالحهم.
طبعاً هذان النهجان كانا يسيران بمسارات توازي مسار القطب الثالث بالمعادلة وهو النظام السوري بسلوكه الإجرامي الأرعن وتتقاطع معه في بعض المحطات، فالنظام وبانعدام الاحساس بالمسؤولية الوطنية والسياسية والإنسانية لديه عبر تعنته في الحل الأمني والعسكري، وبدعم لا محدود من حلفائه الذين لا يريدون لمصالحهم في المنطقة أيضا أن تنتهي بسقوطه، ويريدون أن يعودوا لصورتهم في السياسية الدولية كقطب فاعل من بوابة سوريا كروسيا، أو أن لبعضهم الآخر كإيران مثلاً مشروعات تمدّدية طائفية وتحديات اقليمية قد يهدّدها سقوط نظام الأسد في سوريا، وهو أحد الأذرع القوية لها في المنطقة .
لقد آن الأوان للسوريين بكافة توجههاتهم "معارضيين ومواليين" ومن كل المشارب والانتماءات أن يخرجوا عن تلك الاصطفافات، ويجتمعوا على رغبة وقف الحرب وإنتاج سلام والانتقال الى دولة مدنية عصرية ديموقراطية خالية من كل أشكال الاستبداد . لقد آن الآوان لقطع الارتباطات والولاءات الغير منتجة وطنياً، وإبدالها بعلاقات احترام وتعاون حضاري سياسي سيادي اقتصادي تنموي مع كل دول العالم وفق القانون الدولي والمواثيق الدولية وعبر وضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار ، وإلى أن يصبح السوريون الوطنيون الحريصين على مصلحة وطنهم وشعبهم أساساً في الحل في سوريا.. تصبحون على وطن !
ملابسات اغتيال ثورة .. وجهة نظر وسيناريو محتمل!
ملابسات اغتيال ثورة .. وجهة نظر وسيناريو محتمل!
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!