-
إعلام ثوري أم خنجر في خاصرة الثورة؟!
نور مارتيني - صحفية سورية
لا يكاد يمرّ يوم، دون أن يصطدم السوريّ الفارّ من محرقة النظام إلى بلاد الله الواسعة بمواجهة مباشرة مع البروباغاندا التي أطلقها النظام ومؤيدوه، وهو الذي ظنّ أنّه في مأمن من أيدي النظام والشبيحة ووشاياتهم التي لا تنتهي.
غير أنّ المواجهات خارج الأراضي السورية تتخذ طابعاً آخر، يعتمد سلاح الحرب الإعلامية واستقطاب التيارات اليمينية والعنصرية المتطرّفة وجذبها إليه كلاعب أساسي في تنفيذ المهمّة الموكلة إليه، في ظلّ قوانين أوروبا الصارمة والحيادبة، البعيدة عن الإيديولوجيات الحزبية؛ الأمر الذي يجعل عملية الاختراق أسهل وأقرب للواقعية. ساهمت في إيصال هذه الرسائل دولٌ إقليمية وعالمية سعت إلى تدوير الأسد ونظامه عالمياً، وتيارات دينية ذات مشارب متعدّدة لها مصلحة كبرى في سيطرة إيران على الأراضي السورية، وهو ما ضمنته لها روسيا بطبيعة الحال، فضلاً عن الإعلام الثوري الذي أثبت فشلاً ذريعاً في إدارة المعركة إعلامياً .
كلّ يوم يفاجئك اكتشاف جديد بأن المواطن الأجنبي لا يعرف شيئاً عن حقيقة المواجهة مع النظام، فالغالبية الساحقة ترى أن ما يجري عبارة عن حرب أهلية ذات بعد طائفي، وهو ما يسوّق له النظام، ساعده على ذلك تيارات إسلامية متطرّفة روّجت لروايات النظام ذاتها على المقلب الآخر، ودعّمت روايتها بمقاطع فيديو وأغان جهادية ومشاهد تحاكي تجربة طالبان والقاعدة، ناهيك عن عملاء النظام الذين اشتروا صكوك الغفران من قادة الفصائل العسكرية بمجرّد أن أطالوا لحاهم، فعادوا إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ليتسنى لهم استكمال دورهم الاستخباراتي والتخريبي الذي لم يتمكّنوا من إنجازه، او الذين خرجوا إلى دول الجوار السوري وأوروبا وسعوا إلى تحييد الشارع الثوري، بدعوى توحيد الصف وفصل السياسة عن العمل المدني، ما ساهم في تشتتيت كلمة المعارضة المعتدلة، وهيمنة التيارات التي هي أقرب للتطرف؛ الأمر الذي شكّل دعماً لبروباغاندا النظام القائمة على الترويج لداعش على أنها الحامل الرئيسي للمعارضة، والأب الروحي لمنسوبيها.
هذه الصورة التي عملت الأحزاب اليمينية المتطرفة على استثمارها، وهي غالباً ما يكون لها قنوات تواصل مع النظام، سيما وأن نسبة لا يستهان بها من منسوبيها هم من الأجانب المجنّسين وبينهم سوريون، لتقود حملة إعلامية ضدّ (الرعاع المتطرّفين الذين خرّبوا البلد)، فيما يغيب دور الإعلام الثوري، فغالبية الوسائل توقّف معجمها اللغوي عند مفردات الشهر الأول للثورة، وباتت مهمة التحليل الاستراتيجي والسياسي مهزلة، كما تحولت إلى وسيلة ارتزاق على شاشات القنوات، بل ومنحت صكوك غفران إعلامية لشخصيات كانت حتى الأمس القريب معادية للثورة، وقامت بعمليات تبييض تاريخ، وتبييض أموال أيضاً من خلال بعض وسائل الإعلام. ناهيك عن عجز وسائل الإعلام المتواجدة خارج نطاق سوريا عن إيصال صورة حقيقية حول ما يجري على أرض الواقع، سيما وأن الخطاب الموجه للمواطن الغربي يجب أن يتبنّى لغة الحوار والمنطق، بعيداً عن اللغة الديماغوجية التي تعمل على العواطف، التي يمكن أن تناسب المواطن التركي على سبيل المثال. ومع ذلك فهي لم تستطع الوصول إلى المواطن التركي، تاركةً الحبل على الغارب للتيارات السياسية لتلعب بمصير السوري المتواجد على الأراضي التركية، رغم أن إمكانية اللعب على وتر العواطف واللغة واردة جداً، حين يصل الأمر إلى المواطن التركي، خاصة إذا عرفنا أن حرية الإعلام واستقلاليته في تركيا هي ضرب من ضروب الخيال.
أما المتطرّف الأوروبي فقد حصل على حجة وبرهان يواجه بها حكوماته، ملتجئاً إلى منطق "من فمك أدينك"، فهو لا يسوّق رأيه الشخصي، وإنما هي رواية من خبر التجربة وهجّر من بلده بسبب هؤلاء الأشخاص، على حدّ مزاعمهم!
تبقى الكارثة الأكبر، هي أنّ الفشل الإعلامي لم يقتصر على تشويه صورة الثورة وتصديرها بشكل لائق للخارج، بل عمل على تفتيت الثورة من الداخل، بحيث تخندق السوريون وراء طوائفهم وانتماءاتهم السياسية؛ كلّ هذا بسبب مراهقين يتمتعون باللهو وراء شاشات اللابتوب ويطلقوا أحكاماً تعسفية وتخوينية بحق هذا وذاك، أو يحرّضون على مكّون طائفي أو قومي برمته، انطلاقاً من أحكام تفتقر إلى المنطق أو الدراية، ودون أدنى شعور بالمسؤولية، والأسوأ أن هؤلاء وجدوا طريقاً لهم إلى وسائل الإعلام، التي تنتقي كوادرها على أساس عدد أصدقاء صفحة الفيسبوك، وتحدّد المهمة بناء على عدد اللايكات!
أسفرت لغة الخطاب هذه عن تفتيت العقد الاجتماعي، ما سهّل المهمة للقوى السياسية التي عملت منذ البداية على تغيير البنية الديموغرافية لسوريا، وتقطيع أوصالها، وسط تواطؤ دولي، فتمّ تهجير المكوّنات السورية، وتجميعها في كانتونات ذات طبيعة طائفية أو عرقية أو قومية، تتحكّم بمصائرها قوى دولية، ساعد على ذلك اتفاقيات المصالحة التي تمّت برعاية الأمم المتحدة، واختراقات لا تنتهي من قبل شخصيات مشبوهة، رافقها حملات دعم إعلامي، وتضليل للرّأي العام، فيما يغيب الخبر الميداني، ويتحوّل الخبر السوري إلى مؤتمرات تجري هنا وهناك، وتحلّ فيها كل القضايا العالمية العالقة، على حساب السوريين المعارضين للأسد الذين يموتون في الداخل، ويضيّق الخناق عليهم خارج البلاد.
هؤلاء الصبية حوّلوا خبر الموت اليومي في إدلب إلى روتين يشربه متصفّحو مواقع التواصل الاجتماعي صباحاً مع فنجان القهوة، وخبر هجوم داعش على المدنيين في مدينة "سلمية" نكتة سمجة تروى للتندّر، وأخبار الخطف والتنكيل في السويداء مسلسلاً ترفيهياً، والسجن الذي يعيش فيه أهالي الساحل السوري خبراً مبنياً لمجهول.
إعلام ثوري أم خنجر في خاصرة الثورة؟!
إعلام ثوري أم خنجر في خاصرة الثورة؟!
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!