-
من الهرموش إلى شمعة.. الغرابة وإشارات التعجب رفيقةً لألغاز أبطالها "السوريون"
اعتقلت السلطات التركية قبل أيام، صحفياً سورياً، يدعى ماجد شمعة، بذريعة تسجيله حلقة مصورة من برنامج يقدمه في إحدى القنوات التلفزيونية السورية المعارضة، ضمن الحملة بدأتها تركيا على السوريين بالحجة الموز، حيث أثارت قضية "فيديوهات الموز" جدلاً واسعاً، خلال الفترة السابقة، ما دفع السلطات التركية لاعتقال سوريين، قالت إنهم "ضالعون في المشاركات الاستفزازية".
وعبر بيان، قالت قناة أورينت (التي يعمل شمعة لديها) يوم الأربعاء، نقلاً عن المحامي الذي وكلتّه لمتابعة القضية، إن ما فعله ماجد شمعة "كان بموجب عمله كصحفي، ولا نية له في التحريض على الكراهية أو إهانة الشعب التركي"، مردفاً أنه أوضح للمدعى العام أن موكله ماجد يعمل صحفياً، وأن ترحيله سيشكل خطراً على حياته، وذكرت القناة، يوم الخميس، إن شمعة أجبر في مكان احتجازه بمدينة غازي عنتاب، على توقيع "قرار الترحيل إلى سوريا".
اقرأ أيضاً: أطاح بقُضاة ومستشار رئاسي بسببه.. أردوغان يخشى كافالا ولن يخرجه
ورغم أن المناطق التي سيرحل إليها ماجد شمعة خاضعة للمعارضة السورية المسماة بـ"الجيش الوطني السوري"، إلا أنه لن يكون في مأمن هناك، إذ لفت ناشطون وصحفيون أن حياة شمعة ستكون معرضة للخطر في حال ترحيله إلى مناطق الشمال السوري، سواء ريف حلب أو محافظة إدلب، إذ سبق لشمعة أن تلقى تهديدات من تلك المليشيات المسلحة، بسبب انتقادات وجهها لهم عدة مرات.
وقد اعتبرت منظمة "العفو الدولية" في بيان نشر ليل الأربعاء، أن "إرسال ماجد شمعة إلى سوريا، وتعريضه للخطر، سيكون انتهاكاً خطيراً لالتزامات تركيا بحماية اللاجئين"، فيما شجبت منظمة "مراسلون بلا حدود" حادثة الاعتقال، وأكدت أن مثل هذا الترحيل "سيشكل انتهاكاً خطيراً لمبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر بموجب القانون الدولي ترحيل الأشخاص المعرضين لخطر الموت في بلدهم الأصلي".
منذ العام 2011
لكن ومن قال إن تركيا لم ترحل السوريين إلى مناطق خطرة على حياتهم، ومنذ الأعوام الأولى للحراك الشعبي هناك، أو ساهمت في ذلك بشكل موارب، ولعل أشهر القضايا العالقة في أذهان السوريين، كانت عملية تسليم أو ترحيل أو اختطاف العقيد حسين الهرموش في العام 2011، وهي رغم أنها لا تزال قضية شائكة ولا يمكن الحسم فيها، لكن الجانب التركي بلا أدنى شك، متورط فيها بشكل ما.
اقرأ أيضاً: إلغاء الطوارئ المصرية.. إشارة للتعافي وعودة للريادة بالإقليم
فقد تضاربت الروايات حول كيفية اختـطـاف الهرموش ووصوله إلى أيدي قوات النظام، إذ ذهبت الرواية الأولى للقول أن أمن النظام السوري اختطــفه من داخل تركيا بعد كمين نصبه له، وأدخله إلى سوريا، فيما قالت الثانية أن تركيا سلَّمت الهرموش دون مقابلٍ إلى النظام السوري، نتيجة عدم قبوله بشروطها ورفضه تنفيذ أجنداتها في الداخل السوري دون اعتراض، أما الرواية الثالثة، فقالت إن الهرموش كان جزءً من صفقة تبادل بين النظامين السوري والتركي، حيث قايضت أنقرة الهرموش بـ 9 أفراد من حزب العمال الكردستاني كانت تُريدهم، من قبل دمشق، وهي في جلها روايات قابلة لأن تكون صحيحة، ولن يحسم في صحتها إلا المستقبل.
ما بين العجز و التعاجز
ولم يختصر الأمر على قضية الهرموش، بل توسعت بشكل آخر، من خلال عجز أنقرة أو ربما تعاجزها عن حماية الصحافيين والإعلاميين السوريين المعارضين، حيث قتل العديد منهم في تركيا، ومنهم الإعلامي والمعارض السوري ناجي الجرف، في ديسمبر 2015، بمدينة غازي عنتاب، بإطلاق النار على رأسه بمسدس كاتم للصوت، فيما زعم تنظيم داعش، أنه من نفذ عملية الاغتيال، حيث سبق للجرف أن أنتج فيلماً يكشف ممارسات التنظيم في سوريا.
وقد تناقلت أوساط حينها بأن الجرف كان يمتلك معلومات كثيرة عن تنظيم داعش، والجهات التي تموله وتدعمه بالمسلحين والمواد اللوجستية، ولعل ذلك ما سرّع في عملية اغتياله، قبل أن يتمكن من الخروج من تركيا ويكشف للعالم ما قد لا تحبذه أنقرة، فلو انتظر القاتل يوماً واحداً لكان الجرف قد أضحى في فرنسا، حيث كان قد اشترى فعلاً تذكرة الطائرة.
اقرأ أيضاً: إيران وأكذوبة الحوار مع السعودية.. تكتيك لقبول النووي ومصالحة العرب
ولم يكون اغتيال الجرف من قبل ما زعم أنها "داعش" الأول من نوعه، فقد سبقه في نوفمبر 2015، ذبح الناشط السوري إبراهيم عبد القادر، أحد أعضاء فريق "الرقة تذبح بصمت" الذي كان يوثق جرائم داعش في الرقة، حيث تم العثور عليه مع صديق له مقطوعي الرأس.
وتكرر الأمر في أبريل العام 2016، مع محمد زاهر شرقاط، وهو ناشط إعلامي سوري معارض، كان مقيماً في تركيا، إذ اغتيل شرقاط بعدة طلقات نارية في رأسه، بينما تبنى تنظيم داعش العملية، الأمر الذي دفع بمراقبين سوريين وغربيين لفتح باب الاستفسار عن "سهولة الحركة" التي يتمتع بها مسلحو داعش في تركيا، وقدرتهم على قتل الشخصيات المعارضة، واضعين إشارات تعجب حول ذلك.
واستمر مسلسل الاستهتار التركي بحياة النشطاء السوريين، فتم اغتيال الناشط الإعلامي "محمود دعبول"، في مدينة العثمانية بتركيا في نوفمبر العام 2017، ونقل مقربون منه أنه قضى على يد مجهولين أمام منزله، دون يذكروا أي تفاصيل عن كيفية اغتياله والجهة التي تقف ورائها.
اغتيالات بأيد الأقارب
كما طال الموت معارضين سوريين آخرين، لكن ليس على يد "داعش"، بل باستخدام سلاح آخر قد لا يمكن التشكيك فيه تقريباً، ألا هو أقاربهم، ومنها مقتل المعارضة السورية عروبة بركات وابنتها الإعلامية حلا في سبتمبر العام 2017، طعناً بسكين، في بيتهما في تركيا، حيث زعمت الشرطة التركية أن القاتل قريب للضحيتين.
اقرأ أيضاً: الدوحة وتعويم طالبان.. التجربة الملهمة لتنظيمات الإسلام السياسي
وتكرر الأمر مع الطيار إسماعيل ملا عمير، الذي ذبح داخل بيته في تركيا، في يناير العام 2020، حيث زعمت أنقرة أنها قضى على يد قريب له، ما أشعل مزيداً من الأسئلة، ودفع الناشطين للاستغراب حول سهولة قتل المعارضين السوريين في تركيا، دون أن تعمل الجهات الأمنية هناك على تأمين الشخصيات المعروفة بالشكل المطلوب، لتضحى حوادث قتل السوريين وترحيلهم وخطفهم المزعوم، ألغازاً، لن تحلها إلا السنوات القادمة، ربما حين يصل الشهود إلى أماكن آمنة، تسمح لهم بالإفصاح عن المكنون.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!