الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل ثَمَّةَ بابا للمسلمين؟
نزار غالب فليحان

دأب العرب على استعمال مَثَل (كل ما دق الكوز بالجرة) للدلالة على أنّ أمراً اعتيادياً يتكرر كثيراً لا يستدعي جلبة أو اكتراثاً كبيرين، فمن الطبيعي أن يرتطم الكوز بحافة الجرة كلما أردنا ملأه كي نشرب. بابا 


مجازاً يمكن استخدام هذا المقال في مقام الحالة المسيحية، فكلما دقَّ كوزُ السياسة بجَرَّةِ المسيحيين في إحدى أصقاع الأرض، وخاصة في شرقنا الملتهب دائماً وأبداً، انبرت الكنيسة ممثلة برأس هرمها البابوي إلى الدفاع عنها، سواء بالتصريح أو الاحتواء أو الحضور بشكل شخصي في ميادين الصراع، للضغط على القوى السياسية المؤثرة على الأرض باتجاه إنصاف المسيحيين وحمايتهم وسلامهم.


في هذا السياق ، برز في الأيام الماضية دور ليس بالجديد للبطريرك الماروني بشارة الراعي، تمثّل في طلب وقوف لبنان على الحياد التام من قضايا الشرق الأوسط، كما طلب من اللبنانيين عدم السكوت على السلاح غير الشرعي وغير اللبناني، وهو موقف فُهِمَ منه الضغط باتجاه سحب سلاح حزب الله وعدم الاستمرار في إقحام لبنان في معارك خارجية تضر بمصير لبنان واللبنانيين، على غرار موقف سلفه البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، الذي أدى إلى خروج الجيش السوري من لبنان، والذي أكد مراراً على أنّ امتلاك حزب الله لسلاح خارج مؤسسة الجيش اللبناني حالة شاذة، وأنّ السلاح يجب أن يكون حصراً بيد الدولة اللبنانية.


أيام قليلة فقط فصلت بين موقف البطريرك الراعي وزيارة البابا فرنسيس إلى العراق، الزيارة التي أتت في ظروف محلية ودولية أمنية معقدة وصعبة، فعلى الصعيد المحلي ما يزال الاقتتال في العراق محتدماً على السلطة من جانب، وبين جماعات مسلحة إيرانية الهوى والدعم والسلاح، وأخرى داعشية تُسْتَدْعى عند الضرورة السياسية من جانب آخر، ودولياً بلغ الصراع على منطقة الشرق الأوسط ذروته بين تحالفات إقليمية وأخرى دولية في مخاض لم تتضح بعد ملامح لنهايته، إضافة إلى صراع العالم مع وباء كورونا، الصراع الذي لا يبدو أنّه سينتهي قريباً، كل ذلك لم يمنع البابا من الزيارة من أجل التأكيد على الدور المسيحي في المنطقة، ومن أجل ترسيخ الوجود المسيحي فيها، والحق أنّ البابا فرنسيس كان أباً للمسحيين وغير المسحيين في تصريحاته: "إنها لقسوة شديدة أن تكون هذه البلاد، مهد الحضارات، قد تعرضت لمثل هذه العاصفة اللاإنسانية التي دمرت دور العبادة القديمة، وألوف الألوف من الناس، مسلمين ومسيحيين ويزيديين وغيرهم، هُجِّروا بالقوة أو قتلوا"، لكن يبقى أثر تلك التصريحات منصبّاً على المكون المسيحي  كون البابا مرجعية هذا المكون في ظل وجود مرجعيات لباقي المكونات، لكنها لا ترقى في تأثيرها على المستوى الدولي، وحتى المحلي، إلى مصافي الفاتيكان.


وحين لا ننكر ذلك الحق على مكون أصيل وأساسي في شرق كان للمسيحيين فيه الدور الأبرز والأكثر تأثيراً، على المستوى الإنساني والثقافي والمعرفي والحداثي، فإننا نتساءل عن حماية المسلمين كمكون أساسي وأصيل أيضاً لا يقل أهمية عن المكون المسيحي، إنسانياً وثقافياً ومعرفياً وحداثياً.


فمن للمسلمين الذين هُجِّروا من بيوتهم المدمرة في سوريا؟ ومن للمسلمين الذين يبادون في ميانمار؟ ومن للمسلمين الذين تضطهدهم الصين بحجة مكافحة الإرهاب؟ ومن للمسلمين في تايلند وأفريقيا الوسطى؟


يبدو أنّ العالم أفلس من المنظمات الدولية التي كان من المفترض أن تقوم بالدور المناط بها إنسانياً على الأقل، وأنّ كل المواثيق والقوانين والقرارات الصادرة عن تلك المنظمات لم تعد تأتي أكلها، الأمر الذي دفع العالم نحو مرجعيات دينية ناضلت كل شعوب الأرض طويلاً كي تبعدها عن الساحة السياسية، لكنها على ما يبدو فشلت.


وحيث هُيِّئ لمسيحيي الأرض سندٌ تمثَّل في البابا الذي لا يوفر جهداً في الدفاع عنهم، فهل ثمة بابا للمسلمين؟ بابا 



ليفانت - نزار غالب فليحان  ليفانت 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!