الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل يساهم بايدن في حل الأزمة السورية؟
مصطفى سعد

كان التدخل العسكري الأمريكي المباشر في سوريا عام 2015 لعدة عوامل وأهداف، وهي كما حددها الرئيس الأمريكي في حينها “باراك أوباما”: أولها، القضاء على الإرهاب، وثانيها الوصول لحل سياسي في البلاد اعتماداً على بيان جنيف 1 والقرار 2254، والأخير إخراج إيران من سوريا.



أوباما نفسه الذي اتبع أسلوباً دبلوماسياً مع إيران، وتوصّل إلى اتفاق متعدّد الأطراف بشأن برنامجها النووي قرأه بعض “جهابذة” السياسة على أنّه ضعف منه.


بايدن وهو من رجالات تلك الفترة يعتبر امتداداً لسياسة أوباما الذي كان يريد الاتجاه شرقاً نحو الشمال الأقصى، ووضح هذا من بيانه الانتخابي في أنّ هدفه الحدّ من سرعة صعود الصين واحتوائها، وكما هو متوقع بأساليب دبلوماسية وسياسية على طريقة الرئيس أوباما، كزيارته لفيتنام عام 2016، وإعلانه رفع الحظر عن بيعها السلاح الأمريكي.


ومما جاء في البيان أيضاً سيعيد الاتفاق مع إيران لكن دون أن يتخلّى عن شرط أوباما في انسحابها من سوريا، بل سيكون مثل ما هو متوقع اتفاق على الحدّ من طول أذرع إيران في بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت، وحتى سيحدّد العلاقة بين طهران وحماس.


وإذا استعرضنا بعضاً من مواقفه السابقة، نرى أنّه كان من الرافضين تسليح المعارضة السورية، والتي ما يزال البعض يراهن عليها، وهنا نستذكر رأي الدكتور المعتقل “عبد العزيز الخير” عندما سئل عن السلاح في الثورة السورية، فأجاب إنّها لن تسقط النظام بل ستأخذنا إلى ملعبه، وأضاف إذا تسلحت تأسلمت وإذا تأسلمت تطيفت.. الرأي الذي أثبتت التجربة صوابيته.


وكان مع باراك أوباما في تغيير سياسته تجاه الإخوان المسلمين وأنقرة، وذهب في دعمه باتجاه الأكراد ليعتمد على القوى الكردية في محاربة داعش، متحدياً بوضوح حليفه الأقوى في حلف الناتو. أما موقفه من القضية الفلسطينية فهو مع حلّ الدولتين ويرفض ضم الضفة الغربية لأنّ في ذلك إعاقة لعملية السلام.


في المقابل، نرى أنّ ترامب قدّم سوريا لتركيا وروسيا وإيران على طبق من فضة عبر مؤتمر سوتشي، وما نتج عنه من نفوذ تركي في سوريا وسيطرتها عبر قواتها الرسمية أو عبر بيادق سورية في يدها، نقل سفارة بلاده للقدس واعتبرها عاصمة إسرائيل، كما ومن الملاحظ التقارب الروسي التركي والذي نجم عنه اتفاق سلام بين أذربيجان وأرمينيا يوم إعلان فوز بايدن، وهذا ليس بفعل الصدفة طبعاً.


ومع هذا يرى قسم من الائتلاف السوري المعارض وبعض القوى والأحزاب والشخصيات الإسلامية ذات الهوى التركي، أنّ رحيل ترامب ليس في مصلحة الشعب السوري، وأنّ الرئيس بايدن قد يتراجع عن قانون قيصر (الذي لا يمكن أن يسقط أي نظام) ويعيد العلاقة مع إيران، وبالتالي تمكين نظام الأسد في دمشق. 


ونجد الرؤيا ذاتها لكن من زاوية مختلفة عند وسائل الإعلام الرسمية أو التابعة للنظام، أنّ وصول بايدن لسدّة الحكم من مصلحة الشعب السوري ويؤدّي لتمكين الأسد. وهنا ندرك أنّ البلاء ليس في أن تولد بمنطقة تعدّ الأخطر والأكثر توتراً على هذا الكوكب، ولا هو العيش في انتظار جرة الغاز وربطة الخبز والكهرباء، ولا في الفساد والخوف والفقر والقمع والذل، البلاء الحقيقي أن تعيش لتقرأ وتشاهد منظرين في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية وخبراء إستراتيجيين ومستشارين يستقون تحليلاتهم واستنتاجاتهم من مسلسلي وادي الذئاب وسمبسون أو من أنظمة يقتاتون على ما ترميه لهم من فتات.


لكن هذا لا يعني أنّ مجيء بايدن يجعل الحل السياسي قريباً وينهي مأساة السوريين، لأنّ بايدن “أحسن” من ترامب كما يصرّ البعض على التوصيف، فجميعنا نعلم أنّ السياسة الخارجيّة للولايات المتحدة لا تنقلب رأساً على عقب بين جمهوري وديمقراطي، بل تحكمها بعض الثوابت أهمها المصالح الاقتصادية والأمن القومي، لكن توجهات الديمقراطيين نحو شرق آسيا وتخلّيهم عن الشرق الأوسط لن يكون بترك فراغ للقوة أو باستنقاع الأزمات في هكذا منطقة، على الرغم من كونه احتمالاً وارداً لكن على الأرجح ستكون آلية خطة الولايات المتحدة في فترة بايدن هي محاولة تخفيف التوتر والصراعات (وعبّر عن ذلك صراحة ضمن بيانه الانتخابي كتأكيده على إنهاء الحرب في اليمن) ورسم الخطوط العريضة بدقة للدول الفاعلة بالإقليم.


ختاماً، الحل السياسي قادم مهما تأخر، ومن أهم أسباب تأخره فشل المعارضة الوطنية الديمقراطية بخلق كيان أو كتلة جامعة لها لأسباب، مما جعل القوى الإسلامية تتصدّر المشهد.


اليوم، وبعد فشل الإسلاميين، عسكرياً وسياسياً، ومجيء رئيس أمريكي يدعم القوى الكردية والحوار بين مجلس سوريا الديمقراطية والمجلس الوطني الكردي، ويقف في وجه الإخوان المسلمين ومن لفّ “لفيفهم”، يجعل الفرصة مواتية جداً لتشكيل قطب جديد للمعارضة السورية يكون ذا طابع علماني يساري، ويضم جميع القوى التي تؤمن بالديمقراطية وتريد بناء دولة القانون والمواطنة، وترفض جميع الاحتلالات والهيمنة الخارجية والميليشيات الموجودة على امتداد مساحة البلاد. 


 ليفانت – مصطفى سعد

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!