-
تركيا تجرّ أوروبا لـحافة الحرب.. طمعاً بـ”سيناريو إدلب” في شرق المتوسط
بالرغم من كونها تدافع من وجهة مناصريها عن حلم طويل بالبروز كقوة إقليمية تفرض رأيها في القرارات الحاسمة المتعلقة بمستقبل المنطقة، ولا تتركها عرضة “للمؤامرات الخارجية” كما يعتقد محبوها، ممن يعتقدون أنّ الغرب متآمر على بلادهم ويسعى لتفتيتها، انطلاقاً من منظور طائفي ضيق، لا يسعهم إلا النظر عبره، إلى صغائر الأمور وكبائرها، لكن أنقرة تتجاهل حقيقة كونها تقترب في كل لحظة من مغبة الانجرار إلى حرب مفتوحة، لن تجلب لها سوى المزيد من الانكسارات.
فالأخيرة، أيّ “أنقرة”، لا تمتلك من عوامل القوة الذاتية ما يمكنها من الدفاع في وجه من يزودها عملياً بتقنيات الحرب والسلاح، بجانب المشكلات العالقة فيها منذ عشرات السنوات، والتي وصلت إلى مراحل التهاب شديدة، وبدأ قيحها يصدر للخارج، في دلالة على أنّها تتجه إلى النهاية، ما لم تداوِ تلك الجراح التي شقّتها سنوات طويلة من الإنكار والاضطهاد الداخلي للشعوب الأصلية التي تتشكل منها تركيا.
قيحٌ والتهاب حاد، تدركه القيادة التركية، ولكنها وبدلاً من البحث عن علاج ذاتي له، تحاول البحث عن جرعات خارجية، تسعفها بالمال والنفوذ الإقليمي، الذي قد يمنحها بعض الرضى الداخلي، عله ينجح في كبح جماح الأتراك، الذين هم أساساً أكثر من تضرر من حكم “العدالة والتنمية”، عبر مئات آلاف المعتقلين، وعشرات الآلاف المفصولين بذريعة الانقلاب المزعوم.. بجانب تغيير بنية الدولة، قصقصة أجنحة الجيش، وتكوين مليشيات موالية للحكومة تحت مسميات وعناوين عدة، مآلها جميعاً دفع تركيا إلى أتون صراعات باردة أو ساخنة، حسب درجة التكبر التي أصابت أردوغان، وجعلته يعتقد أنّه بات سلطاناً فعلاً، كما يحبذ أن يطلق عليه اتباعه من تنظيم الإخوان المسلمين.
تحشّد في الإقليم تحضيراً للمُبارزة
لكن أغلب الظن، أنّ أنقرة تسير على نهجها الذي عرفت به خلال السنوات الماضية، المعتمد على سياسة حافة الهاوية، لا بل وحتى السقوط في الهاوية قليلاً، كما حصل عندما جرى إسقاط الطائرة الروسية في العام 2015، والتي دفعت أردوغان للاعتذار من موسكو، وتقديم فروض الطاعة، وتم على إثرها ما تم من صفقات على الساحة السورية، كان أبرزها تسليم حلب للروس مقابل تسليم مدينة الباب للأتراك في العام 2016-2017، وأيضاً صفقة تسليم عفرين للأتراك، مقابل تسليم الغوطة وريف حمص للروس في العام 2018، وغيرها.
ويبدو أنّ الجانب التركي يسعى لتكرار السيناريو عينه، علّه يكسب ما ليس له في البحر المتوسط، فالأمور هناك تنبأ بمواجهة محتومة، إن طال أمد انتظارها أو قصر، وهو ما يعني أنّنا سنشاهد في لحظة من اللحظات، وقوع مُواجهة عسكرية مباشرة، أشد بطبيعة الحال من مناوشات كلامية، (كتلك التي حصلت قبل فترة بين سفينة فرنسية وأخرى تركية قبالة السواحل الليبية)، حيث يُرجّح أن تكون على شاكلة مُواجهة جوية تنتهي بإسقاط طائرة تركية أو أوروبية، أو مواجهة بحرية تنتهي بإغراق سفينة تركية أو أوروبية.
من الواضح أنّ تلك هي اللحظة التي يبدو أنّ أردوغان ينتظرها ويسعى إلى الوصول إليها، لتلقفها قبل توقيع أي اتفاق، كونه سيدرك حينها أنّها أقصى الحدود التي يمكن أن يعبر إليها، وأقصى ما قد يستحوذه في هذه المرحلة من الأوروبيين، وهو سيناريو يمكن مقاربته مع مقتل 36 جندي تركي في إدلب، نهاية فبراير الماضي، إبان هجوم مفتوح للنظام السوري على المحافظة.
حيث دفعت تلك الخسارة الكبيرة، أردوغان إلى معرفة أنّ ذلك أقصى ما قد يبقى بحوزته بموافقة روسية من محافظة إدلب، إذ حدّد اتفاق روسي تركي عقب الواقعة بأيام، خارطة نفوذ جديدة، منحت المناطق الواقعة شمال الطريق M4 للأتراك، وهو ما يمكن اعتباره مكسباً لتركيا مقارنة مع خسارة كامل محافظة إدلب، وطرد الجيش التركي وحلفائه من التنظيمات الراديكالية منها، كما كانت تتحدث موسكو ودمشق سابقاً.
ولأنّ أنقرة ترغب في تطبيق ذلك السيناريو مع الأوروبيين (كما يبدو)، قد تشهد منطقة شرق المتوسط خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة، مواجهة عسكرية من ذلك النوع، والتي من المفترض أن تصبح شرارة حرب إقليمية تستمر لسنوات، لكن ذلك قد يكون مستبعداً مع النهج التركي المبني على تبني خطاب تصعيدي حاد في الكلام، والتراجع والطأطأة عند المواجهات الفعلية.. كما كان الحال أيضاً في ليبيا، عندما وضعت مصر خطاً أحمر لأنقرة، ممتداً بين مدينتي سرت والجفرة، والتي لم تتجرأ المليشيات التابعة لأنقرة وحكومة الوفاق الإخوانية على خرقه، لكونها تدرك أنّ قرار الهجوم سيكون لها، لكن قرار إنهاء المعركة سيكون لمصر، وقد لا ترضى الأخيرة، وقتها بأقل من تحرير العاصمة الليبية، طرابلس.
الأتراك لا يفقهون سوى لغة الأفعال
ولأنّ الحال كذلك، فيبدو أنّ تلك المواجهة المتوقعة أن تحصل في أي وقت، لن تكون إلا هدفاً بعينه لتركيا، بغية دفع الأوروبيين إلى الإقرار بالمواقع التي استولت عليها تركيا في المتوسط من مياه اليونان وقبرص بغير وجه حق، مُستغلة رغبة الأوروبيين بعدم السماح لكرة النار بالتدحرج، خاصة وأنّ الموقف الألماني متهاون إلى حدّ بعيد مع أنقرة، وقد لعبت قبل فترة، دوراً في منع وقوع حرب بين أنقرة وأثينا.
ورغم أنّ الأوروبيين عموماً غير توّاقين للحرب، بيد أنّ أنقرة تدفعهم نحوها، كونها تجد فيها السبيل لتحديد مناطق نفوذها، ضمن إطار ما تسميها بـ”الوطن الأزرق”، متجاهلة إلى حدً بعيد أنّ نتائج مثل تلك مواجهة قد لا تكون محمودة العواقب بالنسبة إلى أنقرة.
فالأخيرة، تبتزّ الأوروبيين منذ سنوات طويلة، والأوروبيون دفعوا أمولاً كثيرة، وتعرّضت مدنهم لمخاطر أمنية نتيجة السياسات التركية القائمة على الابتزاز بقضية اللاجئين، بجانب ضرب المصالح الغربية في مواقع عديدة، كما في ليبيا وشمال وسوريا، الأمر الذي سيفتح باب التساؤلات حول مآلات التعاطي الغربي مع مثل تلك المُواجهة المباشرة.. إن كان كما تتمنّاه أنقرة في الإقرار الأوروبي بمكاسبها، مقابل إنهاء الحرب وإعلان لوزان جديدة، أم مواصلتها من منطق أنّ الأتراك لا يفقهون إلا لغة الأفعال، كما قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مؤخراً.
وحينها، سيجد الأتراك أنفسهم، إما أمام قيادة تُصفق لانتصار مزعوم، قائمة على الترهيب والدم بحق جيرانها، وإما سيدركون أنّهم قد تورّطوا في حرب، هي أكبر من تركيا بكامل إمكاناتها وفي أقوى حالاتها، خاصة وأنّ تلك الحرب قد لا تقتصر على أوروبا وحدها، فعيون المحيط بـ(غالبه)، قد باتت حمراء تجاه أنقرة، وأضحت الكثير من الأطراف تنتظر اللحظة التي يسقط فيها لواء “العثمانية الجديدة” إلى غير رجعة.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!