الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
ورقةُ الإنقاذ الأخيرة
عبير نصر

لا بدّ أنّ سنةَ (2021)، لها صبغة مختلفة بين سنوات الجحيم السوري العشر، بعدما توطّنَ البؤسُ في العيون، ليغدو ملمحاً عامّاً مشتركاً، وبات بعضُ الناس يشتري بالقطعة بدلاً من الكيلو، لأنّهم لا يملكون ثمن كيلو غرام من أيّ شيء، ناهيك عن أنّ اللحومَ والدجاجَ والموزَ والجبنَ قد تحوّلت إلى حلمٍ لدى الكثير من العائلات السورية، أما البيوت فهي باردة لا دفء بها، والوجوه شاحبة يعتصرها الهمّ والقهر، والعجز الاقتصادي الذي تشهده البلاد، تأكّد بعد طرحِ الورقةِ النقدية الجديدة، بقيمةِ خمسة آلاف ليرة سورية، والتي عزّزت من انهيار العملة الوطنية، بعدما وصلتْ قيمةُ صرف الدولار الواحد عتبة (4000) ليرة سورية، ويرى خبراء اقتصاديون أنّ اتخاذَ مثل هذه الخطوة من قبل النظام السوري، تهدفُ إلى الانسجامِ مع الوضع الاقتصادي السيء للبلد، دون أن تساهمَ في إيقافِ ارتفاع التضخم.


وحقيقة الأمر أنّ سنوات الحرب السورية، تركت سوريا تحت طائلةِ أعباء ثقيلة، يبدو أنّها كافية لإقناع الأسد والحلقةِ الضيّقة المحيطة به، بأنّه قد خسر في المواجهة الاقتصادية والمالية، ما ربحه في الحرب، وأن مهمة إعادة إعمار سوريا، أصعب بكثير من مهمة تدميرها، وأنّ كلفة إعادة توطين نصف الشعب السوري اللاجئ والنازح، ربما تكون أعلى بكثير من كلف تهجيرهم وتشتيتهم، ولا يبدو أنّه سيكون بمقدور حليفتي سوريا الأساسيتين في الحرب: روسيا وإيران، المساعدة على مجابهته، لاسيما وأنّهما، بحاجةٍ لمن يمدّ لهما يد العون والمساعدة، في ظلّ ما تواجهانه من تحدياتٍ اقتصادية، فهل تُنقَذ الدولةُ المنهارة بالتلويح بورقةِ الإنقاذ الأخيرة، المتضمنة إبرام اتفاقيةِ سلامٍ دائمٍ مع إسرائيل؟، على الرغم من أنّ البلدين في حالةِ حربٍ رسمياً، والعلاقة مع (الجارة العدوّة) بالنسبة للنظام السوري هي عبء بالدرجة الأولى، نظراً لتأكيده الدائم على هويته القومية العربية، وعلى موقفه المعادي لإسرائيل، في سياقِ بناء شرعيته المحلية والإقليمية أيضاً، وفي ظلّ غيابِ القدرة على الفعل غير المسبوقة التي وصل إليها النظام السوري، وفي حال حصل تطبيعٌ مع إسرائيل (ذات الموقف الأقوى بعد اعتراف ترامب بسيطرتها على الجولان)، فعلى الأغلب ستكون فوائدُ النظام السياسية هي المشروعية العالمية، كنوعٍ من العودة إلى الحظيرة الدولية، ذلك أنّ العزلة التي يعاني منها النظامُ السوري، غير مرتبطة بالعلاقات مع إسرائيل، إنما بالجرائم ضد الإنسانية التي قام بارتكابها ضدّ الشعب السوري.


والواقع أنّه منذ دخول روسيا الحربَ السوريّة، سعتْ إلى تطمين إسرائيل الدائم بالتزام موسكو بالحفاظ على أمنها، وألاّ تتحوّلَ سوريا إلى مصدرِ توترٍ يهدّد استقرارها، هي التي أرغمت النظام السوري على تسليمِ رفات الجندي الإسرائيلي (زخاريا باومل)، الذي قُتل في لبنان عام 1982 ودُفن في محيط العاصمة السورية، بالإضافة إلى تسليم ساعة الجاسوس الإسرائيلي (إيلي كوهين) الذي أعدم عام 1965 في دمشق، في المقابل، يبدو أنّ كلاًّ من نتنياهو وترامب كانا حريصين على عدم سقوط الأسد، وما يؤكد هذه الاعتقاد أنّ الجيش الإسرائيلي لم يوجّه أيّ ضربةٍ عسكريةٍ على مواقعَ لقواتِ النظام السوري، رغم القصف المستمر، والمواقع التي استهدفتْ على الأراضي السورية هي مواقع تابعة لإيران وميليشياتها، وفي الحقيقة لم تكن سوريا يوماً بعيدةً عن عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، فهي لم ترفض يوماً التفاوض مع تل أبيب، على الرّغم من أنّ تاريخَ الصراع بينهما قد مرّ بمنحنياتٍ كثيرة منذ عام النكبة، وقد شهدتِ العلاقةُ بين الجانبين حروباً مباشرة ومعارك استنزاف، إضافة إلى مواجهاتٍ على الأراضي اللبنانية، في ثمانينات القرن الماضي، وصولاً إلى الهدنةِ والاقتراب من عقد اتفاق سلام في أعوام 1990 و1999 في الولايات المتحدة الأميركية، (عبر مفاوضات مدريد)، ثم الوساطة التركية عام 2008.


ومؤخراً، تواترتِ الأنباءُ عن جهودٍ تبذلها عواصم عربية (طبعت) علاقاتها مع إسرائيل، لسحب سوريا إلى ذات مسلسل التطبيع الذي بدأته إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، ومن المرجّح أن يواصله الرئيس الجديد، ولأجل هذا يتركّز الجهدُ العربي في تصاعد العلاقة الوثيقة، والصداقة الناشئة بين الإمارات والنظام السوري، لإقناع الأسد بالتطبيع مع إسرائيل، لاسيما وأنّ ردودَ الفعل السورية الرسمية، الصادرة عن دمشق، في التعقيب على التطبيع الذي قامت به الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، لم يكن وفق المتوقع، بل جاء فاتراً وبارداً، بعيداً عن العبارات الحماسية التي دأب على إصدارها بين حين وآخر، والدليل أنّ حديثَ (محور المقاومة والممانعة) في الخطابين السياسي والإعلامي السوريين، يكاد لا يحضر أبداً، أقلّه بالزخم ذاته، الذي رافق الأزمة السورية في بدايتها، فهناك عبارات ثناء على الحلفاء، تُستدرك دائماً، بالتركيز على الدور الذي لعبه الجيشُ السوري في تسطيرِ انتصارات النظام على أعدائه.


وفي سياقٍ موازٍ، توقف الإسرائيليون مطولاً عند صمت النظام السوري أمام تلك الاتفاقيات التطبيعية، عندما لم يصدر عنه شجبٌ قويّ، بل انتشر مقطع فيديو للقيادي البعثي السوري (مهدي دخل الله)، وهو يدعو لتوقيع سوريا معاهدة سلام مع إسرائيل، طالما أنّها منوطة بتفاهمات روسية أميركية، متوقعاً أن تتمَّ قريباً جداً، أكثر من ذلك، فما زالت أصداء مقابلة (سابقة) للأسد مع وسائل إعلام روسية تتردد في الأوساط الإسرائيلية، حين اشترط التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل بانسحابها من الجولان، من دون التطرّق للقضية الفلسطينية على غير عادته، فضلاً عن عدم تعقيبه على انطلاق المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية لترسيم حدودهما البحرية.


وأشيع أنّ واشنطن أعطتِ الضوءَ الأخضر لبدء مرحلةٍ من (جسّ النبض) بين النظام السوري وإسرائيل لتطبيع العلاقات بينهما، وأنّ المباركةَ الأميركية لبدء هذه التحركات جاءت بعد تفاهمٍ روسي ــ أميركي، إذ تجهد موسكو لإخراجِ النظام السوري من نفق العقوبات وخندقِ العزلة الدولية، وما عزّز هذه الإشاعات أنّ صحيفةَ (الشرق الأوسط) السعودية، نشرتْ تقريراً قالت فيه (إنّ النظامَ السوري ربما يطبّع علاقاته بإسرائيل، أسوة بالبحرين والإمارات العربية المتحدة)، والتقرير لم يستند إلى معلومات، أو وثائق، أو مصادر علنية أو خاصة، تشير إلى وجود أيّ نوع من أنواع الاتصال بين النظام السوري وإسرائيل، لكنه في المقابل أثار جدلاً واسعاً نشرته عدّةُ وسائل إعلام إسرائيلية، تبعته عدّةُ تقارير من صحف إسرائيلية تشير إلى إمكانية عقد اتفاق بين دمشق وتل أبيب.


والسؤالُ الجوهريّ الواجب طرحه هنا: هل النظام السوري مستعدّ للمضي قدماً في هذا المسار، وعدم استخدامه، على الدوام، كملجأ لتخفيف الاحتقان عليه جرّاء الأزمات المتعاقبة، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم؟، وهل ستكون سنة 2021 سنة التطبيع الجديّ أخيراً؟ فثمة ما يغري الأسد، حالياً، في التفكير بطرقِ الباب الإسرائيلي، بهدفِ إعادة تعويم نفسه، وكسر عزلته، التي باتت تؤثر عليه اقتصادياً بشكل كبير جداً مع تزايد عقوبات (قيصر) في حدّتها، ليكون مقبولاً من جديد أمام المجتمع الدولي، (خاصة أنّ التطبيعَ السوداني مع إسرائيل، رفع السودان عن قائمة الإرهاب الأميركية)، وعلى هذا، فسيناريوهات التفاوض أو التطبيع، متعلّقة بشكلٍ كبير برؤية (بايدن) وفريقه للشرق الأوسط، بحكم كون الولايات المتحدة هي المرشح الأهم لرعاية مثل هذا التقارب، أو المفاوضات إنْ حصلت.


ليفانت - عبير نصر

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!