الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الطريق السريع (M4) وأهميته الاستراتيجية في الصراع السوري      

الطريق السريع (M4) وأهميته الاستراتيجية في الصراع السوري      
زارا صالح

في الوقت الذي يواصل الطيران الحربي الروسي قصفه لمواقع ميليشيات أحرار الشام المعارضة في مدينة سراقب ومحيطها، حيث تقاطع الطريق الدولي M5 مع الطريق M4 تتجه الأنظار نحو معركة السيطرة على البلدة الاستراتيجية معرة النعمان حيث أوتوستراد حلب-دمشق الذي تحاول قوات النظام السوري وبالتعاون مع الروسي حسمها قريباً لصالحها، ضمن خطة إحكام القبضة العسكرية على معظم الطريق الدولي الذي يربط الشمال السوري بغربه وجنوبه ليكون بعدها استكمال استعادة السيطرة على الشمال عبر بوابة استراتيجية التحكم بالطريق الدولي السريع. لكن لماذا تسعى قوات الحكومة السورية ومن خلفها روسيا للسيطرة على ذلك الطريق وعلى حساب هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة الأخرى من المعارضة المدعومة من قبل تركيا؟ ما هي الأبعاد الاستراتيجية والجيوسياسية في معركة التحكم بالطريق الدولي M4 في المعادلة السورية؟.


قبل الإجابة على هذه الأسئلة لابد من توطئة سريعة حول الطريق السريع M4 وجغرافية عبوره ضمن الأراضي السورية، والذي بدأ العمل به منذ مايقارب السبعة عقود. الطريق الدولي M4 يبدأ من أقصى الشمال الشرقي من سوريا حيث النقطة الحدودية من بلدة اليعربية (تل كوجر) على الحدود العراقية مروراً بالقرب من القامشلي في الشمال السوري ثم بلدة تل تمر وعين عيسى ومدينة منبج والباب إلى أن يصل حلب. يستكمل الطريق M4 مسيرته من بلدة سراقب باتجاه الغرب إلى أن يصل إلى مدينة اللاذقية. أيضاً عند مدينة سراقب في منطقة إدلب يتقاطع طريق M4 في جهة الجنوب مع الطريق الدولي M5 باتجاه حماة وحمص ومن ثم العاصمة دمشق ويتابع إلى لبنان والأردن.


الأهمية العسكرية-السياسية


تكمن أهمية الطريق الدولي M4 في بعده الحيوي الذي يربط المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية لسوريا ببقية المناطق الغربية والغربية الجنوبية. ولهذا يعتبر حلقة وصل استراتيجية بين أهم المناطق في سوريا وان أبعاد السيطرة العسكرية على هذا الطريق تكمن في التحكم بمفاتيح التحركات العسكرية ونقاط الدعم والإمداد العسكري للجهة المسيطرة وبذلك تستطيع استخدامها كورقة ضغط في المفاوضات السياسية مستقبلاً. فمثلاً تركيا التي تمتلك حدوداً بطول 900 كم مع الشمال السوري سعت منذ بداية احتلالها لسوريا عبر عملية درع الفرات وانتهاء بعملية نبع السلام محاولة السيطرة على معظم الشمال السوري تحت حجة محاربة داعش والقوات الكردية، لكنها فشلت في الوصول إلى الطريق الدولي M4 رغم الاتفاقية الأخيرة التي وقعتها مع روسيا بعد اجتياحها منطقة رأس العين- تل أبيض تحت مسمى نبع السلام. بعد احتلال تركيا لمنطقة عفرين الكردية 2018 مع ميلشيات مايسمى بالجيش الوطني للمعارضة السورية التابعة لها.


تحاول تركيا جاهدة العمل على محاربة الطموحات الكردية وتقويضها وذلك من خلال تقطيع أوصال جغرافية (الكيان الكردي) كما تسميه تركيا بين الأقاليم الثلاث لمناطق الإدارة الذاتية الكردية، فجاءت عملية نبع السلام استكمالاً لعملية احتلال عفرين. ومن أجل فصل منطقة كوباني (عين العرب) عن منطقة الجزيرة، قامت بعملية نبع السلام التي توقفت مؤقتاً في امتدادها نحو الشرق وفق اتفاقيتها مع روسيا التي تدرك جيداً الأطماع التركية ولهذا فقد عمدت على نشر شرطة حدود حكومية مع دوريات روسية للتحكم بالطريق الدولي M4 في تلك المنطقة وعلى النقاط الحدودية مع تركيا ومواقع تواجدها داخل الاراضي السورية. وتأتي تلك الخطوة الروسية كجزء من استراتيجة سوتشي-استانا التي تحاول الحد أو التقليل من النفوذ التركي والإيراني في سوريا وقد نجحت إلى حد ما في مناطق الشمال والشمال الشرقي لكنها مستمرة اليوم في منطقة ادلب الاستراتيجية ضمن خطة السيطرة الكاملة على الطريق الدولي.


واذا كانت الخطة الروسية هي توسيع مناطق نفوذها أو حتى استعادة السيطرة على كامل الجغرافية السورية لمصلحة نظام الأسد وأهدافه، فان تركيا من جهتها تضع نصب عينيها على المناطق الكردية والشمال السوري في ظل فوبيا أردوغان الكردية والنزعة العثمانية الجديدة في توسيع دائرة النفوذ من خلال النبش في الأرشيف العثماني-الملي في ضم مناطق الشمال السوري إلى الحدود العراقية وولاية الموصل السابقة مع حدود إقليم كردستان الحالية مما يجعل الصراع مستمراً على الطرق الحيوية.


الأهمية التجارية- الاقتصادية


إن عملية الربط بين المحافظات الشمالية الثلاث في سوريا يتم عبر شريانها الحيوي M4، ويعتبر خط الإمداد الرئيسي خاصة فيما يتعلق بمنطقة شرق الفرات التي تعتبر الخزان الغذائي والاقتصادي لسوريا حيث النفط والحبوب والقطن والمياه. وتكمن أهميته الحيوية بالنسبة للنظام السوري في ظل الأوضاع الصعبة وتدهور قيمة العملة السورية والضغوطات الأمريكية, فإن نظام الأسد وبدعم حليفه الروسي يسعى إلى استعادة تلك المناطق عبر السيطرة على الطريق الدولي M4 أولاً، وذلك لتقويض التواجد التركي في مناطق شمال الخط الدولي الذي قد يقوي موقعها في عملية التفاوض السياسية لاسيما وهي تعلم بأن خطة ترامب الأخيرة في وضع يدها على موارد النفط باتت استراتيجية أمريكية طويلة الأمد وليس بامكانها الوقوف في مواجهة ذلك، ولهذا ستسعى للتعويض بإزاحة ورقة النفوذ التركي تدريجياً بمساعدة الضامن الروسي.


وتسعى روسيا عملياً مع النظام التعويض الجزئي بالسيطرة على منطقة إدلب والطريق الدولي مستفيدة من اتفاق أستانا في السماح بمحاربة التنظيمات الإرهابية ومنها جبهة النصرة المتواجدة هناك من ناحية، ومن ثم فتح طريق حلب- اللاذقية وكذلك طريق حلب-دمشق لضمان الامدادات التجارية والنقل وحرية نقل البضائع بين كافة المناطق السورية. وكذلك يعلم الراعي الروسي أيضاً أهمية منطقة شرق الفرات والمناطق  الكردية بالنسبة لتركيا ومدى إمكانية عقد صفقات أخرى على غرار تسليم الغوطة الشرقية للنظام مقابل تسليم عفرين لتركيا، ولكن هذه المرة قد لاتكون بتلك السهولة بحكم التواجد العسكري الأمريكي ودعمها لقوات سوريا الديمقراطية الكردية. وأيضاً فإن عملية السيطرة على الطريق M4 يعني بالنسبة للنظام التحكم بالاستفادة من مياه سد الطبقة والفرات (جنوب الطريق الدولي) الذي يعتبر المصدر الأساسي للكهرباء.


عملياً، وعلى ضوء مايحدث على الأرض فان الجانب الروسي سوف يحاول السيطرة على الطريق الدولي رغم الاتفاقيات السابقة الموقعة مع تركيا وفي إطار أستانا ولن تتوقف العمليات العسكرية في مناطق إدلب حتى السيطرة كاملة عليها بعد أن اتفقت مع تركيا على ضرورة عزل جبهة النصرة والفصائل التابعة لها عن بقية الفصائل الأخرى التي غادرت قسم منها نحو مناطق عفرين ومناطق عملية نبع السلام، والتي ستكون بمثابة تغيير ديمغرافي هناك بعد أن تم تهجير سكانها الاصليين من الكرد والمسحيين والعرب، إضافة إلى مشروع اردوغان لتوطين مليوني لاجئ في منطقة نبع السلام التي احتلتها تركيا مؤخراً لتظل أبواب الصراع مفتوحة في لعبة المصالح والتفاهمات الدولية.


زارا صالح 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!