الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • تجنيد القصّر بمناطق "الإدارة الذاتية".. المُعضلة المُنفّرة والمُبررات المُفرّغَة

تجنيد القصّر بمناطق
تجنيد القاصرين شمال سوريا ليفانت نيوز

تعاديها دمشق وأنقرة.. ترفضها موسكو ولا تساندها واشنطن بشكل كاف، تحيك لها أطراف كثيرة كالفرع السوري لتنظيم الإخوان المسلمين (بجناحيه السياسي والعسكري)، الكثير من المكائد للإيقاع بها والإساءة لدورها.. ولعل آخر ما قد تحتاجه "الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا" في هذا الوضع، أخطاءٌ من داخلها، وتبريرات غير مقنعة، لقضايا شائكة تشغل بال الرأي العام هناك، على رأسها قضية تجنيد القاصرين التي تغاضى عنها الكثيرون (محلياً ودولياً) للظروف القهرية التي عاشتها سوريا خلال العقد الماضي.


أما والحال تتجه صوب الاستقرار، فإن الإجراءات الاستثنائية التي تفرض في مناطق "الإدارة الذاتية"، من قبل بعض التنظيمات العاملة بشكل رسمي أو مبهم هناك، تصبح فاقعة، مرفوضة، غير مبررة، وبحاجة ماسة إلى الحلّ، لسدّ الذرائع ومنع تحولها إلى "قضية حق" قد يستغلها البعض المرتبط لـما "يراد بها باطل".


اقرأ أيضاً: كورونا و”حركة النهضة”.. برهان آخر على عدم صلاحية الإخوان للحكم

وعليه، وأياً كانت المبررات، أو التنكر لها وعدم الإقرار بها، فإن أصحاب القرار والمدنيين الذين يعيشون في شمال سوريا، مدركون أنها وقائع تحصل هنا وهناك بين الفينة والأخرى، أياً كانت نسبتها قليلة أم كثيرة، وبالتالي، وما دامت "الإدارة الذاتية" تعتبر نفسها "النموذج المشرق" لسوريا المستقبل، التي لا يمكن أن تكون بلون واحد كما هو الحال مع دمشق "البعثية"، أو المعارضة "الإخوانية"، فإن حلها لزام.


والحلّ وقتذاك، بالإقرار أولاً بوجود المعضلة والكف عن إنكارها، ومن ثم تحديد مسببيها (كتنظيمات)، والإعادة الفورية لجميع القصّر، الذين قد تضيق بهم الحال في أسرهم وداخل عوائلهم لأسباب كثيرة منها الاقتصاد المتردي، فتدفعهم إلى خيارات هم أصغر من تحمل تبعاتها، أو غير مدركين حقاً للطريق التي يسلكونها، ومنحهم بالتالي الفرصة من جديد لرأب الصداع مع آباءهم وأمهاتهم، وإلا فإن كل تبريرٍ ممجوج، سيفسد للودّ قضية.


لماذا التضخم المالي والغلاء في الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا؟

طفح الكيل


مناسبة الحديث، الأصوات المرتفعة للأمهات في القامشلي، اللاتي خرجن في نهاية نوفمبر الماضي، أمام مقر الأمم المتحدة احتجاجاً على تجنيد القاصرات في صفوف التشكيلات العسكرية في شمال سوريا، معتبرين ذلك بمثابة خطف، حيث أفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" بخروج ذوي قاصرات جرى تجنيدهن من قبل ما تسمى "الشبيبة الثورية" أو المعروفة كردياً بمسمى "جوانن شور شكر".


حيث دعا ذوي الفتيات، حسب المرصد، بإعادة بناتهم ووقف عمليات تجنيد الأطفال من قبل "الشبيبة الثورية"، وذلك من خلال لافتات رفعوها أمام مقر الأمم المتحدة جاء فيها "التجنيد العسكري يبث الرعب في قلوب الأمهات" و"القاصرات شموع لا تطفوا شموعنا" و"أطفالنا الصغار هم قلم الحياة" و"كيف يحملون السلاح للأطفال؟".


اقرأ أيضاً: كورونا و”حركة النهضة”.. برهان آخر على عدم صلاحية الإخوان للحكم

وقال وقتها محمد شريف، وهو أب يبلغ 35 عاماً، لوكالة "فرانس برس": "أريد عودة ابنتي البالغة 16 عاماً إلى المنزل، إنها مريضة واختفت منذ 6 أيام ولا نعلم مكانها"، متهماً "قوات حماية المرأة"، الفرع النسائي في "وحدات حماية الشعب" ومقرها قرب منزله، بخطف ابنته، فيما قالت بلقيس حسين للوكالة: "ابنتي كانت ترتاد المدرسة، كيف خطفوها ولا نعلم إذا هم خطفوها أو ذهبت اليهم بنفسها"، مضيفةً: وهي الأم البالغة 45 عاماً: "طرقنا كل الأبواب للسؤال عن ابنتنا لكن دون جدوى... نخاف على مستقبل أطفالنا ومكانهم ليس التجنيد وحمل السلاح ولكن مكانهم المدرسة وبين أهاليهم في منازلهم".


فيما قال خالد جبر الرئيس المشترك لمكاتب حماية الطفل بمناطق الإدارة الذاتية، في رده على سؤال لـ"فرانس برس": "لن نقبل أن يتم تجنيد الأطفال بشكل قاطع"، و"حتى الآن تمكننا من إعادة 213 طفلاً ضمن التشكيلات العسكرية إلى عوائلهم، وآخر دفعة خلال شهر 54 قاصراً ضمن قوات سوريا الديمقراطية".



دعوات حقوقية لحل المعضلة


من جهته، دعا المرصد السوري لحقوق الإنسان في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي، مختلف الأطراف إلى الابتعاد عن استغلال الأطفال والزجّ بهم في أي معارك سياسية أو عسكرية مهما كانت غاياتها، مطالباً الإدارة الذاتية بموقف إنساني حاسم، لوقف أي استغلال للقصّر مع الالتزام بكل الاتفاقيات الدولية التي تم توقيعها في هذا الخصوص.


ووقعت قسد في الأول من يوليو عام 2019، اتفاقية مع هيئة الأمم المتحدة لمنع تجنيد الأطفال في صفوفها، لكن المرصد السوري أكده أنه وثق عديد الحالات، وأوصى كمنظمة حقوقية المجتمعَ الدولي والحقوقي بالانتباه والتنديد وإصدار عقوبات صارمة لمحاسبة المتورطين والمجرمين، مؤكداً أن القانون الدولي الإنساني (قوانين الحرب) والقانون الدولي لحقوق الإنسان، تحظر تجنيد واستخدام الأطفال كمقاتلين أو في أدوار معاونة أخرى، كما يحظر البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل، الذي صادقت عليه سورية منذ 2003، تجنيد أو استخدام الأطفال تحت سن 18 عاماً في أية أعمال عدائية مباشرة، أو تجنيد الأطفال تحت سن 15 عاماً، بما في ذلك في الأدوار الداعمة، ويعد ذلك جريمة حرب بحسب تعريف نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية.


اقرأ أيضاً: الصين والانسحاب الأمريكي من أفغانستان.. ترتيب أولويات أكثر من مؤامرة

فيما كان قد قال تقرير حقوقي أصدرته منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، في يونيو 2021، إن غالبية العائلات التي تم تجنيد أطفالها، أشارت إلى أن "الشبيبة الثورية هي المسؤول الأساسي عن عمليات التجنيد"، وقد نشرت المنظمة الحقوقية صوراً لعدد من الأطفال المجندين، وأضافت أن عمليات تجنيد الأطفال من قبل "الشبيبة الثورية" تستند إلى منهجية مدروسة.


حيث يقوم مراهقون من مُنتسبيها بالتقرب من الأطفال (المُستهدفين) في المدرسة أو الشارع، وإنشاء علاقات صداقة معهم، من ثم دعوتهم للمشاركة في محاضرات ودورات تثقيفية وفكرية تُنظمها الحركة في أكاديميات تابعة لها، ونوه التقرير إلى أنه وعلى الرغم من محاولات تسويقها كحركة مستقلّة، إلا أنها تتبع إداريا لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي"، حيث "تتألف من شباب وشابات أغلبهم قاصرون من موالين للحزب، ويتم غالباً قيادتهم من قبل كوادر ينتمون لحزب العمال الكردستاني".


التبريرات والإنكار المكرر


"فرهاد شامي" الناطق باسم "قوات سوريا الديمقراطية"، أنكر تلك الوقائع، وقال في تصريح لموقع قناة الحرة في الثلاثين من نوفمبر: "لا علاقة لقوات سوريا الديمقراطية بهذه المسألة"، مردفاً إن "الشبيبة الثورية منظمة شبابية مدنية، وهي غير تابعة لقسد، منظماتنا معروفة، والانضمام لنا يتم بموجب عقود مكتوبة مع الشخص الذي يود الانضمام، أهم شروطها إتمام المنضم عمر الثامنة عشر"، وفي رده على سؤال بشأن عدم وجود سلطة من جانب "قسد" لإيقاف ممارسات تجنيد الأطفال، خاصة في المناطق التي تخضع لسيطرتها، أجاب شامي بأنهم "قوة عسكرية، مهمتها فقط الحرب والدفاع عن السكان والمنطقة، في مواجهة "داعش" وتركيا"، في إجابة دبلوماسية تحمل في طياتها قدراً من التهرّب من المسؤولية، ورغبة في عدم الإقرار بالواقع المعاش.


اقرأ أيضاً: الليرة التركية.. عندما يدفع الشعب ثمن عدوانية السلطة

فيما برر عضو لجنة العلاقات الدبلوماسية في "حزب الاتحاد الديمقراطي"، دارا مصطفى، بإن القضية المذكورة "تأخذ منحى سياسي أكثر مما هو منحى حقوقي، في ظل إعلان قسد التزامها بالمعايير الدولية بخصوص تجنيد القصّر"، مضيفاً "الحرة"، بأن اتهام "قسد" بعمليات التجنيد "يخالف أهدافها ومهمتها، خاصة أن هذه المؤسسة ملتزمة بالاتفاقات الدولية بهذا الخصوص، وقامت قسد خطوات كبيرة بهذا الخصوص واستبعدت العشرات ممن كانوا بصفوفها أو أرادوا الالتحاق بها خلال الفترة الماضية"، متحدثاً عن "حملات إعلامية اتجاه قسد، مع غض الطرف عن عشرات الأطفال السوريين الذين تم تجنيدهم للقتال كمرتزقة في ليبيا رغم وجود تقارير دولية بهذا الخصوص".


وإن كانت إجابات "شامي" و"مصطفى" هي السائدة في لدن ومفاصل المؤسسات العسكرية والإدارية في شمال سوريا، فإن ذلك سيعني أن مسألة تجنيد القاصرين المستمرة منذ سنوات، لن تجد في الغالب آذاناً صاغية في القريب العاجل، وإنها ستبقى في إطار القضايا المستغلة سياسياً لتسجيل النقاط على الخصوم، بينما يدفع اليافعون شبابهم، وذوهم أكبادهم، ثمناً لها.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!