الوضع المظلم
الأربعاء ٠١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
ترنّح الحقيقة بين المعلوماتية والإعلام
باسل كويفي

سادت حالات الارتباك غير المعتادة في عالم تخّبط بمواجهة أزمات لم يُحسن التوقّي منها. مخاطر عديدة، منها سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية وجرثومية وبكتيرية… تنحصر معظم أسبابها في فرض الإرادات وتقليص الخيارات وخفض مساحة الحوارات، مثلما قد أدى تجاهل جائحة كورونا وآثار الانبعاثات الضارة بالمناخ والبيئة، إلى تغيير معادلات الطبيعة من زيادة حدة الوفيات والفيضانات والأعاصير وانتشار حرائق الغابات وأزمات التصحر والجفاف بضحايا من البشر وخسائر في البنى، لحساب طيف من المنتفعين بالأوضاع القائمة مدداً طويلة دون محاسبة، دعماً لمصالح الإنكار والتجاهل.

الخطر القادم، في تحول الارتباك إلى فوضى مع مشكلات في إدارة الأزمات، لن تكون الأخيرة ويدفع ثمنها البريءُ قبل المذنب.

يرى كثير من الفلاسفة أن هدف الفلسفة الرئيس هو تخليص الإنسان من الخوف، ويرون أن الخوف من الموت هو المصدر الرئيس للخوف وأساسه، تساهم الأزمات عادة بزيادة وتيرة الخوف، ولكن أي خوف؟ الخوف من المستقبل كأساس ومرتكز، وتزداد الخطورة كلما ازداد الخوف، (فمثلاً عند ارتفاع أسعار حوامل الطاقة تزداد مخاوف الناس كونها إحدى السلع الرئيسة في الحياة المعاصرة) دون إيجاد البدائل أو ابتكار الحلول الناجعة التي من شأنها الحد بتوجه البشر الغريزي بالانتماء إلى الحلقة الأضيق في مجتمعه بما يهدد البنى المجتمعية ويزيد من مخاطر انقساماتها.

وسط هذه الأزمات يناضل الفلاسفة، وعلماء الاقتصاد، ورجال الدين، وخبراء الإعلام، لتخليص الناس من خوفهم أو تقليل منسوب الخوف لديهم في الأزمات، حيث يشكل تدهور الاقتصاد وسبل العيش والتفاوت المجتمعي أصل الكارثة وعمودها الفقري.

دون أي تهويل تتعرّض معظم بلدان العالم إلى مخاطر أمنية وعسكرية واجتماعية وإنسانية، وقد تشكل أخطر حالة اقتصادية في التاريخ المعاصر، حيث تزداد ظواهر الخسائر وإفلاس الشركات والقروض المتعثرة وزيادة التضخم والبطالة وتكاليف الديون الخارجية وسندات الدين العام المحلي، مما يستدعي حكومات إنقاذ اقتصادي – اجتماعي، قبل موجات الانفجار الشعبوية.

إنّ تحميل مسؤولية الحرب في أوكرانيا للرئيس بوتين ومستشاريه يتجاهل تطلعات روسيا التاريخية كأمة استثنائية وقوة كبرى، وباعتقادي إنه من الضرورة على أمريكا والغرب تعديل مسار تعاملها مع روسيا وفق هذه النظرة لوقف الحرب، فكلما ازدادت التفسيرات بين الغزو والتدخل تزداد الخلافات والعقوبات، في الوقت الذي لن تقبل فيه روسيا سوى النصر في أوكرانيا (بعيداً عن المعايير الحقوقية والإنسانية)، وهنا مكمن الخطر في صراع الأمم والقوى العظمى.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد صرّح، في الشهر الماضي، محذراً أوروبا بقطع إمدادات الغاز الروسي "للبلدان غير الصديقة" إذا لم تدفع بالعملة الروسية (الروبل) رداً على العقوبات المفروضة، بسبب ما تصفها روسيا بأنها «عملية عسكرية خاصة» في أوكرانيا، من ناحية أخرى، أجرت الصين الأسبوع الماضي تدريبات عسكرية حول تايوان رداً على زيارة وفد أمريكي للدلالة على "الإشارات الخاطئة" التي ترسلها الولايات المتحدة.

وحذر السيناتور الأميركي، ليندسي غراهام، الصين من أنها ستدفع ثمن دعمها لروسيا في خضم الحرب مع أوكرانيا، مؤكداً وقوفهم «بجانب تايوان» التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها، وأضاف أن «التخلي عن تايوان سيعني التخلي عن الديمقراطية والحرية».

في إشارة جديدة من الرئيس الأمريكي خلال اجتماعه مع رئيس وزراء أوكرانيا في واشنطن تحدث قائلاً: "إن وحدتنا في الداخل ووحدتنا مع حلفائنا وشركائنا ووحدتنا مع الشعب الأوكراني توجه رسالة لا لبس فيها إلى بوتين، مفادها أنه لن ينجح يوماً في السيطرة على أوكرانيا واحتلالها. لن يحصل ذلك، لن يحصل ذلك "، وأضاف "سنواصل أيضاً تصعيد الضغط على بوتين وعزل روسيا بشكل أكبر على الساحة الدولية، ولا نعرف إلى متى ستستمر هذه الحرب، ولكن ما نعرفه بينما نقترب من الشهرين على بدايتها، فشل بوتين في تحقيق طموحاته الكبرى في ساحة المعركة. وما تزال كييف صامدة بعد أسابيع من قصفها، وما يزال الرئيس زيلينسكي وحكومته المنتخبة ديمقراطياً في السلطة، وقد تمكنا من توحيد العالم بأسره في هذا الجهد".

حرب التكنولوجيا والمعلوماتية المتقدمة وتسييس الإعلام لخدمة الإرادات والتقنية العالية في تحديد الأهداف والتشويش وتبديل الإحداثيات وضبابيتها ومدى قدرة استخدام منظومة GPS وتغطيتها، حيث تمتلك أمريكا هذه المنظومة بغطاء تام على أرجاء المعمورة، بينما ما هو معروف (لا نعلم حقيقية الأمر) أن الدول الأخرى لديها منظومات لا تغطي سوى ما لا يزيد عن ثلث المساحة المحلية والإقليمية، ولهذه التكنولوجيا والتقنية انعكاساتها مباشرة على القدرات العسكرية والأمنية في حال إيقاف هذه المنظومة من أمريكا وما يتبعه من كوارث في الجو والبحر والأرض بسبب اعتماد هذه المنظومة بشكل كلي في الطيران والأساطيل.

في المقابل، تستطيع روسيا أن تحرم العالم كله من الإنترنت عبر استهداف الكوابل البحرية الدولية. الحذر أن المساحات والفضاء مفتوح للفعل ورد الفعل من قبل الدول الكبرى في سباق اعتلاء الوصول إلى عرش حكم العالم أو التأثير فيه.

لم تنجح منظومة الحكم السياسية التي عبث فيها الاحتلال الأمريكي في العراق، في الاتفاق على عقد سياسي جديد. قال ذلك صراحة الرئيس العراقي، برهم صالح، في الذكرى التاسعة عشرة المشؤومة لسقوط بغداد (سقوط العرب) محذراً من استمرار الأزمة السياسية وأن الحاجة مُلحة لتلبية مطلب العراقيين بحكم رشيد، ومعالجة الخلل البنيوي في منظومة الحكم، وجدد صالح الدعوة إلى "عقد سياسي واجتماعي ضامن للسلم الأهلي، يقوم على مراجعة موضوعية لأخطاء الماضي".

في اليمن، وبعد تقدم ملموس في اجتماعات الرياض بين المكونات الوطنية اليمنية تم تشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني برئاسة الدكتور رشاد العليمي، وفي تحرّك سريع بحث مع الحكومة ومحافظي المحافظات أولويات المرحلة الراهنة وبدء مسار جديد ونوعي لاستكمال استعادة الدولة وتجاوز التحديات الاقتصادية وتخفيف معاناة المواطنين وتحسين مستوى معيشتهم، ومتطلبات ضبط الأمن والاستقرار وتفعيل عمل مؤسسات الدولة بكفاءة.

القدس أُخت مكة والمدينة وبيت لحم ودمشق وبيروت والقاهرة... لا يمكن التنازل عنها أبداً، فكلما وسّعت حكومات الاحتلال الإسرائيلي من دائرة علاقاتها الاستراتيجية، دفع الفلسطينيون والأقصى الشريف الثمن.

في لبنان، لا يوجد دولة مفلسة وإنما سياسات فاسدة لا تمتلك الإرادة بالنهوض بالواقع الاقتصادي والمالي، وهذا يتطلب قراراً سياسياً متوافقاً عليه يهيئ المناخ المناسب للاستقرار والسلم الاجتماعي ويعزز الأمن والسلام.

بين التمدد والتوعد، ونظراً لأهمية الانتخابات المقبلة فيها، اختارت تركيا التودد لاعتبارات عديدة، منها دورها الجيوسياسي الهام في الإقليم الملتهب والحرب في أوكرانيا والتوتر في دول البلقان وارتداؤها قبعة حلف الناتو وتحالف المصالح مع روسيا، بما يتناسب طردياً في محاولة قيادتها إعادة تصفير المشاكل مع الجوار بدءاً من إعادة العلاقات الطبيعية مع الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل وتقليص دور الإخوان المسلمين فيها وإغلاق مكاتب ومنصّات إعلامية مناهضة وتخفيض تدخلاتها الخارجية في شؤون الدول، مما يوحي باقتراب عودة تدريجية لعلاقات مرنة مع سوريا قد تفضي إلى انسحاب القوات التركية من شمال غرب سوريا، وتفعيل اتفاقية أضنة، مع تعديلات متوافق عليها حيث تشكل الحدود السورية - التركية الأكبر للطرفين، في تطورات قد تكون متسارعة في شرق الفرات على نحو أكبر.

إن دولة المواطنة المدنية تسعى لإرساء علاقات سليمة مع دول الجوار تستند إلى مبادئ الاحترام المتبادل والمنافع المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

يأتي في مقدمة المهام المنوطة بالسلطة السياسية المنتخبة ديمقراطياً حل جميع القضايا الخلافية العالقة مع دول الجوار بالطرق السلمية وفقاً لقواعد الشرعية الأممية. نؤكد أن الحل يكون بتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي دون مواربة أو تدليس، وهي القرارات 242 – 338، وهنا يتوجب علينا تبني مفهوم إعادة البناء والتنمية والازدهار في دول المنطقة تعزز قيم الحرية والعدل والديمقراطية، وبناء الإنسان على ثقافة المحبة والسلام بدلاً من ثقافة الكراهية والتطرف والتمييز.

ولذلك، فإنّ سعي الغرب إلى هزيمة روسيا في أوكرانيا سيكون بمثابة مبالغة كارثية أخرى. والحل الوحيد هو ضرورة العودة إلى صيغة للتعايش والتعاون بين الغرب وروسيا تحترم خصوصية كل منهما وتنعكس بإيجابيها على استقرار المنطقة والأمن والسلام العالمي.

يُعد وقت الأزمات ومرحلة إعادة البناء والتعافي المبكر أفضل وقت نمارس فيه قيم "التميز التشغيلي"، وهذا يتطلب فرقاً بكفاءة عالية وقدرات مميزة، ومن أجل استدامة التطور، علينا البحث دائماً عن التجارب الناجحة وثقافة الأداء العالي والتشارك المعلوماتي.

إن التميز التشغيلي فلسفة وثقافة نتائجها أسهل وأسرع وأقل تكلفة، في العديد من القطاعات الحيوية ومنهجيات الاستخدام الأمثل للمعارف المتراكمة، وسبل تعزيز الاستدامة المالية في القطاعات الخدمية والصناعية والإنتاجية لضمان فعالية الأداء.

حين يفارق الكاتب المفكر الحياة، يذهب جسده، وتبقى أفكاره في كتاباته، وهي وحدها القادرة على الدفاع عنه. فالرحيل ينهي ما للكاتب من أثر عابر، سواء كان دعاية فيه، أو منافسة له، أو حقداً عليه، أو تآمراً ضده، من بني مساره أو جلدته أو ذوي سلطة سياسية لا يرائيها أو يعارضها، ‏وحده النص، الذي يبقى، في وجه العابرين ظلماً.

حياتنا مليئةُ بالتناقضات.. فنرى جاهلاً في رغد من العيش، ونرى عالماً تعوزه مباهج الحياة.

وختاماً يقول الشاعر الكبير أبو تمام:

ينال الفتى من عيشه وهو جاهل  ويكدى الفتى في دهره وهو عالمُ

ليفانت - باسل كويفي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!