-
ماذا قد يفعل "بريكست" بصناعة السيارات في بريطانيا؟
قال محللون غربيون إن صناعة السيارات البريطانية تواجه أوضاعا سيئة، بفعل مأزق الخروج الأوروبي وتراجع الطلب العالمي، معتبرين أن الحل الأمثل لإنقاذ الصناعة المتعثرة يكمن في مزيد من الإعفاءات الضريبية، وإلا فإن صادرات البلاد من السيارات ستخفض بمقدار النصف أو أكثر خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
تاريخيا، لم تعارض صناعة بريطانية الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست" مثلما عارضه قطاع السيارات، وربما تكون تلك من اللحظات النادرة في التاريخ، التي يتفق فيها رؤساء مجالس الإدارات مع قادة النقابات العمالية بأن الخروج الأوروبي سينعكس سلبا وبصورة سيئة على صناعة السيارات تصديرا واستثمارا وتوظيفا للعمالة.
الآن وبعد أن باتت مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي واقعا لا فرار منه، يضغط قادة صناعة السيارات بشدة على الحكومة البريطانية ليترافق الخروج مع توقيع اتفاق تجاري بين لندن وبروكسل، وإلا فإن النتيجة ستكون كارثية على العاملين في قطاع السيارات البريطاني.
ولكن قبل المضي قدما لمعرفة تداعيات "بريكست" على صناعة السيارات البريطانية، لا بد من معرفة الأهمية، التي تحتلها تلك الصناعة في الاقتصاد البريطاني ومدى مساهماتها بالأرقام في الاقتصاد الكلي.
ويقول توفام جيمن الباحث في اتحاد صناعات السيارات البريطانية، إن "صناعة السيارات تعد جزءا حيويا من اقتصاد المملكة المتحدة، إذ تبلغ قيمة مبيعاتها السنوية أكثر من 82 مليار جنيه استرليني وتضيف 18.6 مليار جنيه استرليني للاقتصاد البريطاني، وتقوم بتوظيف 168 ألف شخص يعملون مباشرة في تصنيع السيارات وأكثر من 823 ألف شخص في صناعات أخرى تصب في مصلحة صناعة السيارات، وتمثل السيارات 14.4 في المائة من إجمالي صادرات السلع في المملكة المتحدة، بقيمة 44 مليار جنيه استرليني، وتستثمر الصناعة نحو 2.7 مليار جنيه استرليني كل عام في مجال البحث والتطوير".
وأضاف جيمن أن أكثر من 30 مصنعا يقوم بتصنيع ما يزيد على 70 طرازا من المركبات في المملكة المتحدة يدعمها 2500 مزود بالمكونات التي تعتمد عليها الصناعة، والعام الماضي تم إنتاج 1.3 مليون سيارة و78270 مركبة تجارية و2.5 مليون محرك في المملكة المتحدة، إذ تقوم بريطانيا بتصدير ثماني سيارات من أصل عشر سيارات تقوم بتصنيعها إلى 160 سوقا مختلفا حول العالم.
وبطبيعة الحال، فإن تضرر صناعة بهذا الثقل أو تلاشيها، كما يعتقد بعضهم نتيجة الخروج من الاتحاد الأوروبي يعد بمنزلة كارثة اقتصادية قومية، وهو ما يجعل مستقبل صناعة السيارات البريطانية بعد "بريكست" مثار حديث وطني يثير كثيرا من اللغط والجدل حول المستقبل.
لا تبدو المؤشرات المتعلقة بمستقبل صناعة السيارات البريطانية مبشرة حتى الآن، فقد تراجعت الصناعة إلى أدنى مستوى لها منذ 2010، وواجهت الشركات البريطانية انخفاضا في الصادرات للأسواق الرئيسة، ما أسفر عن إغلاق المصانع.
وعلى الرغم من أن بريطانيا أنتجت 1.3 مليون سيارة عام 2019، إلا أن ذلك يعد انخفاضا 14 في المائة، عما أنتج عام 2018، ويعد هذا هو الانخفاض السنوي الثالث على التوالي منذ 2016، وهو العام الذي أجري فيه استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ويعتقد ماك هنز نائب رئيس قسم متابعة الصادرات في هيئة تصدير وتجارة السيارات في المملكة المتحدة أن تراجع الإنتاج وانخفاض الصادرات أمر لا يبشر بالخير لمستقبل الصناعة، لكنه يرى أن الخطر يكمن في مكان آخر.
ويضيف أنه "على الرغم من الانخفاض الكلي في الإنتاج، ارتفعت حصة السيارات البريطانية الصنع المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي إلى 54.8 في المائة من إجمالي الإنتاج في المملكة المتحدة، وهذا يدل على أن التوصل إلى صفقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي هو الأولوية الراهنة لهذه الصناعة، أما التوصل إلى صفقة تجارية مع الولايات المتحدة فإنه أمر لا يعد بأهمية التوصل إلى اتفاق مع الأوروبيين".
ويشير هنز إلى أن الأكثر إثارة للقلق تجاه مستقبل تلك الصناعة بعد "بريكست" هو انخفاض الاستثمارات الموجهة للبحث والتطوير في صناعة السيارات البريطانية.
وبالفعل، فإن الأرقام الرسمية تظهر تراجعا في استثمارات قطاع السيارات البريطاني نتيجة المخاوف، التي ارتبطت بالخروج الأوروبي، وعدم معرفة أقطاب الصناعة بما إذا كان الخروج سيتم عبر صفقة تجارية مع الأوروبيين أم أنه سيكون طلاقا عنيفا دون توقيع أي اتفاقيات تجارية بين الطرفين،
فقبل "بريكست" كانت صناعة السيارات البريطانية تستثمر بين 2.5 – و2.7 مليار جنيه استرليني سنويا في البحث والتطوير، بينما لم تتجاوز استثمارات العام الماضي 1.1 مليار جنيه استرليني، ومعظم تلك الاستثمارات من شركة واحدة فقط وهي شركة جاكوار لاند روفر أكبر شركة لصناعة السيارات في بريطانيا.
لا تتوقف الأصوات المتشائمة بشأن مستقبل صناعة السيارات البريطانية عند مؤشرات الاستثمار فحسب، إذ يحذر بعض الخبراء من ارتفاع التكلفة الإنتاجية بشكل سينعكس سلبا على الصناعة ككل، وقد يخرجها من المنافسة مع نظرائها الأوروبيين.
الدكتور هاوورث فوستر أستاذ الاقتصاد البريطاني في جامعة شيفيلد يعد أن عدم توقيع صفقة مع الأوروبيين بمنزلة تدمير ذاتي لصناعة السيارات البريطانية.
ويفسر ذلك قائلا: "سترتفع تكاليف الإنتاج بما يراوح بين 35 إلى 40 مليار جنيه استرليني بحلول 2024، والرسوم الجمركية، التي سيفرضها الاتحاد الأوروبي على بريطانيا يمكن أن تضيف 3.2 مليار استرليني سنويا إلى تكاليف الإنتاج في المملكة المتحدة، أي ما يزيد على ميزانية البحث والتطوير".
ويضيف فوستر أن "هذا الوضع إضافة إلى تراجع الطلب سيدفع عديدا من شركات السيارات البريطانية للإنتاج في أماكن أخرى، وسيؤدي ذلك لمزيد من هبوط الإنتاج إلى مليون سيارة تقريبا، مقابل 1.7 مليون سيارة قبل استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي 2016، حيث كانت التوقعات تشير إلى إنتاج أكثر من مليوني سيارة بحلول 2020".
وبالتالي يصبح السؤال عن ماهية الحلول المتاحة لإنقاذ قطاع صناعة السيارات البريطانية، ما يحيق به من مستقبل سيئ نتيجة الخروج من الاتحاد الأوروبي؟
يعتقد آرثر سميث الخبير الاستثماري أن الحل الأمثل لإنقاذ صناعة السيارات المتعثرة يكمن في مزيد من الإعفاءات الضريبية، وإلا فإن صادرات بريطانيا من السيارات ستخفض بمقدار النصف أو أكثر خلال الأعوام الخمسة المقبلة نتيجة الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.
ويضيف: أن "بريطانيا لن تستطيع المنافسة في صناعة السيارات بعد الخروج الأوروبي، إذا ظلت الضرائب المفروضة على القطاع كما هي الآن، لأنه سيكون في أمس الحاجة إلى برنامج خاص من الإعفاءات الضريبية، ليكون قادرا على المنافسة في الأسواق الأوروبية، فأي زيادة في الصادرات للأسواق غير الأوروبية لا يمكن لها تعويض تراجع الطلب في أسواق الاتحاد الأوروبي".
ويستدرك سميث: "الإعفاءات الضريبية ستكون القاطرة، التي تجذب الصناعة للأمام، والأهم أنها ستمثل وسيلة فعالة لجذب مزيد من الاستثمارات، سواء المحلية أو الأجنبية لتطوير صناعة السيارات".
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!