الوضع المظلم
السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
مناضلون على الصفحة الزرقاء
ماهين شيخاني

حقيقةً استوقفني كثيراً كلمة " المناضل "على صفحات الفيسبوك , حيث أصبح كل من هب ودب يدعي البطولة والنضال ويلقب نفسه أو من يميل له ب"المناضل" دون الآخرون من رفاق دربه وربما من المؤسسون السابقون قبله و كذلك الأحزاب الانشطارية التي تناسلت خلال التكتلات والمؤتمرات الاستثنائية الانشقاقية ، وباتت تسمي حتى صيصانها "منتسبيها " الجدد حديثي الولادة بالمناضلين، حيث بات كلمة "المناضل" تعني كل منتمٍ أو منتسب  لحزب مــا، فبات المقياس في النضال للجميع متساوياً " المعارض للسلطة و الموالي المستفيد"، والمكافح القديم ومن لا تاريخ ولا مرجعية له، زمن العهر السياسي الرخيص.. كثر المناضلون وعزّ النضال والعطــاء ..

ولذلـك ولأسباب كثيرة، نود وضع النقط على الحروف، ونحاول البحث والتوضيح قدر الإمكان لنؤطر كلمة " المناضل" في موضعها الصحيح، كيلا تختلط المفاهيم، ولا تلتبس الأدوار، شهادة للتاريخ والوطن، واستحضاراً لروح شهداء النضال الحقيقي وشهداء الوطن .. فمن المؤسف حقاً أن كثيراً من الناس في زماننا يرددون "المناضل " .

وأصبحنا نرى كلمة "المناضل" في غير المعنى الجليل والمقدس له، فكلَّ مَنْ خرج إلى الشارع حاملاً لافتة وطالباً شيئا يَصِفُ نفسَه ويصفه أنصارُه بالمناضل، وكلّ من نظم مسيرة ورفع الصوت بالشعارات يوصف بالمناضل، مع أنه قد لا يكون له من النضال سوى الادعاء وانتحال الصفة .

فالنضال هو تعبير صادق قولاً وعملاً عن يقظة الحس والفكر كما أنه تعبير عن امتلاك مواقف واضحة وشجاعة ،بما هي مؤشر عن حياة الفرد الشخصية ثم الجماعية واستقلاليتها .

هي مدرسة يتعلم فيها المناضل مبادئ الحوار والإنصات والتشبع بالمبادئ التي تخدم الصالح العام .مدرسة يتعلم فيها التفاعل مع التطورات ومستجدات المحيط بحس نقدي وخلفية تغييرية يستند الى مرجعية فكرية ومسلكية وسياسية وأخلاقية

كما أن النضال وظيفة ذاتية تلقائية لا تحتاج إلى مناسبة فهو سلوك يومي دائم متواصل لا يتأثر أصله بتغيير المواقع التي تبوأها المناضل ولا ينتقص مع الترقي في أدراجها بل على العكس يصبح أكثر طلبا كلما احتل المناضل موقعا يمكنه من المساهمة في التأثير على القرار .

فالسلطة الحاكمة دائماً يترصد غنيمة, وتبحث من يقبل التنازلات والصمت بتعويضه رشاوى ومن يرضى " لقاء نضاله هو ليس مناضلا بل مرتزقا...''، وهو كلام دقيق وصائب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عند من يتحرون النضال الصادق النبيل...

فبعض الأشخاص يتشدقون بالنضال ويصرحون بأنهم يبذلون طاقتهم من أجل تحقيق العيش الكريم للمواطنين والذود عن المسحوقين وعن المغلوب على أمرهم ويعرضون أنفسهم للمسائلة والخطر. هذا البعض، ومن فرط نعته لنفسه بالمناضل، ومن فرط تضخم أناه بهذا الوصف، يخيل إليه أنه صار تمثالاً يجسد الكفاح المستميت أو إلهً  من آلهة الإغريق المعبودة أو صنماً من أصنام الجاهلية المتقرب إليها بالتزلف والتملق و التقديس والتوقير!

المناضل ليس هو المعارض للنظام والداعي إلى إسقاطه، ولا ذاك الذي يملأ الدنيا صخبا هنا وهناك، تارة مستنكرا وأخرى منددا، ومرات أخرى متظاهراً وشاجباً ..نعم كل ذلك يدخل في باب النضال ولكن.. ما ذا بعد الشجب والتنديد والتظاهر و و..؟؟.

المناضل هو إنسان أولاً قبل أن يكون شيئا آخر.. كائن يعلي من قيمة الإنسانية إلى درجة التقديس الذي تستحقه . المناضل هو الذي يوقف حياته على قضية الحرية بمعناها المجرد: حرية العقل والضمير واليد، حرية المعتقد والإيمان والممارسة..

المناضل لا ينفصل عن مجتمعه، ولا ينزوي بين معتقداته وأفكاره بحيث يجعل منها سياجاً يطوقه.. ولا يستعلي على الناس بممارساته، ولا يعتقد أن العناية الإلهية قد اختارته فقط لقيادة الأمة وزعامتها.. المناضل هو الذي يؤمن بأنه جزء لا يتجزأ من المجتمع، بل هو ضمير المجتمع، الممثل لقيمه العليـا في أبهى صورهـا.. هو القدوة في الممارسة و السلوك، الموضح الشارح لقيم الحرية والعدالة و المساواة، هو الملهم للآخرين، وهو الذي يؤمن أن شعبه يستحق الأفضل والأحسن إن المناضل الحقيقي هو إنسان مثالي لا يتحدث عن نشاطه وأعماله مهما كانت قيمتها، لا يتحدث عن أعماله وكفاحه لأنه لا تدفعه دوافع الشهرة أو دواعي الحصول على المادة .

ليس المناضل كهؤلاء المختبئين ضمن طقومهم المستوردة والباهظة وربطات أعناقهم من النوع الممتاز، أصحاب النفوس التواقة إلى الحلول السهلة المائعة التي لا لون لها، اللاهثين وراء المظاهر الخداعة، والإثراء المذموم.هؤلاء هم السياسيون، ـ ليس كل السياسيين طبعاـ الذين يملؤون الدنيا ضجيجاً، ويظل إناء أفعالهم فارغـاً، الذين لا تعنيهم مصلحة الشعب والوطن إلا بقدر ما تقربهم من السلطة، أو تحفظ لهم زعامتهم ومكانتهم في حياتهم، وتضمن توريثها لأبنائهم بعد مماتهم.. تقصر عزائمهم عند ملاحقة تطلعات شعوبهم، فيظهر تقزمهم في المواقف، وتبدو ضحالتهم حين الجد وفرارهم بعوائلهم إلى الخارج .

زعماؤنا وقادتنا كثر , فكل عشيرة أصبحت حزباً ، ولكن ليس من بينهم مناضل.. هم "سياسيون" فحسب ان لم نقل رؤساء عشائر، يشتغلون بالسياسة كما يشتغل عشاق الكرة بفرقهم، لا تكاد تجد لهم موقفا تؤطرهم فيه، أو تصنيفا تصنفهم من خلاله، تعددت الزعامات وعز الفعل، وتعددت المواقف وعز الحزم والحسم .. نحين نحتاج إلى أبطال يلهموننا لنتعرف قيمة الحيـاة، ومن ثم تعرف القيمة الحقيقية لكوننا بشــر، يعيدون إحساسنا وانتمائنا إلى الأرض والوطن، نحتاج إلى ملهمين بقيمة مانديلا أو المهاتما غاندي أو جيفارا أو البارزاني أو شاعر اسبانيا لوركا أو شاعر مبدعاً وثائراً  ملهما مثل بابلو نيرودا

هذا لا يعني أنه ليس لنا أبطال، بل هم كثر وفي كل العصور، غير أن ما ينقصهم هو الشجاعة الكافية لتقدم الصفوف، واقتناص قبس الشرارة من الشعب، ووضعها في المشعل ورفعه فوق الهامات، منارا يضيء درب الساعين إلى الحقيقة والخلاص.. شباب كثر منتشرين في ساحات الجامعات والمستشفيات، يقومون بأعمال عظيمة، ويقدمون تضحيات جسيمة، يحملون الوعي وينشرون المعرفة، ويأخذون بأيدي المرضى و العجزة والأيتام، لكنهم عاجزون عن التقدم لقيادة الوطن, بعضهم مكبل بأحزاب القادة و الزعماء، وبعضهم مقيد بالعادات والتقاليد.

نحتاج في هذا الوقت والحين إلى مناضلين الحقيقيين الذين كالبيشمركة مسعود البارزاني رمز قومي ووطني لشعب كوردستان وللأحرار وشخصيته أسمى من أن تختزل في منصب حكومي وسيبقى دوماً مناضلاً وبيشمركة مخلصاً مدافعاً عن شعبه وأرضه إذ أفنى سنوات عمره وحياته في سبيلهم ومن اجل تحقيق مطالبهم المشروعة .

نحتاج إلى المخلصين من أبناء شعبنا الذين أضحوا نزلاء دائمون في سجون ومعتقلات الظلام، أو المبعدون قسراً في ديارهم أو المنزوون عن شعوبهم، متقوقعين داخل أفكارهم، لا يجدون مساحة للتعبير عن ذواتهم ولا عن الآخرين، هم ضحايا ظلم السياسة وفساد الساســة وانحطاط القيم  ضحايا زمن العهر والرداءة والخبث.

ليفانت: ماهين شيخاني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!