-
هل يمكن للكُرد في شمال سوريا التعويل على فرنسا في مُواجهة تركيا؟
يلتقي اليوم الخميس، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ في قصر الإليزيه بباريس، في محاولة لتسوية "الخلافات" بعد الضجّة التي أثارها كلام الرئيس الفرنسي عن "موت دماغي" للناتو الذي يجتمع الأسبوع المقبل في لندن.
وأشارت الرئاسة الفرنسية إنّ ماكرون سيستقبل المسؤول النروجيّ "للتحضير لقمّة الناتو وضمان نجاحها". ويُدلي الرجلان إثر اجتماعهما الذي يُتوقّع أن يستمرّ لنحو ساعة، بتصريحات للصحافة يُرتقب أن تكون محلّ متابعة دقيقة بعد أن أثارت التصريحات السابقة لماكرون القلق لدى الدول الأعضاء في الحلف.
وأثار ماكرون ضجة عندما قال في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أنّ الحلف الأطلسي في حالة "موت دماغي"، في مقابلة نشرتها مجلة "ذي إيكونوميست"، منتقدًا قلّة التنسيق بين الولايات المتحدة وأوروبا والسلوك الأحادي الذي اعتمدته تركيا، الحليفة الأطلسية، في سوريا.
وعلّق صباح اليوم الخميس، ماكرون على العمليّة العسكريّة التركيّة في شمال سوريا بأنه "ليس هناك أيّ تنسيق لقرار الولايات المتحدة الاستراتيجي مع شركائها في الحلف الأطلسي، ونشهد عدواناً من شريك آخر في الحلف، تركيا، في منطقةٍ مصالحنا فيها على المحكّ، من دون تنسيق".
وردّ وزير الخارجية التركي مولود تاشووش أوغلو على تعليقات ماكرون وقال "ما يقوله الرئيس (الفرنسي) غير مهم لأنه يدعم الإرهاب"، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز للأنباء، نقلاً عن " سي. إن. إن تورك".
التاسع من أكتوبر..
منذ بدء الهجوم التركي في التاسع من اكتوبر الماضي، دعت كل من فرنسا وبريطانيا إلى جلسة في مجلس الأمن لبحث الهجوم على شمال شرق سوريا، ورغم ما حملته من آمال للكرد السوريين حينها، لكن الجلسات لم تعقد مرة واحدة بل ربما اثنتين، دون نتيجة تذكر، إذ واصلت تركيا توغلها، إلى أن تمكنت من الاستحواذ على كامل المنطقة التي كانت تتحدث عنها بمسمى المنطقة الآمنة بطول 120 كم وعمق 32 كم، حتى أن رسم ذلك الحد، لا يبدو أنه كان لأوروبا رأيٌ فيه.
إذ أعلن مكتب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن الرئيس الفرنسي اجتمع في الثامن من أكتوبر مع المتحدثة باسم قوات سوريا الديمقراطية، مشيراً إلى قلق فرنسا من عملية عسكرية تركية مرتقبة شمال شرقي سوريا، وقال المكتب إن باريس أرادت من اللقاء الذي جمع ماكرون مع المتحدثة باسم قوات سوريا الديموقراطية، جيهان أحمد، أن تُظهر تضامن فرنسا مع “قسد” في قتالها ضد تنظيم “داعش” في المنطقة، وأن الاجتماع كان أيضاً فرصة للتأكيد مجدداً على أن فرنسا لا تزال “قلقة للغاية” من احتمال القيام بعملية عسكرية تركية في سوريا.
قلقٌ لم يعره الأتراك أي إهتمام، كما لم يُفد الكرد السوريين وشركائهم في قوات سوريا الديمقراطية في التصدي للهجمات التركية، التي استخدمت فيها أسلحة متطورة كدبابات ليوبارد الألمانية، بغض النظر عما كان يقودها، باعتباره لا يزال موضوعاً يؤخذ ويرد فيه، لكن المؤكد أن الاسلحة التي استخدمتها المليشيات السورية المسماة بـ غصن الزيتون لم تكن بمستوى العربات الخفيفة التي تصدت من خلالها قسد للهجوم، وهو ما يفتح الباب مشرعاً للسؤال حول الأسلحة التي كانت تتقاطر يوماً إلى مناطق شمال سوريا، ولماذا لم يتم استخدمها، حتى تسآل كثيرون عن غياب مصفحات صغيرة كعربات الهمر.
حظر طيران..
ومع بدء الهجوم التركي، ناشدت قوات سوريا الديمقراطية، الولايات المتحدة وحلفاءها إقامة “منطقة حظر طيران” لحمايتها من الغارات التركية، وذكرت إنها أظهرت حسن النية تجاه اتفاق آلية الأمن بين الولايات المتحدة وتركيا، لكنها دعوة لم تلقى استجابة، وذهبت أدراج الريح كالدعوة التي وجهها الرئيس الفرنسي إلى تركيا لإنهاء هجومها في أسرع وقت، محذراً إياها من خطر مساعدة تنظيم داعش الإرهابي في عودته، حيث قال "ماكرون" في العاشر من أكتوبر: "أدين بشدة الهجوم العسكري الأحادي الجانب في سوريا، وأدعو تركيا إلى إنهائه"، وهو ما يبدو أنها قد طلبته من السفير التركي في باريس، عندما إستدعت وزارة الخارجية، إثر العملية العسكرية التركية التي بدأت في شمال سوريا.
عقوبات اقتصادية..
كما لم يجدي نفعاً مع تركيا تلويح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات عليها، عندما قالت وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الأوروبية إميلي دو مونشالين إن مسألة فرض عقوبات أوروبية على تركيا إثر عدوانها على شمال سوريا "ستبحث في القمة الأوروبية"، ولا حتى عندما لوحت بقطع المساعدات المالية الأوروبية المقدمة لها من أجل اللاجئين، إذا قامت بتسكينهم في "منطقة آمنة" أو انتهكت المعايير الدولية في هذا الخصوص، قائلة أن "المساعدات المالية تقدم من أوروبا لتركيا في إطار اتفاقية اللجوء من أجل الإبقاء على اللاجئين داخل الحدود التركية".
وتابعت: "وبالتالي فإنه في حالة نقلهم أو تسكينهم لمنطقة آمنة تسعى أنقرة لتأسيسها في الشمال السوري بشكل أحادي الجانب، لن يكون هناك أي مبرر لتقديم تلك المساعدات ثانية"، وأشارت إلى أن "العدوان التركي على سوريا سيعزز من فرص وقوع ضحايا من المدنيين، وسيعقد الأمور أكثر مما سبق، لذلك لا بد من حل الأمر سياسياً وليس عسكرياً"، وتابعت: "إذا كانت تركيا تريد أن تكون عضواً بالاتحاد الأوروبي فعليها ألا تبتعد عن السياسة الخارجية التي ينتهجها ذلك الكيان". وأوضحت أن "قادة ورؤساء حكومات الدول الأوروبية سيتناولون الموضوع نفسه في قمتهم المرتقبة يومي 17-18 أكتوبر/تشرين الأول في بروكسل".
الثقل الفرنسي لدى واشنطن..
وفي الحادي عشر من اكتوبر، أعلنت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس إيمانويل ماكرون طلب في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي دونالد ترامب وقف الهجوم التركي في سوريا "في أسرع وقت"، وقال قصر الإليزيه إن ماكرون "أكد ضرورة منع عودة ظهور داعش في المنطقة قبل كل شيء، ودعم الذين قاتلوا على الأرض إلى جانبنا ضد الإرهابيين وحماية السكان المدنيين"، وتابع أن رئيس الدولة الفرنسي "ذكر بضرورة وقف الهجوم التركي في أسرع وقت"، مؤكداً أن "فرنسا والولايات المتحدة اللتين تتقاسمان قلقاً مشتركاً، ستبقيان على تنسيق وثيق في الأيام المقبلة".
لكن عبارات التنسيق والترابط بين باريس وواشنطن، كنت تخفي فيما يبدو خلافاً واسعاً يصعب ردمه بين الجانبين، مع إصرار الجانب الأمريكي منح أنقرة المنطقة التي تريدها شمال سوريا، ولو كان ذلك على حساب استقرار تلك المنطقة، وحتى مصالح الدول الغربية فيها، فالانسحاب الأمريكي لم يعني فقط تقويض محاربة داعش، وإنما زعزعة حقيقة للمصالح الأوروبية تحديداً في شمال سوريا، وفق ما قيمه متابعون.
ليدفع العجر الفرنسي أمام السطوة الأمريكية والهجوم التركي إلى قرار بتجميد الحكومة الفرنسية، كل صادرات السلاح إلى تركيا، باعتباره أقل ما يمكن للتعبير عن تضامنها مع حلفائها المفترضين، الذين كانت الصواريخ والطائرات تدكهم وتدمر ما بنوه على مدار ثمان سنوات من عمر الصراع في سوريا.
ورقة الدواعش..
وعقب إعلان الإدارة الذاتية في شمال سوريا في الثالث عشر من أكتوبر، فرار نحو 800 شخص من أفراد عائلات تنظيم داعش من مخيّم عين عيسى للنازحين شمال سوريا، إثر سقوط قذائف قربه مع استمرار هجوم القوات التركية، أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية أن بلادها "قلقة" لفرار 800 شخص من أفراد عائلات عناصر داعش"، داعية أنقرة مرة جديدة إلى "إنهاء تدخلها العسكري" في سوريا "بأسرع ما يمكن"، وهي سرعة يبدو أن هناك أختلافٌ على تفسيرها، وتفتح أبواب مشرعةً للسؤال حول مصداقية الرفض الفرنسي للهجوم التركي، نتيجة اقتصارها على الردود الإعلامية.
إعادة التموضع..
عقب ذلك، أعلنت فرنسا بعد اجتماع عاجل للحكومة، أنها ستتخذ إجراءات لضمان سلامة قواتها ومدنييها في شمال شرق سوريا، وأكدت أنها ستكثف جهودها الدبلوماسية بالتنسيق مع شركائها في التحالف ضد تنظيم داعش الإرهابي، وضمن دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ومجلس الأمن من أجل وضع حد للهجوم التركي في شمال شرق سوريا، وورد في بيان عن الرئاسة الفرنسية بعد اجتماع مجلس الدفاع والأمن القومي برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون، أن الأولية هي منع تنظيم داعش الإرهابي من الظهور مجدداً، وعبرت فرنسا عن خشيتها من فرار سجناء التنظيم الإرهابي، مؤكدة أنها “تتابع عن كثب الخطر الناتج عن احتمال فرار سجناء داعش الإرهابيين بسبب الهجوم التركي”.
خيبة..
لكن المفاجئ كان في السادس عشر من اكتوبر، عندما ذكرت مصادر لوكالة “أ ف ب” أن فرنسا قد لا تجد أمامها من خيار سوى سحب قواتها من التحالف ضد “داعش” في شمال سوريا بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من تلك المنطقة، في الوقت الذي كان ينتظر فيها أهالي الشمال السوري ممن يتم الهجوم عليهم، أن تترجم الاقوال الفرنسية إلى أفعال، عبر حشد دولي لوقف الهجوم التركي، ما خلق خيبة للمتأملين في مساعدة فرنسية توقف القتل الذي يلاحق السوريين منذ ثماني سنوات وأكثر.
ومن خلال متابعة ملخص التفاعل الفرنسي مع ملف شمال سوريا، يمكن الإشارة أنه من المُجازفة بمكان وضع أياً من "بيض" شمال سوريا في السلة الفرنسية، كونها فيما يبدو غير قادرة على حماية نفسها، بدليل العمليات الإرهابية التي تعرضت لها من قبل داعش في السنوات الماضية، وعدم أكتراث الامريكيين لرفضها رغم عضويتها في التحالف الدولي، وهو ما قد يشير من خلاله مراقبون بأن الخيارات أمام قسد محصورة في طرفين هما أمريكا وروسيا، وهما طرفان لا يزالان يبيعان في الأراضي السورية قطعاً بشكل جزئي أو كامل، كلما اقتضت مصالحهما.
ليفانت-خاص
إعداد ومتابعة: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!