الوضع المظلم
السبت ٢٨ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • أبولودورس.. العابر للتاريخ بين الشرق والغرب مؤسساً لفلسفة الهندسة المعمارية

أبولودورس.. العابر للتاريخ بين الشرق والغرب مؤسساً لفلسفة الهندسة المعمارية
أبولودورس الدمشقي / ليفانت

يأسف العلماء والنحاتون وكبار المهندسين في الشرق والغرب، على قلة ذكر المعماريين في كتب التاريخ الذين شيّدوا الأبنية الحضارية، ولطالما بيّنوا صعوبة التعرف على المُخطِّطين أو المنفّذين للهياكل التاريخية، وعلى الرغم من تلك الصعوبات، لمع اسم المعماري الدمشقي "أبولودورس" لكونه أحد أقطاب هندسة العمارة وفلسفتها.

 من هو "أبولودورس"؟

قال المؤرخون إن الاسم يأتي نتيجة الاتصال الكبير والتعايش الطويل بين الإغريق القدماء (اليونانيين)، الآراميين السوريين والأنباط والتدمريين. 

وتشير الروايات إلى أن المهندس أبولودورس جميل المحيا، فيه مهابة ذات ملامح شرقية واضحة، وشخصية متوازنة، وموهبة متميزة وفريدة من نوعها فرضت احترامه على المجتمع الروماني. ومع ذلك، لم تظهر له أعمال في سوريا، باستثناء أعمال إصلاح جامع بني أمية الكبير بدمشق، حيث ظهر حينها أحد الأعمدة المنهارة من أنقاض معبد جوبيتير يحمل اسم أبولودوروس. بينما يُرجّح أن يكون أبولودورس قد ساهم في تصميم وبناء هذا المعبد.

 

سيرة ذاتية

أبولودورس، وفي اليونانية Apollodoru، تعني "هبة أبولو" ولد المهندس المعماري في دمشق وعاش في روما جزءاً كبيراً من حياته، ومن المرجح أنه مات مبعداً عنها وهو في قمة عبقريته.

اقرأ المزيد: سوريا تودع الفنان التشكيلي "عبد الله السيد" منفذ تمثال صلاح الدين في دمشق

وفي عهد الإمبراطور الروماني ترايانوس أو تراجان (98-117م)، شغل منصباً يوازي منصب وزير الأشغال العامة في لغة اليوم. ويعتبر واحداً من أبرز المعماريين الذين عرفهم التاريخ القديم.

تأثر أبولودورس الدمشقي في وطنه الأصلي بروائع الهندسة المعمارية وحمل إلى روما روحاً جديدة في العمارة والفن، ومع ذلك، فإن إنجازات Apollodorus في وطنه الأصلي غير معروفة ولا أحد يعرف شيئاً عنها.

سوق تراجان في روما

نهر الدانوب

تشتهر أعماله في روما وأجزاء أخرى من الإمبراطورية الرومانية، وما تبقى منها قرابة خمسة عشر عملاً، بين أهمها "السوق الترايانية (سوق تراجان) – عمود تراجان – الجسر العملاق على الدانوب"، وللأخير قصة مثيرة للاهتمام حيث كان أبولودورس في الأصل المهندس الحربي للإمبراطور ترايانوس، الذي رافقه في حروبه في داكية، ووضع التصميمات لهذا الجسر وأنشأه على نهر الدانوب عند مضيق البوابات الحديدية قرب مدينة دوبريتي دوريسين الحالية في المجر، باستخدام جيش كامل لمدة عام كامل تقريباً.

أعاقت أعمال بناء الجسر إقامة الأساسات والركائز في قاع النهر، إذ كان من الغزارة بحيث لا يمكن تحويله. لكن أبولودورس، ولأول مرة في التاريخ، واجه مثل هذا العمل الذي يتطلب جرأة فنية عالية، فاستطاع إرساء عشرين عموداً قوياً جداً في عمق النهر، ثم مد الجسر بطول 1097 متراً وعرضه يتراوح بين 13 و19 متراً. وكانت الفجوة بين الأقواس 35-38 متراً، وكان طرفاً الجسر محصنين بأبراج.

في تلك الحقبة، كان الإمبراطور الروماني تراجان، الذي يتمتع بمزاج متهور ونشط، مليئاً بالاستياء من أن مملكته لم تكن غير محدودة، لكن كان يحدها نهر الدانوب. لذلك كان حريصاً على اجتيازه بجسر قد يكون قادراً على عبوره وأنه قد لا يكون هناك أي عائق أمامه، سوى أن البرابرة من ورائه. وخُيل له أنه لن يجد صعوبة في الحديث عن كيفية بناء هذا الجسر، ومع ذلك، لم يجنِ الرومان أي ربح من ذلك لاحقاً، لأن الجسر قد دُمر بالكامل بسبب فيضانات نهر الدانوب مع مرور الوقت.

ومن إنجازات أبولودورس أيضاً الميدان التراياني (ميدان تراجان) – الحمامات التي بناها لترايانوس على تل الإسكويلينوس – قوس النصر في مدينة بنيفانتوم، وقوس النصر في مدينة إنكون- مسرح موسيقي (أوديون) في مونتي جيوردانو.

الحضارة الدمشقية

تحاكي دمشق كل بقعة من جوانب الحضارة، فأقدم عاصمة مأهولة في العالم تضم أوابد تروي تاريخاً يعود إلى آلاف السنين ولدى زيارة الجامع الأموي الأشهر تطالعك عند سوق المسكية عدداً من الأعمدة والقناطر التي هي بقايا معبد جوبيتير أعظم معابد العصر الروماني فخامة واتساعاً.

ويقول همام سعد معاون، مدير التنقيب والتوثيق في المديرية العامة للآثار والمتاحف، أن "هذه الأعمدة هي بقايا معبد قديم بناه الآراميون لعبادة الإله حدد رومون إله الخصب والرعد والمطر في مطلع الألف الأول قبل الميلاد".

وأضاف: "في العهد الروماني تمت توسعة المعبد من قبل المهندس المعماري الشهير أبولودوروس الدمشقي، وأطلق عليه اسم (معبد جوبيتير) نسبة إلى الإله جوبيتير أو المشتري كما عرفه أهل دمشق، مشيراً إلى أنه في مطلع القرن الرابع الميلادي تم فصل المعبد عن المدينة بمجموعتين من الجدران علماً أن جدار المجموعة الأولى أكبر من جدران الثانية وامتدت على مساحة واسعة شملت السوق".

وتابع سعد "أما جدران المجموعة الثانية فأحاطت بحرم معبد جوبيتير الأصلي وهو أكبر معبد روماني في سوريا وما تزال بقايا هذا المعبد موجودة حتى الآن غرب الجامع الأموي حيث تظهر بقايا الأعمدة الرومانية ذات التيجان الكورنثية ومقدمة القوس الرئيسة في المعبد".

 

ويؤكد التاريخ يوماً بعد يوم، أنه مهما تجاهل التاريخ أشخاصاً بارعين كـ " أبولودورس" إلا أن أعمالهم خالدة وشاهدة لهم وعليهم، ولا بدّ أن يأتي من يُذكّر بها ويتحدث للأجيال عنها.

وها هي قصة أبولودورس، ما تزال تروى في أكلح الظروف التي تمرّ على سوريا من تدمير لتاريخها وحاضرها.

ليفانت – خاص

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!