الوضع المظلم
الخميس ١٩ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
البورصة الفلسطينية.. تجارة الدم
عبد العزيز مطر

منذ عقود طويلة لم نعتبر نحن، الشعوب العربية، القضية الفلسطينية إلا قضية مصيرية مترسخة في وجدان كل مواطن عربي يسعى لإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المتمثلة في استعادة أرضه وحقوقه المغتصبة، والتي تم التفريط بها أولاً من قبل الساسة الفلسطينين أنفسهم، ومن قبل تجار الدم ومنظومات الحكم الاستبدادي في المنطقة العربية.


ولابد من التفريق بشكل واضح بين موقف الشعوب العربية وبين موقف من يحكمهم اتجاه هذه القضية، فمعظم مواقف الحكام العرب لم تعبر يوماً عن مواقف الشعوب التي يحكمونها من القضية الفلسطينية أو من أي قضية أخرى، وتحولت القضية الفلسطينية لما يشبه البورصة يستثمر فيها الجميع بدماء هذا الشعب لتحقيق مكاسب ومصالح الأنظمة الوظيفية في المنطقة، بغض النظر عن مصلحة شعوب تلك الأنظمة، وأصبحت المزاودات والأكاذيب التي تختلقها تلك الأنظمة والتنظيمات الأخرى بخصوص القضية الفلسطينية عبارة عن ذريعة وحجة بيد تلك الأنظمة لإحكام قبضتهم على الشعوب العربية والاستئثار بالسلطة بحجة الصراع ضد عدو مفترض يمدون له الأيدي أسفل الطاولات ويتبادلون معه كل شيء، بينما يعلو الصراخ في الهواء من شجب وتنديد ودعاية كاذبة متفق عليها.


وترتفع أسهم تلك البورصة أو تنخفض طبقاً للأحدات التي تمر في المنطقة على مر العقود، ويتم ربط القضية الفلسطينية بقضايا لا علاقة لها فيها أو للشعب الفلسطيني. وإذا استذكرنا الماضي القريب الذي سبق عقد اتفاقيات السلام في أوسلو، والظروف التي مرت على الشعب الفلسطيني، نجد أنّ جرائم الإبادة الجماعية والقتل والتهجير لم تكن بيد العدو المفترض بقدر ما كانت بيد الأنظمة التي تتباكى على فلسطين وشعبها، فما يزال الدم الفلسطيني الذي سفك بتل الزعتر ونهر البارد على يد النظام السوري موجوداً ولم يشربه التراب اللبناني، وما تزال مجازر مخيم اليرموك الفلسطيني وتدميره مرسومة كصور تمر بشريط في ذاكرة الفلسطينين، فبعد اتفاق السلام في أوسلو بين إسرائيل والسلطة الفلسطينة ما الذي تغير؟ ماذا حقق الفلسطينيون؟


صراع طويل بين السلطة الفلسطينية وحماس الإخوانية، بين قوتين إحداها تحركها المصالح الدولية في المنطقة، والأخرى تحركها إيران كألعوبة وذراع تنفذ من خلالها ما تريد وترسل رسائل لمن تريد مثلها، مثل الحوثي وحزب الله وتنظيم الإخوان المسلمين، بصورة عامة، ليصبحوا المؤشر الذي يرفع الأسهم الإيرانية في أي تفاوض أو أي ملف إقليمي أو دولي، استثمر الكثير في القضية الفلسطينية، فهذا نظام القتل في سوريا الذي حول الفلسطينيين أنفسهم لميليشيات تقاتل الشعب السوري عبر تأطيرهم في ميليشيات ضمن ما يسمى حلف المقاومة، كلواء القدس وجيش التحرير الفلسطيني وحركة فلسطين الحرة وسرايا بدر، ليكونوا اليد الضاربة للنظام السوري في وأد ثورة الشعب السوري. وتلك حماس الإخوانية وتنظيم الجهاد الإسلامي الفلسطيني الإخواني أصبحا ذراع إيران في تلك البورصة، تحرّكهم كيفما تشاء ووقت ما تشاء، خدمة لأهدافها ومصالحها ضمن مشروع المقاومة الإسلامية، الذي يشرف على دعمه وتدريبه وتنظيمه الحرس الثوري الإيراني، الذي يخدم المشروع الفارسي في المنطقة، والذي يشكل عامل اضطراب دائم في المنطقة، ويبقى الشعب الفلسطيني المكلوم والأسير لدى هذه التشكيلات والفصائل، التي رهنت نفسها لخدمة مشروع يستهدفها أولاً قبل كل شيء.


وفي خضم كل هذا يأتي العار الإخواني الذي يعلن صراحة، وفي كل مناسبة، أنّ حركة حماس جزء منه لحشد الشعب السوري خلف طروحات حماس الإخوانية، وماحدث مؤخراً في قطاع غزة خير دليل على ماتحدثنا عنه، فالحراك السلمي من أجل حي الشيخ جراح في مدينة القدس والمطالب المحقة لهذا الحراك امتطته إيران عبر أدواتها القذرة، كحماس والإخوان وتنظيم الجهاد، لتفتعل معركة وهمية وصورية حصدت مئات الأبرياء من الشعب الفلسطيني ومن المدنيين العزل وتدمير مئات المنشآت المدنية خدمة لأسيادهم في إيران، ولتقوية موقفهم في ملفات التفاوض، كالملف الإيراني، وللتغطية على المسرحيه الهزلية التي تجري في سوريا المسماة بالانتخابات الرئاسية، في وقت ازداد فيه الوعي لدى الرأي العام العالمي بضرورة استئصال المشروع الإيراني الذي يهدد الأمن الإقليمي والأمن والسلام الدولي.


وكانت نتيجة ماحدث مريعة، فبعد توقيع اتفاق الهدنة، وبعد ما حدث من تدمير ممنهج لمقدرات الشعب الفلسطيني، خرج قادة حماس، قزماً تلو الآخر، للتمجيد بقتلة الشعب السوري وقتلة الشعب السعودي، وبمن دمر العراق واحتل لبنان، ولتفتيت عرى التحالف الدولي الذي بدأ يظهر، لاستئصال الخطر الإيراني في المنطقة، وتحويل دفة الصراع ضد الغاصب والمحتل الإيراني ونظام الملالي، إلى صراع ضد الشعب الفلسطيني، كل هذا خدمة للمشروع الفارسي ومحور المقاومة المزعوم.


ويوماً بعد آخر يتكشف الزيف الإخواني وطروحاته التي دمرت الربيع العربي، ووأدت ثورات الشعوب العربية، عبر أساليب ممنهجة وطروحات لم تكن يوماً في خدمة القضايا العربية، وما زالت تلك التنظيمات هي الخنجر الذي يطعن ظهر الأمة العربية ويثير القلاقل في دول المنطقة، كذراع يحركه المشروع الإيراني كيفما يشاء. فلننظر ماذا فعلوا في مصر، وماذا فعلوا بثورة الشعب السوري، ومن يظن أن المشروع الإخواني الذي يريد الاستئثار بالحد الأدنى بأي سلطة منفصل عن المشروع الإيراني، فليراجع حساباته، وما حدث في غزة مؤخراً وتجييش الإعلام الإخواني ووضع نفسه مدافعاً عن حماس وإيران وتنظيماتها الإرهابية، كحزب الله والحوثي وغيرهم، هو خير دليل على ما تقدم.


إن تحقيق الأمن والسلم الإقليمين والاستقرار في هذه المنطقة يمر عبر بوابة إنهاء المشروع الإيراني في المنطقة، ويبدأ بتقليم أظافر هذا المشروع بداية بتنظيم الإخوان المسلمين والحركات والتنظيمات المرتبطة به، كحزب الله وحماس والحوثي، وبنهايتهم تتنهي الأنظمة الاستبدادية في المنطقة المدعومة من المشروع الإيراني، وتتحقق حرية الشعوب العربية ويصبح الطريق متاحاً للمجتمع الدولي لإعادة إعمار دول دمرها هذا المشروع، اقتصادياً واجتماعياً، أما دعم هذه التنظيمات والتغافل عن وجودها ومطالبة المجتمع الدولي بدعم الحقوق المشروعة للشعوب العربية في وقت واحد، فهذا لن يلقى أي قبول من المجتمع الدولي، وستبقى هذه الشعوب في هذه الدوامة من العنف لأمد طويل.


عبدالعزيز مطر


ليفانت - عبد العزيز مطر 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!