الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
الشمال السوري والإرهاب التركي
خالد الزعتر

خالد الزعتر - كاتب ومحلل سياسي سعودي


التعامل التركي مع الملف السوري وبخاصة الشمال السوري لايمكن النظر له بعيداً عن طريقة تعاملها مع بقية ملفات المنطقة والذي يأتي هذا التعامل من منطلق العقلية التاريخية والذي يترجمه "مشروع العثمانية الجديدة" الذي سعي حزب العدالة والتنمية إلى صياغته والتسويق له، وبدا واضحاً ملامح هذا المشروع مع مرحلة الربيع العربي ومحاولات أنقرة للتسويق لما تسميه "بالنموذج التركي" والذي تهدف أنقرة عبر توظيف القوة الناعمة إلى إيجاد قبول شعبي لمشروعها التوسعي، وبالتالي نجد أن أنقرة تتعامل مع المنطقة العربية من منطلق "التبعية" وأنها جزء من الدول العثمانية، والتي يرى أردوغان أن تركيا هي إمتداداً للدولة العثمانية، وهو ما يعني أن العقلية التركية التي ترى أنها وريث الدولة العثمانية تسعى لاستعادة ما تراه تابعاً للدولة العثمانية.


ولربما خير مثال على العقلية التاريخية لطريقة تعامل أردوغان مع المنطقة، هو طريقة التفكير التركي تجاه جزيرة سواكن السودانية، والتي تترجمها تصريحات أردوغان وطريقته في التعامل مع مسألة الإتفاق مع السودان بخصوص (جزيرة سواكن) وذلك عندما قال أردوغان: "طلبنا تخصيص جزيرة سواكن لوقت معين، لنعيد إنشاءها وإعادتها إلى أصلها القديم" حيث تحظى جزيرة سواكن بمكانة مهمة في عهد الدولة العثمانية، إذ كانت مركزاً لبحريتها في البحر الأحمر، وضمّ ميناؤها مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 – 1885، وبالتالي نجد أن تركيا في عهد العدالة والتنمية تسعى للنظر إلى المنطقة عبر إستحضار العامل التاريخي.


ومن هذا المنطلق لايمكن النظر للاعتداء التركي على الشمال السوري خطوة في سياق استكمال ترسيخ الاحتلال التركي للشمال السوري والسياسة التي تنتهجها أنقرة هناك بتغيير التركيبة الديمغرافية وسياسة التتريك، وبالتالي ترى أنقره أن الطريق نحو تحقيق أطماعها التوسعية وتحقيق السيطرة الجغرافية على الشمال السوري يتطلب القضاء على القوة الكردية التي تعتبر هي القوة الفاعلة على الأرض في مواجهة الأطماع التركية والإرهاب الداعشي وبالتالي ترى أنقره أن إضعاف القوة الكردية السورية وإزالتها (والتي تشكل حجرة عثرة أمام المشروع التركي) هي خطوة في غاية الأهمية نحو تمهيد الطريق لمشروع العثماني الاحتلالي في الشمال السوري.


والتالي العدوان التركي على الشمال السوري والذي أطلقت عليه أنقرة مسمى "نبع السلام" هو إستكمالاً لعملية "غصن الزيتون" التي وضعت أسس مشروع الاحتلال التركي في الأراضي السورية، حيث سعت أنقرة إلى إحداث تغيير في ملامح الحياة العامة حتى أصبحت كأنها مدن تركية، بدءً من قرار المجلس المحلي في مدينة إعزاز بريف حلب الذي أصدر قراراً يمنع فيه التعامل بالهوية السورية واستبدالها بالهوية التركية، وفي الأراضي التي استولت عليها تركيا عقب العملية التي سميت "غصن الزيتون" بدأ الطلاب يتعلمون اللغة التركية، وحتى استبدال إشارات السير العربية بأخرى تركية.


يأتي العدوان التركي على الشمال السوري "هدية" لتنظيم داعش الإرهابي، حيث تعتبر القوة الكردية في الشمال السوري واحدة من أهم القوات التي تصدت لتنظيم داعش الإرهابي، وبالتالي نجد إن العدوان التركية على الشمال السوري والعمل على صناعة الفوضى وخلخلة الاستقرار سيقود إلى "إنعاش التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي" والذي يرى داعش أن إضعاف القوة الكردية يصب في مصلحته لأن هذا الأمر يقود إلى خلخلة موازين القوى على الأرض في الشمال السوري ما يمكن لداعش من العودة إلى الساحة، وبالتالي لتقوم به تركيا من عدوان وإرهاب في الشمال السوري يصب في مصلحة تنظيم داعش الإرهابي، ربما هذا ما يفسر الضربات التركية على سجن الدواعش في القامشلي، وهو بالتالي ما يفضح السياسات التركية التي تحاول إعادة إنتاج تنظيم داعش بعد أن أصبح هذا التنظيم الإرهابي مفككاً، وبالتالي ما يعكس ذلك وجود إلتزام من قبل أردوغان باستمرار الدعم لتنظيم داعش الذي لعبت تركيا دوراً في تقويته وبرزه كتنظيم على الأرض بعد أن وفرت الممر الأمن لعناصر داعش إلى سوريا والعراق، وتقديم العلاج المجاني لعناصر التنظيم الإرهابي، ونقل العتاد والمعدات العسكرية لهذا التنظيم الإرهابي الذي بدأ واضحاً اعتماد أنقره على هذا التنظيم الإرهابي بشكل رئيسي كذريعة في طريق تحقيق سيطرتها الجغرافية في الأراضي السورية.


العدوان التركي على الشمال السوري، والإرهاب الذي يمارسه الأتراك تجاه السوريين، ومحاولات فرض سيطرتهم على الشمال السوري والعبث بالتركيبة الديمغرافية لتحقيق مشروعهم العثماني، كان لزاماً أن يفرز مرحلة تعامل عربية جديدة تجاه تركيا، ربما المتابع للاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب والذي دعت له مصر يجد أن العدوان التركي على الشمال السوري أفرز مرحلة تعامل عربية جديدة مع تركيا، وهو ما نشاهده في البيان الختامي لوزراء الخارجية العرب والذي جاء فيه (النظر في اتخاذ إجراءات دبلوماسية وإقتصادية واستثمارية ضد تركيا)، ما يعني كسر حالة الصمت العربي تجاه السياسات التركية، وبالتالي فإن النظرة العربية ستتعامل مع تركيا من منطلق تعاملها مع إيران، لم يعد التفريق بين السياسيات الإيرانية والتركية، وبخاصة بعد أن أثبت أنقره أنها لا تختلف عن أطماع طهران التوسعية والفوضوية والمعادية للعرب.


 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!