الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
سرّي في
إبراهيم جلال فضلون (1)

لا تقع عيناك بعد الآن على رُزم من الورق مُلقاة في أي مكان إلا وقِفْ أمامها لا تتركها إلا بعد تفحُصِها، لعلك تكون من المحظوظين بسريتها، خاصة إذا حملت عبارة "سري للغاية"، كالوثائق الرسمية بين السرية والتسريب. غابة


ويكيليكس ووثائق بنما كنموذج، أو علامات استخباراتية، كعلامة "العيون البريطانية السرية فقط، التي وجدت خلف محطة للحافلات، في ظاهرة انتشار غير معهودة تتمثل بتداول ونشر مضامين وصور وثائق حكومية يُفترض بها السرية والتداول الداخلي المحدود، ووصل الأمر كدليل للإثبات Evidential value، تداول كُتب رسمية مصنفة (بالسري جدًا ومحدود الاطلاع) من بعض الدوائر السيادية والأمنية الحساسة كذلك، والسؤال الذي يدور في ذهن الكثير هو: كيف ولماذا يتم تسريب الوثائق بهذا الشكل، وفي تلك التوقيتات الحرجة التي يمُر بها العالم وسط إغلاقات وبائية للحدود؟


ففي كثيرٍ من الدول الديمقراطية، هُنالك مفهوم يُطلق عليه "المُنذِر - "Whistle Bloweً، وهو أن يقوم شخص ما بكشف وفضح عمل سري غير قانوني أو غير أخلاقي يتم ممارسته في مكان عمله كفضيحة وزير الصحة، مات هانكوك، ومساعدته جينا كولادانجيلو في مكتبه، وتوجيه ضربة جديدة لحكومة رئيس الوزراء، بوريس جونسون، ولمثل تلك التسريبات تكون شبكات التواصل الاجتماعي ساحة مجانية تتسم بالبساطة وسرعة الانتشار، مُستغلة للإفشاء والتسريب والإفصاح عن وثائق ومعلومات تبدو من وجهة نظر الفرد ذات قيمة عالية لمجتمع من الأفراد تجمعهم مؤسسة ما.


ولعل الناظر لتلك الظاهرة هو صاحب أحد المنظورين المُتباينين، إما بإيجابية كشف و(فضح) الممارسات الحكومية غير المهنية أو غير القانونية أو غير الأخلاقية، تُوقع عقوبات مُغلظة على كل من يقوم بعمل يندرج تحت بند (إفشاء الأسرار، ونشر المعلومات والوثائق المصنفة بالسرية)، ابتداءً من قانون حماية أسرار ووثائق الدولة، الذي يُدرج عقوبة خاصة لكل تصنيف (درجة السرية) الخاص بالوثائق المسربة، ويُعتبر ذلك جزءاً من مفهوم الشفافية، خاصة في ظل التكتم الرسمي على معظم المعلومات، واحتكارها، وعدم تفعيل (قانون حق الحصول على المعلومات)، وعدم رد الحكومات على الأسئلة الموجهة لها من برلماناتها أو هيئات التحقيق لديها ومن الصحافة ومن المعارضة في كثيرٍ من الأحيان.


أو أن يكون ممن يعتبرها خرقًا للخصوصية، واختراقًا لأسرار الدولة، من شأنه إلحاق الضرر بأمنها ومصالحها العليا.


لكن المصيبة أن تجد مثل تلك الأوراق والوثائق في سلات المُهملات بالشارع أو مُلقاة بجوانب الأرصفة، معلنة عن اختراق لأحد الأجهزة، كتلك الوثائق السرية التي تم العثور عليها في كومة رطبة بمحطة حافلات في بريطانيا تحتوي معلومات سرية خاصة بوزارة الدفاع البريطانية في مقاطعة كنت، والتي تضمنت رسائل بريد إلكتروني وعروضاً تقديمية، تتعلق بالسفينة الحربية، وضمتها روسيا إليها من أوكرانيا عام 2014.. وهي (نحو 50 صفحة تتضمن تفاصيل عمليات عسكرية بريطانية، منها مرور السفينة «إم إتش إس ديفندر»، التابعة للبحرية الملكية عبر المياه الأوكرانية قبالة سواحل شبه جزيرة القرم، الأسبوع الماضي، التي تدعي روسيا أنها أطلقت عليها طلقات تحذيرية عند مرورها عبر البحر الأسود. كما تتضمن خططاً تفصيلية لوجود عسكري بريطاني محتمل في أفغانستان بعد انتهاء عملية حلف شمال الأطلسي -ناتو)، وكانت مُعظم الوثائق تحمل عبارة «حساسة رسمياً»، وهو «مستوى منخفض نسبيًا» من التصنيف، حتى سخرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، من الحكومة البريطانية عبر تطبيق تلغرام للتواصل الاجتماعي، قائلة:


"لجأت لندن إلى عدد من الأكاذيب للتستر على الاستفزاز الأخير، فلم يعد العميل 007 (جيمس بوند) كفئاً كما كان.. والآن لدينا سؤال مُحير مثل الأحجية للبرلمان البريطاني، لماذا نحتاج إلى "متسللين إلكترونيين روس" إذا ما كانت هناك محطات حافلات بريطانية؟.


إنه لأمر مُخزٍ بقدر ما يُثير قلق العامة بالدولة التي تحميهم، لتؤكد بعدها أن سوف لا يتكرر، ثُم تأتي الطامة لاطمة لأمنها القومي، بتسريب «أوراق بنما» في عام (2016م)، ليُشير تحقيق استقصائي لوجود 11.5 مليون وثيقة مسربة من شركة موساك فونسيكا – بنما، عن حوالي (200) ألف كيان تجاري، ولجوء عدد من قادة ورؤساء وملوك العالم إليها من أجل تهريب أموالهم إلى الخارج، وكذلك ما يعرف بـتسريب «أوراق الجنة» في عام (2017م)، والذي حوى عدداً من الوثائق لمعاملات بأسماء ما يقارب (120) ألف شخص وكيان من السياسيين وقادة أعمال ومشاهير حول العالم.


إنها مقادير الله لكشف الفاسدين، وما سببته من سوء تقدير مُجتمعي لأنظمة إدارة الوثائق أو ما يمكن أن نسميه فقدان الثقة المجتمعي في تلك الأنظمة، كالتي طعنتها تسريات وثائق "فنسنFinCen" الأمريكية، لما يزيد على (2500) وثيقة، كشف الستار عن معلومات وعمليات بنكية تصل قيمتها لمبلغ (2) تريليون دولار؛ فكيف سمحت أكبر البنوك العالمية للمجرمين وغاسلي الأموال وممولي الإرهاب، بنقل الأموال بحرية حول العالم؟ بل وأثبت أنه حتى الدول والمنظمات والجماعات والأشخاص المصنفة على أنها إجرامية وإرهابية، لم يمنعها هذا التصنيف والعقوبات الوهمية المفروضة عليها، من استمرار تدوير ونقل أموالها حول العالم بأمان وتحت نظر ومباركة تلك البنوك الغربية وربما حكوماتها.


لا يمكن تبرير الفساد وسوء الإدارة الحاصل في أي دولة بأي شكلٍ كان، وقد سجل القذافي -رحمهُ الله- أول شهادة إيجابية رسمية من زعيم عربي لصالح موقع "ويكيليكس" وقال: "أنا مع الحرية وضد حجب الأفكار والموقع مفيد في كشف المناورات والأكاذيب، وما يجري خلف الكواليس، ولكن بشرط أن يكون ما ينشر فيه حقيقي"، واعتبرها الرئيس الروسي دليلاً على خبث الدبلوماسية الأميركي، بينما كلف الرئيس الأميركي "راسل ترافرز"، مسؤول مكافحة الإرهاب، للعمل عل منع حصول تسريبات جديدة لوثائق سرية. لتخرج الخارجية الأمريكية بحجتها الواهية بأنها "اعتداء على المجتمع الدولي"، وأخيراً اتهم أعضاء في الكونغرس مؤسس موقع ويكيليكس بالإرهاب.


لقد لعبت غالبية الشخصيات والدول والمنظمات والأفراد المشار إليها بأهدافها الخبيثة توجهات مُختلفة لأطراف خفية من أجل إرباك المجتمع العالمي كإرهاب نيوزيلاندا وإيران بالمنطقة العربية، وغيرهم.. فالحمد لله أننا فقراء لا نملك إلا قيمنا التي نشأنا عليها، فكيف ينظرون هُم لأنفسهم عندما تخرج من أصلابهم أجيال تعج بالفساد، وأفكار الإرهاب واللامبالاة؟ فالحمد لله على نعمة الإسلام الذي يُحاربونه هنا وهناك، وهو لهم بالمرصاد.


إبراهيم جلال فضلون


ليفانت - إبراهيم جلال فضلون ليفانت 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!