الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
عن بايدن وعودته للقواعد السعودية
شيار خليل

ستلتقط صفحات التاريخ اللحظة التي صافحت قبضة بايدن، رئيس أقوى دولة في العالم قبضة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في إشارة إلى بداية عودة العلاقة بين البلدين، بعد فترة زمنية لا بأس بها من تصريحات غير متوازنة من بايدن اتجاه المملكة العربية السعودية.

كيف لا وفي علم الجغرافيا السياسية دراسات عديدة تشير إلى أنه مهما تدهورت العلاقات بين الدول، ففي فن العلاقات الدولية لا توجد سوى مصالح دائمة، في حين وبكل تأكيد لا توجد صداقات دائمة. وهنا زيارة الرئيس الأمريكي بايدن إلى المملكة العربية السعودية تذكير بأولوية هذه المصالح على تضاؤل ​​الأفراد الذين قد يقودون دولة في وقت ما.

سنتذكر جيداً كيف علا صوت الصحفية الأمريكية في لقاء بايدن مع الأمير السعودي بن سلمان وهي تقول: "هل ما زالت السعودية دولة منبوذة؟". في إشارة منها إلى تصريحات بايدن السابقة حول المملكة، حيث كان قد شن بايدن حملة انتخابية للرئاسة على أنه "مناهض لترامب" وتطلع إلى وضع نفسه في الطرف الآخر من سلم السياسة لسلفه. وقتها حاول ترامب قتل الصفقة الإيرانية واعتبر العلاقات السعودية الأمريكية أولوية، وشهدت المملكة أول زيارة له للخارج على الإطلاق. في عام 2018 أصدر البيت الأبيض في عهد ترامب بياناً حول "الوقوف مع السعودية" تحدث عن 450 مليار دولار وافقت السعودية على استثمارها في الولايات المتحدة.

جاء بايدن إلى الحكم وسعى لاستعادة الصفقة الإيرانية، وبعبارات رهيبة هدد بتحويل المملكة العربية السعودية إلى "منبوذة"، الأمر الذي يجب أن يجعل الرياض متوترة وغاضبة أيضاً مما كان يقصده الرئيس الجديد. ومع ذلك، في حين أن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية قد تراجعت منذ انتخاب بايدن، خاصة فيما يتعلق بقضايا مبيعات الأسلحة، فإن زيارة الرئيس هذا الشهر من المرجح أن تكون محاولة لتصحيح تحالف وثيق أكثر تقليدية.

كان البلدان حليفين لما يقرب من مائة عام على الرغم من أن هناك شراكات استراتيجية داخلية يمكن تتبعها تعود إلى عام 1945. لقد كانت علاقة دائمة، بالإضافة إلى تلك التي تلقت دعماً كبيراً من الحزب الحيوي، وهي ظاهرة شبه نادرة  في واشنطن. 

كون المملكة العربية السعودية هي ثاني أكبر منتج للنفط في العالم في وقت أزمة طاقة عالمية، فقد ركز بالتأكيد أذهان بايدن وفريقه للسياسة الخارجية.  كانت هناك حتى محاولة من قبل واشنطن لمعرفة ما إذا كان يمكن العثور على علاقة جديدة مع فنزويلا لفتح المزيد من إمدادات النفط في ضوء العقوبات المفروضة ضد روسيا بعد غزوها لأوكرانيا.

جاء بايدن إلى المملكة ساعياً لعودة العلاقات معها، فالعناوين الرئيسة حول رحلة هذا الأسبوع إلى المملكة العربية السعودية ستلقي الضوء على أن العلاقات "في تحسن" أو "عودة إلى الواقعية". حيث اتفقت الولايات المتحدة والسعودية على أهمية منع إيران من "امتلاك سلاح نووي"، كما وساعد التقارب بشكل كبير استمرار الهدنة في اليمن، والسعي لإيجاد حل سياسي واستقرار في سوريا.

نعم ستكون صورة قبضة الرئيس بايدن وهو يلقي التحية على ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، هي اللحظة الوحيدة التي يلتقطها التاريخ من الزيارة. من المحتمل أن تستغرق هذه اللفتة البشرية البسيطة شهوراً في تصميم الرقصات بين الدبلوماسيين من أي من البلدين، لكن قد يتردد صداها في الأشهر والسنوات المقبلة.

وشكلت القمة التي خرج منها البيان المشترك المتفق عليه بتعهد الولايات المتحدة بدعم "أمن المملكة العربية السعودية ودفاعها الإقليمي، وتسهيل قدرة المملكة في الحصول على القدرات اللازمة للدفاع عن شعبها وأراضيها ضد التهديدات الخارجية"، كما توسطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل ومصر والمملكة العربية السعودية والتي بموجبها ستنسحب وحدة حفظ سلام دولية صغيرة بقيادة الولايات المتحدة من جزيرة تيران الاستراتيجية، التي تنازلت عنها القاهرة للرياض في عام 2017.

الآن كل الأنظار تتجه نحو اجتماع أوبك + في 3 أغسطس/ آب، وسيتوقع أن يزيد التحالف الإنتاج ويساعد في تخفيف التضخم وأزمات الطاقة التي تعاني منها أجزاء كثيرة من العالم. التضخم الحالي في الولايات المتحدة هو الأعلى منذ 40 عاماً، ولكن بدلاً من أي قرار فوري يصدر عن قمة بايدن، إذا أراد السعوديون والإماراتيون زيادة الإنتاج، فسوف يفعلون ذلك عبر أوبك +. لكن في القمة، أعربت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية عن التزامهما بضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية. اتفق البلدان على التشاور بانتظام بشأن أسواق الطاقة العالمية على المدى القصير والطويل والعمل معاً كشركاء استراتيجيين في التحول المناخي والطاقة.

إن التوازنات الدولية عادت لتستقر وتصطف من جديد حول اللاعبين الأكثر أهمية في المنطقة، ولا سيما بعد غزو روسيا لأوكرانيا. وتأتي زيارة بايدن للملكة العربية السعودية كنوع من التوازن الأمريكي اتجاه المنطقة وعودتها إلى القواعد التاريخية في علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالمملكة العربية السعودية ومشاركتها في العواقب الاستراتيجية التي تواجه المنطقة والعالم.

 



شيار خليل: مدير تحرير جريدة ليفانت اللندنية 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!