-
قراءة في تصنيف المرتزقة
مؤخراً تبدو الحكومة التركية وكأنها سحبت البساط من تحت أقدام الجميع فيما يتعلق بمهاراتها في استخدام المرتزقة، وهي بذلك تتصدر القائمة الطويلة للحكومات التي تبدع في ذلك، واعتقد لو كان هناك جائزة أوسكار لفن استخدام المرتزقة لحصلت عليها بلا منازع. كنت مكتفياً بالتوصيف الإعلامي البسيط فيما يتعلق بتصنيف أو تعريف المرتزقة، لكني ولسبب أعرفه جيداً، بحثت في تفاصيل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتعريف المرتزقة وغيرها من التفاصيل. تصنيف المرتزقة
وبعد جهدٍ ليس بالكثير وجدتُ أن تلك الاتفاقيات لا تتعدى كونها اضحوكة، وأن القانون الدولي الإنساني هو إحدى البِدَع التي ابتدعتها الدول الكبرى، وليس العظمى، فهي على ما يبدو ليست بالعظمة التي تذكر على مستوى الأخلاق في تعاملها مع النزاعات ولو كانت عظمى على مستوى رأس المال والسلاح.
هذه الدول المنظمة للنزاعات الدولية، لا تبخل على الدول الأخرى وكذلك الجماعات المسلحة هنا وهناك بطلقة واحدة حتى في أشد لحظات الصراع احتداما، ومع ذلك تبذل الجهود في فيما يسمى بالقانون الدولي الإنساني وغيرها من الاتفاقيات المملة وغير المجدية في معظم الأحيان، كونها تكون طرفاً مباشراً أو غير مباشر في أي نزاع على الأرض، وبذلك، لا يطبق هذا القانون عليهم، بل يطبق فقط على الفقراء من الدول والمجموعات.
يبدو لي أن المشرفين على وضع هذه القوانين يتسمون ببلادة الذهن لدرجة كبيرة، لأنها تبدو وكأنها تصلُح لهذا ولا تصلُح لذاك. مثلاً في الاجتياح التركي لشمال شرق سوريا، هناك عدة مستويات من الارتزاق، أولاً عملت تركيا كمرتزقة لخدمة الأمريكان، إذ بدا الأمر وكأن الرئيس ترامب يقول لأردوغان أريدك أن تغزو هذه المنطقة، والجيش الوطني السوري عمل كمرتزقة لأردوغان، والدول الأوربية شاركت في الارتزاق لأنها بقيت بلا حراك ولم تقم بأي فعل يذكر سوى بعض التصريحات الخُلّبيّة. لنعد إلى البروتوكول الأول والثاني في اتفاقية جنيف عام ١٩٧٧، دون الخوض في كثير من التفاصيل. في هذه الاتفاقية تحدد عدة معايير من أجل تحديد وتعريف المرتزق، ومن بينها:
١) أي شخص يجري تجنيده محلياً أو دولياً من أجل القتال في نزاع مسلح مقابل راتب يزيد عن راتب الجندي النظامي بالرتبة ذاتها. هذه الفقرة بالغة السذاجة والتعقيد في الوقت نفسه، فمثلاً لو جنّدت حكومة ما منظمة أو أفراد من أجل تقديم الدعم اللوجستي أو تقديم معدات عسكرية غير فتاكة لأطراف النزاع، فهذا لا يعتبر مشارك في القتال برأيهم، ولو أن المنظار الذي يُقدّم للعسكري لن يستخدم في صيد الطيور!. وتفصيلة التجنيد محيّرة كذلك، فلو بُعث بشخص ذات بدلة رسمية للعب دور مهم في نزاع ما، فلا يعتبرُ تجنيداً!، بل يدعى مهمة دبلوماسية مقنّعة. وكذلك لو كان راتب المرتزق يساوي راتب المجند النظامي فهو لا يعتبر مرتزقاً!!. تصنيف المرتزقة
٢) أن لا يكون من رعايا طرف في النزاع، ولا متوطّناً في إقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع. من أجل البحث في هذا البند علينا تحديد من هم أطراف النزاع في سوريا، وعليه سنحدد من هو المرتزق ومن هو صاحب النزاع، حسناً، يبدو أننا بحاجة إلى آلة حاسبة من أجل عدّ أطراف النزاع أولاً، وبعدها سنحددهم (الشرعيين وأولاد الحرام منهم)!، والكفة ترجح لولاد الحرام بلا شك.
هذا البند يلغي البند الأول، مثلاً قوى الدفاع الوطني التي قام بتشكيلها قاسم سليماني كانوا بمعظميهم سوريون ويعيشون في المناطق التي يسيطر عليها النظام، وبذلك لا تنطبق عليهم صفة المرتزفة، وكذلك الجماعات المسلحة ذات رأس المال الوفير في مناطق المعارضة قامت بتجنيد المقاتلين مقابل راتب، وواضح لمعظم السوريين أن الكثير من المقاتلين انتسبوا لها بسبب الأمور المعيشية أولاً، ولاحقاً أصبحوا جزءاً من آلتها العقائدية.
هؤلاء كذلك ينطبق ولا ينطبق عليهم معايير المرتزقة وفق بروتوكولات جنيف، فمن ناحية يتقاضون مبالغ أكبر مما يتقاضاه العسكري النظامي وهم بذلك يقبضون مالاً مقابل القتال، لكن من ناحية أخرى هم يقيمون في المنطقة التي تسيطر عليها الجماعة وبالتالي لا يعتبرون مرتزقة. وكذلك المجاهدون في سوريا ومقاتلوا حزب الله والباسيج الإيراني هؤلاء جميعهم متطوعون لدرجة كبيرة وبالتالي وفق بروتوكولات جنيف، ليسوا مرتزقة، ووجود تركيا، روسيا، إيران وأمريكا في المنطقة ليس ارتزاقاً، فروسيا وإيران موجدتان بدعوة رسيمة من قبل الحكومة السورية المعترف بها لهذه اللحظة في المجتمع الدولي.
كما الأمريكيون موجودون من أجل محاربة الإرهاب على الأراضي السورية وحماية المصالح الاستراتيجية لها وكذلك الأتراك كما يصفون وجودهم في سوريا وكما تصدح به إعلانات شركة المعارضة السورية. أيوجد أكثر سخفاً من كل هذا؟، بالطبع لا يوجد سوى من يتعامل مع تلك البروتوكولات وكأنها حقيقة لها سلطة ونفوذ. تصنيف المرتزقة
وهناك الكثير الكثير من التفاصيل المضحكة المتعلقة بالبنود الأخرى والتي يمكن لشخص غير مختص مثلي إيجاد ثغرات، لا بل إيجاد صدوع عملاقة فيها. كانت أمسيتي/العفو الدولية مليئة بالضحك والقلق على الأمم المتحدة وقوانينها، وجائزة الأوسكار للارتزاق بعد تصويت الدول الأوروبية وأمريكا والمعارضة السورية تذهب لتركيا كأفضل إخراج عن فيلم اجتياح شمال شرق سوريا وقتلها للمدنيين، وكذلك عن فيلمها الجديد في ليبيا وقتلها للمزيد من المدنيين. وجائزة أفضل ممثل تذهب للمرتزق السوري.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!