الوضع المظلم
الجمعة ٢٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
مأساة السوري الكردي
غسان المفلح







لايمكن فصل مأساة الكردي السوري مهما حاولت قوى كثيرة فعل ذلك، عن مأساة السوريين من جهة، ولا عن مأساة الكرد عموماً في الدول الأربع للتواجد التاريخي للشعب الكردي، أقصد العراق وسورية وتركيا وإيران، عدم الفصل هذا لايعني تشابه وضع الساحات الأربع كما لا يعني أن تفرض ساحة ما قيادتها وأوضاعها وإستراتيجياتها النضالية على ساحة أخرى.



لست معنياً بشرح أو بتفصيل عدالة مطلب الكرد في الحرية، وإقامة دولة مستقلة كباقي شعوب المنطقة، هي قضية لا تحتاج للدول في متاهات التاريخ، بل دوماً يمكن الانطلاق من نفس اللحظة هذه، شعب له كل المقومات لكي يطالب بما يراه مناسباً لحريته، العودة للتاريخ من قبل التيار القومي، سواء الكردي أو العربي أو التركي أو الإيراني هي محض تضليل، لأنّ تاريخ الدولة الحديثة والمعاصرة في هذه المنطقة، قد صنع غربياً منذ بداية العهد الاستعماري التقليدي.


لم تكن جغرافيا العراق السياسية، ولا جغرافيا سورية السياسية، كما هي الحال اليوم قبل دخول الاستعمار الغربي لهذه المنطقة.


بساطة الصنع الغربي للجغرافيا السياسية للمنطقة، كانت بداية مأساة الكردي، ما يفوت النخب السياسية للشعب الكردي في سورية، أيضاً، أنّها تحاول فرض تصورات بقية الساحات على سورية، سواء كانت التجربة العراقية أو التجربة التركية على الكرد السوريين، دون الاقتراب من النموذج الإيراني الذي يقمع الكرد بطريقة مختلفة، حيث لا أثر لتجربة كرد إيران في تصورات كرد سورية.


النخب السياسية الكردية في سورية للأسف تابعة بطريقة شبه عمياء للنخب الكردية في كردستان العراق أو كردستان تركيا، ومنقسمة بناء على ذلك، قسمة لا تأخذ بعين الاعتبار الوضعية السورية برمّتها، هذا مما جعل الساحة الكردية السورية خاضعة لحركية النخب السياسية في تركيا والعراق، وليس لمتطلبات الوضعية السورية، ووضع الكرد السوريين داخلها.


هذا ما زاد في ماساة الكردي السوري أو السوري الكردي، حيث مأساة السوري الكردي كمأساة بقية شعب سورية، إضافة إلى تشتت الجغرافيا السياسية للتواجد الكردي في سورية تاريخياً، والمختلف عليه مع بقية أبناء المنطقة خاصة في الجزيرة السورية، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار لعب النظام الأسدي بالورقة الكردية، من خلال علاقته التاريخية مع حزب العمال الكردستاني التركي، أو ما يعرف بقيادة قنديل، تماماً كعلاقة بعض أطراف المعارضة السورية مع الحكومة التركية، رغم أنّ هذا التبادل البيني في المصالح بين الحكومة التركية والنظام الأسدي على الساحة السورية، ومن ضمنها الساحة الكردية، قد زاد من مأساة الكردي السوري، كما زاد من مأساة السوري عموماً.


اللحظة الأمريكية في الجزيرة السورية كانت يمكن، وما تزال الإمكانية قائمة أن تكون الحركة السياسيّة الكردية السورية رافعة لإنتاج دولة الحرية والقانون وحقوق الإنسان على كامل التراب السوري، بعيداً عن الأسدية. ما مارسته قيادة قنديل من جهة والحكومة التركية من جهة أخرى مع الأسدية، أنّها تحاول إنتاج حالة انعزال سياسي عصبوي متصالح مع الأسدية، ومحكومة عسكرياً، وليس إنتاج حالة حقوقية نموذجية في الجزيرة، كما أسلفنا، وكما نحلم كشعب سوري. هذه الانعزالية السياسية، والتي تطرح نفسها قائدة بالقوة على من يرغب بها، وعلى من لا يرغب بها من السوريين، عرباً وكرداً وآشوريين في الجزيرة السورية.


هذا جانب من مأساة الكردي السوري، أيضاً، كان الهم الأسدي، ولاحقاً التركي، قيام الحالة الانعزالية هذه منذ بدء الثورة السورية، حتى بات لها مثقفوها وأصواتها، وتجيير العداء القنديلي للحكومة التركية، ضد بقية السوريين. الحكومة التركية التي احتلت عفرين، والتي كانت تعتبر المقرّ التاريخي لقيادة قنديل في سورية، برعاية أسدية، احتلتها بقوات سورية محسوبة على الثورة السورية، نفس سلوك الأسد في تجيير النضال الكردي في تركيا لمصالحه، والدليل هي الفرمانات التي يفرضها الطرفان التركيان، قنديل وحكومة أردوغان، على الشمال السوري والجزيرة السورية بقوة السلاح، دون أي ملمح حقوقي أو دستوري، لا من حيث النتائج ولا من حيث الأدوات.


ما يجمع هؤلاء مزيداً من الكراهية بين السوريين، ما يزال أمام قسد فرصة تحت العلم الأمريكي في إنتاج حالة سورية متقدمة لكل أبناء الجزيرة، كما أنّه مطلوب من المعارضة السورية العمل على ذلك، سواء في الجزيرة أو في إدلب وريف حلب، إنّها مأساة السوريين في الشمال السوري.


ملاحظة ربما يتم إغفالها في قراءة المشهد، أنّ الانقسام في كردستان العراق، بين مؤسسات الاتحاد الوطني الكردستاني وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني، انعكست على الساحة الكردية السورية أيضاً. قنديل حليف الاتحاد الوطني في كردستان العراق، والمجلس الوطني الكردي السوري حليفاً للحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة السيد مسعود البرزاني، إنّها جزء أيضاً مأساة الكردي السوري.


الكرد السوريين تعرّضوا لسياسات عنصرية من قبل السلطة الأسدية والبعثية، منذ تسرّب البعث الى مفاصل الدولة السورية مع بداية الستينيات، مع محمد طلب هلال، الضابط البعثي، هذه السياسات القمعية ومحاولة تعريب بعض المناطق، وتغيير ديمغرافيتها، كانت أرضية غير مباشرة، استفادت منها بعض القوى للعب على وتر الانعزالية، وليس على وتر إحقاق الحقوق للكرد ولبقية السوريين.


شعار الانفصالية الذي ترفعه بعض النخب السورية بوجه الكرد السوريين، هو تعبير عن إفلاس في فهم هذه النخب لمعاناة الكردي السوري التاريخية، وإفلاس في فهم اللوحة الصراعية الحالية على أرض سورية، شعب ممنوع أن يتعلّم ويتحدّث حتى في لغته، إضافة الى مصادرة رمزياته من أسماء وخلافه، يضاف القمع العام على السوري الذي مارسته وتمارسه الأسدية، هل يوجد قمع أكثر من ذلك؟ إذا كانت مأساة السوريين عامة مع الأسدية كسلطة إبادة، فإنّ مأساة الكردي السوري مضاعفة.


دون هذه الأرضيّة المشتركة، لايمكن لا للكردي ولا للعربي ولا للآشوري أن ينال حريته، دون العمل المشترك على ذلك ضد كل من يقف بوجه حرية السوريين، الأسدية ونتائج بيعها لسورية من احتلالات وقوى ميليشياوية جهادية وغيرها، لا جدوى من هذه المعارك الخلبيّة بين السوريين الطامحين للحرية.


هذه جوانب من مأساة الكردي السوري، تحتاج لمزيد من التفهم والحوار المستمر بين كل السوريين، من أجل تثبيت أنّ القضية الكردية في سورية هي قضية السوريين جميعهم أيضاً.


 غسان المفلح








كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!