الوضع المظلم
الأحد ٢٨ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
نظام دفاع إسرائيلي جديد ينسف خزينة إيران
أحمد رحال

على مدار السنوات الثلاث الماضية فقط يمكن إحصاء أكثر من خمس عشرة عملية اغتيال لشخصيات عسكرية وعلمية وأكاديمية إيرانية، على رأسهم العالم النووي محسن فخري زادة، وقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، وحسن صياد خدايي، المرتبط بالوحدة (840)، وجميعهم يتبعون للحرس الثوري الإيراني.

عمليات اغتيال هؤلاء نسبت بمجملها لإسرائيل ونفذت داخل الأراضي الإيرانية عبر خلايا خاصة تتبع للموساد الإسرائيلي (باستثناء عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني التي تمت على الأراضي العراقية)، ويضاف لتلك الأعداد من الاغتيالات، العشرات من ضباط الحرس الثوري الإيراني قتلتهم إسرائيل في سوريا بفعل غاراتها الجوية، وشملت لائحة الاغتيالات الإسرائيلية أهم جنرالات الحرس الثوري الإيراني ممن يعملون بالمشروع النووي الإيراني، أو تطوير سلاح الصواريخ، وخاصة المرتبط بحزب الله، ومؤخراً وضع على لائحة الاستهداف قادة الوحدة (840) الخاصة بعمليات اختطاف واغتيال للأجانب في جميع أنحاء العالم وتتبع للحرس الثوري الإيراني.

في مراكز صنع واتخاذ القرار الإيراني السياسي والعسكري والاستخباراتي، هناك قناعة إيرانية أن مواجهتها المعلنة مع الولايات المتحدة الأمريكية (الشيطان الأكبر وفق المعرفات الإيرانية) وربيبتها إسرائيل، لا يمكنها أن تتم عن طريق امتلاك إيران لأدوات صراع متكافئة تستورد أو تصنع داخل إيران، بمعنى أن التفوق الأمريكي والإسرائيلي بسلاح الطيران، وامتلاكهما لطائرات الجيل الخامس القادرة على الوصول لأعماق الأراضي الإيرانية والاستطلاع أو القصف والعودة، وحتى لو امتلكت إيران قدرات التصنيع، هي لا تملك الأرصدة والريوع المادية القادرة على تمويل وتغطية نفقات مشاريع إنتاج تلك الطائرات، فالولايات المتحدة الأمريكية صرفت على مشروع إنتاج طائرات إف 35 فقط مبلغاً خيالياً وصل إلى 1.182 تريليون دولار، عدا عن تكلفة التطوير الضخمة المرافقة لمشروع الإنتاج البالغة 397,8 مليار دولار، وتلك أرقام تعجز خزانة نظام طهران على رصدها وتأمينها.

أمام هذا الواقع كان الخيار الاستراتيجي لصانع القرار الإيراني بالتوجه نحو تقنيات أخرى لتأمين استراتيجية الردع، وخلق نوع من التكافؤ، تستطيع من خلاله إيران إبقاء عملية المواجهة قائمة وبحدية، وتم ذلك عن طريق تصنيع وتطوير الطائرات المسيرة "الدرون"، إضافة لمشروع صواريخ أرض - أرض القادرة على الوصول لمسافات تحقق تدمير الأهداف المرصودة إيرانياً داخل الأراضي الإسرائيلية، بل تصل لعتبات الدول الأوروبية، واستطاعت إيران فعلاً امتلاك ترسانة صاروخية هائلة، هي الأضخم في الشرق الأوسط، تضم صواريخ باليستية، وأخرى مجنحة، بحسب موقع "ميثيل ثريت"، الذي أوضح أن الجيش الإيراني أجرى أكثر من 100 تجربة صاروخية منذ عام 1988، وأصبح بمخزونه حوالي 55 ألف صاروخ (أرض - أرض)، تمثل مكوناً رئيساً في قوتها العسكرية، وتعتمد عليها في أي مواجهة مسلحة مقبلة، وبات الجيش الإيراني والحرس الثوري الإيراني (الذي يعتبر جيشاً ثانياً في مكونات الدفاع الإيرانية)، يعتمدان على استراتيجية الردع الصاروخي لمواجهة التفوق الجوي النوعي للجيشين الأمريكي والإسرائيلي، وتفاخرت إيران عام 2021 بامتلاكها "مدينة صواريخ" جديدة ذات تقنية عالية، فيها مجموعة من الصواريخ تحت الأرض يديرها الحرس الثوري، كما تفاخر ربيبها حزب الله اللبناني بقدرته على إطلاق 2000 صاروخ يومياً باتجاه أهداف محددة مسبقاً داخل إسرائيل من مخزونه البالغ 150 ألف صاروخ في لبنان.

المنحى الآخر بالتفكير الإيراني لامتلاك وسائل ردعية، كان عبر التوجه نحو إنتاج الطيران المسير "الدرون" ذي التكلفة المادية المتواضعة مقارنة مع الطائرات الحربية التقليدية، وهو المشروع المكمل لبرنامج إنتاج الصواريخ من حيث الاستخدام، وبرزت أهمية الطيران المسير منذ الحرب الإيرانية مع العراق، وبعدها ركزت القيادة الإيرانية على تطوير تلك المنظومة، لكن الحظر المفروض على إيران لكل الأدوات والمواد ثنائية الاستخدام، حد من نشاطاتها جزئياً، لكنها استطاعت التغلب على تلك العقبة، بعد أن قامت بدمج وزارة الدفاع ووزارة «الحرس الثوري» في عام 1989، ومعها تم دمج "شركة القدس لصناعة الطيران" التي تصنع طائرات مسيّرة وتتبع لـ"الحرس الثوري الإيراني" مع شركة "إيران لتصنيع الطائرات" (HESA) التي كانت تعمل تحت إشراف وزارة الدفاع، وبالتعاون مع "القوة الجوفضائية" التابعة للحرس الثوري، بدأ مشروع تطوير الطيران المسير "الدرون" وحقق نجاحات جمة، واستطاعت إيران امتلاك تقنيات متقدمة بتلك الصناعة، ويقول "معهد واشنطن" بتقرير له: "تستطيع اليوم الطائرات الإيرانية بدون طيار الوصول إلى أي مكان تقريباً في الشرق الأوسط عن طريق حمل المزيد من الوقود واستخدام الملاحة عبر الأقمار الصناعية، وحققت إيران هذه القدرة من خلال تزويد الطائرات المسيّرة بأجهزة توجيه الملاحة (الملاحة الجيروسكوبية) التي طورتها "جامعة شريف"، والتي تُمَكِّن من استمرار التحليق لمدة تصل إلى خمس ساعات، وفي وقت لاحق، طورت عمليات ترحيل لاسلكية بعيدة المدى للتواصل ما بعد خط الرؤية مع الطائرات بدون طيار التي تقع على مسافة تصل إلى 200 كيلومتر، كما يبدو أن نوعين على الأقل من الطائرات المسيّرة -هما "شاهد-149" و"فطرس"- مجهزان بهوائيات أقمار صناعية، مما تمنحهما قطراً تشغيلياً يبلغ 500 كيلومتر أو أكثر، ويقال إن الجيل الأحدث من الطائرات الإيرانية بدون طيار يصل مداها إلى 1000 كيلومتر مع فترة تحليق تصل إلى 24 ساعة.

تلك الأمدية البعيدة وتلك التقنيات العالية برزت وبشكل واضح أثناء الهجوم على منشآت "أرامكو" في بقيق وخريص، يوم السبت 14 سبتمبر/ أيلول عام 2019 (الذي نسب لإيران)، عبر قصف استخدم فيه 18 طائرة مسيّرة وسبعة صواريخ من طراز "كروز"، قدمت من مسافات قدرت بين 600 – 900 كم.

في السنوات الخمس الأخيرة، زادت حدة التوتر بين إيران وإسرائيل على خلفية النشاط النووي الإيراني، وإمكانية امتلاك إيران للقنبلة النووية مع المشروع المتطور للصواريخ الباليستية، واعتراض إسرائيل على الاتفاقية التي وقعتها إدارة الرئيس "أوباما" مع الإيرانيين حول الملف النووي، ثم انسحاب إدارة الرئيس "ترامب" منها، ثم عودة المفاوضات لأروقة "فيينا" مع إدارة الرئيس الأمريكي "بايدن" لإنتاج اتفاق جديد، اصطدمت جميعها برفض إسرائيلي لأي اتفاق نووي مع إيران، يسمح ولو بعد عشرات السنوات بامتلاك إيران للتقنية النووية غير المنضبطة التي ستؤول لامتلاكها القنبلة النووية.

ترافق الأمر مع احتدام المواقف بين تل أبيب وطهران بعد الضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية المتزايدة على أهداف إيرانية في سوريا، كان آخرها إخراج مطار دمشق الدولي عن الخدمة بعد أن أصبح مرتعاً لتهريب سلاح إيراني متطور لحزب الله، إضافة لعدة هجمات سيبرانية طالت مفاصل حيوية هامة داخل إيران (نسبت معظمها للإسرائيليين)، ومع تلك المتغيرات وحدة التصريحات بدأت منطقة الشرق الأوسط تعيش شداً وجذباً ما بين إصرار إسرائيلي ضاغط على الغرب للوقوف إلى جانبها بضرب مشاريع إيران النووية، أو الاستعداد للتعايش مع إيران النووية، وهذا أمر ترفضه تل أبيب، وما بين تهديدات إيرانية لـ تل أبيب تذكرها بقدراتها الصاروخية ومسيراتها القادرة على محو إسرائيل من الخارطة الجغرافية خلال "سبعة دقائق" وقد يكون بزمن أقل.

في خضم تبادل التهديدات، خرج وزير الدفاع الإسرائيلي "بيني غانتس"، ليتحدث عن نظام دفاع إسرائيلي جديد يعتمد تقنية الليزر، مشروع "الشعاع الحديدي" (السلاح الذي تم إنتاجه بتعاون مشترك بين القسم التكنولوجي في الجيش الإسرائيلي وشركة "رفائيل" لتطوير الوسائل القتالية)، مؤكداً أن المشروع تم اختباره بصحراء النقب وأظهر نجاحاً تاماً في اعتراض قذائف هاون، وصواريخ مضادة للدبابات، وطائرات مسيرة، وسيشكل سلاح الليزر رديفاً قوياً لنظام "القبة الحديدية" المعتمد سابقاً في إسرائيل، ويضيف العميد "يانيف روتم"، رئيس وحدة البحث والتطوير في وزارة الدفاع الإسرائيلية قائلاً: "نحن ندخل عصراً جديداً من الحرب في الجو والبر والبحر، إذ ساهمت استثمارات الأبحاث والتطوير خلال السنوات الأخيرة في وضع دولة إسرائيل بين مصافي الدول الرائدة في مجال أنظمة الليزر عالية الطاقة".

رئيس الوزراء الإسرائيلي "بينيت" قال: "القبة الحديدية أصبحت مكلفة جداً لإسرائيل، وإن منظومة جدار الليزر الجديدة ستسمح على المدى المتوسط ​​إلى الطويل، بتطويق إسرائيل بجدار ليزر يحميها من الصواريخ والطائرات بدون طيار وغيرها من التهديدات، وسيسلب ذلك أعداءنا (المقاومة الفلسطينية، حزب الله) أقوى ورقة لديهم ضدنا".

وأكد "بينيت"، أن التقنية الجديدة قلبت المعايير، فبدلاً من أن نخسر عشرات آلاف الدولارات عبر القبة الحديدية للتصدي لصواريخ حماس قليلة الكلفة، سيكون بمقدورنا اعتراض صاروخ معادٍ بنبضة كهربائية تكلفنا بضعة دولارات (تكلفة الضربة الليزرية الواحدة حوالي 3,5 دولار فقط)، وبالتالي نبطل حلقة النار التي نصبتها إيران على حدودنا.

من الطبيعي أن يكون عمل أنظمة الليزر أسرع من الصواريخ في مجال الدفاع، لكن تلك التقنية تعاني الكثير من السلبيات، فالجدار الليزري سيكون خارج الخدمة في الأيام الممطرة والطقس الرديء، وتلك نقطة يمكن للعدو استغلالها، أيضاً أنظمة "ليزر نوتيلوس" تحتاج لزمن يتراوح بين (2_3) ثانية لقتل صاروخٍ يشبه غراد مثلاً، وزيادة معدلات إطلاق الصواريخ سيمكن من التعامل مع صاروخ واحد بينما تفشل بالمنظومة بوقف بقية الصواريخ التي قد تصل لأهدافها، وهذا ما انتبهت إليه "حركة حماس" مؤخراً فزادت معدلات الإطلاق، حيث أطلقت 125 صاروخاً خلال دقائق، فما بالك باحتمالات التعامل مع ثلاثة جبهات محيطة بإسرائيل في وقت واحد (جنوب لبنان وغزة وإيران) وقد تنضم لهم جبهة الجولان السوري.

أيضاً هناك عيب آخر بمنظومة الجدار الليزري، أن حزمة الإشعاع تتعرض للتشتت بعد إطلاقها لمسافة تزيد عن عشرة كيلومترات، وهذا يتطلب أيضاً أعداداً كبيرة من المشعات الليزرية، وأمام تلك السلبيات تبرز الحاجة للربط بين مشروعي القبة الحديدية ومشروع الجدار الليزري من أجل خلق عملية تكامل بالدفاع.

لكن رغم ذلك، فـ تقنية "الشعاع الحديدي" أو "الجدار الليزري" إن أثبت جدواها حقيقة في ميادين التصدي للصواريخ وطائرات الدرون وبقية المقذوفات، تكون قد نسفت مئات مليارات الدولارات التي صرفتها الخزينة الإيرانية على مشاريع الصواريخ الباليستية ومشاريع طائرات الدرون ظناً أنها وسيلتها لتحقيق التوازن الاستراتيجي مع أعدائها، وتكون إيران مرة أخرى أمام مشكلة البحث عن بديل، فالبدائل التي كلفتها المليارات قد تكون صنعت لها سلاحاً ردعياً يلتف على صعوبة امتلاك طائرات قاذفة حديثة، لكن أن تسقط صواريخها وطائراتها المسيرة التي استنزفت خزينتها والكثير من أموال "ستاد" بحزمات ليزرية بسيطة الكلفة، تعتبر ضربة استراتيجية إسرائيلية للحرس الثوري الإيراني وللخزينة الإيرانية (ستاد هي هيئة تنفيذ أوامر الإمام، لا تخضع لقوانين الدولة ولا لميزانية الدولة، وتقدر أموالها بـ200 مليار دولار، وتتبع لمرشد الثورة الإيرانية مباشرة).

وإذا كانت إيران قد تفادت السقوط بسباق تسلح مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل كي لا تكرر تجربة حرب النجوم التي أسقطت الاتحاد السوفييتي أمام الأمريكان، والتفتت لمشاريع أقل كلفة تحقق لها جزءاً من أهدافها، فإنها اليوم تصطدم بمشاريع إسرائيلية "ليزرية" تنسف خزينتها وكل مخططاتها الصاروخية و"الدرونية" وتوقف "زعرناتها" وتعيدها للمربع الأول.
 

ليفانت - أحمد رحال

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!