-
يمارسون السياسة أم الكراهية
في إحدى اللقاءات في باريس عرّفني صديقي السوري من حمص على شاب سوري من حمص ممازحاً «هذا هو الكردي الجيد أي الإيجابي» ،فأجبته ممازحاً: “وهل أنت السوري الديمقراطي الإيجابي؟!”.
كلمات بسيطة تُظهر مدى الانشقاق بيينا وتبعادنا كسوريين، ففي انتشار مفهوم الكردي الجيد أو الكردي الإيجابي بين المعارضين العرب شقاق كبير تَوَّلدَ بيننا، ففي سوريا، وفي ظلّ اعتلاء بعض المعارضين المطالبين بالتخلّص من دكتاتور دمشق ونشر الديمقراطية والانطلاق نحو سوريا الجديدة، يستبعدون أيّ كردي ليس من الكرد الإيجابيين بمفهومهم الخاص، فالكردي الجيد هو من يدعو لسوريا بدون لغة كردية أو أي حقوق قوميّة كردية، أو حتّى المطالبة بالتغيّر الجذري للحال في كردستان سوريا، وهذه جريمة أخرى أرتكبها أنا هنا بذكري فهي كلمة تدعو إلى الكراهية كما نشر مركز سوري معارض.
اختلفت الأساليب لدى السياسي العربي، في تصنيف الكرد بين الإيجابي والسلبي، واختلفت الغايات منها، فاستخدم حزب البعث في سوريا والعراق خطاب الكراهية ضدّ الكرد، كدرع بالضدّ من مطالب الكرد بحقوقهم القوميّة، وفي تركيا استُخدمت تهمة الخيانة للكرد إلى جانب استغلال الإسلام السياسي بهدف وأد الحق الكردي وكسب بعض الأصوات في الانتخابات، أما في ايران عُلّق الكرد بحبال المشانق بتهمة محاربة الله ،وسخّروا خطاب الكراهية لإذلال الكرد، فكانت الغاية المشتركة الوحيدة بين هذه الأنظمة هي إلغاء الكرد وصهرهم في هذه البلدان. وبرز بصيص من الأمل في التغير بعد سقوط سلطة البعث في العراق والانتقال إلى الدستور الفيدرالي الذي كُتب بحروف منصفة الى حدّ كبير للكرد والمكونات العراقية، ولكن وظّف السياسي العراقي خطاب الكراهية ضدّ الكرد لاستمالة بعض المواطنيين العراقيين الذين يحملون أفكاراً بعثيّة أو متطرّفة ضدّ الكرد، سواء أكانت إسلاميّة أم قوميّة، وبذلك تحوّل العداء للكرد إلى سلعة لكسب الأصوات، فتارة تجد السياسيين العراقيين في حرب إعلاميّة شرسة ضدّ الكرد، وفي الليل يزورون هولير لطلب الدعم لهم في الحكومة الاتّحادية أو التحالف ضدّ طرف آخر.
والسؤال الكبير هنا، هل هم يمارسون السياسة أم يمارسون الكراهية؟.
وبالمثل وظّفت المعارضة والنظام السوري في سوريا، الخطاب التحريضي في العداء للكرد، فالنظام وعلى لسان الرئيس يصرّح في لحظات ضعفه بأنّ الكرد جزء أساسي، ومكوّن أساسي من الشعب السوري، ويمدح فيهم في محاولة لاستمالة الكردي التوّاق لرفع الاضطهاد عنه، ولكن حين يشتدّ عوده يعادي الكرد ويتّهمهم بالانفصاليين والخونة، وكذا تفعل المعارضة حين تتعرّض لضغوط دوليّة كي تمثّل دور الديمقراطيّة، وتُظهر أنّها الضامن للحقوق الكرديّة وباقي المكونات من جهة، فتصرّح أنّنا مع الكرد في مطالبهم المحقّة، ولكن حين تسنح لها الفرصة تزأر بما يصرّح به النظام في دمشق، وكأنّنا أمام وحدة حال في العداء للكرد في ظلّ غياب تام لمفهوم الدولة الديمقراطية، وتحكم مفهوم الأبدية للقائد بهم.
ستكون النتائج خطيرة، ولن ننجو من حرب دمويّة إذا استمر خطاب الكراهية في الانتشار، فهو غول مُدمر في ظلّ الأصوات الخجولة من بعض الإخوة العرب المطالبيين بايقاف هذا الخطاب، والتي تنحو نحو الخبو، فالعجز واليأس أصاب مفاصل الحالة السوريّة. إنّ استضافة شخصيّات غير كفؤة في المنابر الإعلاميّة عملية لا مسؤولة وخطيرة جداً، فالكردي الذي تعرّض للاضطهاد خرج بردة فعل عنيفة غير مدروسة في خطابه الشمولي، فشكّل خطر على القضيّة الكردية وأحقيتها وأفرغها من مضمونها، وكلنا نراقب سرعة انتشار الإنترنت والآلاف من المواقع والإذاعات، في أيّ تصريح من شخص كردي لا يملك القدرة على التوازن من منبر إعلامي، يستغلّه العربي في تغذية خطابه التحريضي الشمولي ضد الكرد، ويتناسى ما قدّمه الكرد بشخصياتهم في الثورة السورية ومشاركتهم في المظاهرات، وأنّهم أوّل من أسقط تمثّل الأسد.
وبالمثل يتعامل الكردي لهدف حزبي أو غاية آنية في إبراز شخصيات عربيّة عنصريّة مدفوعة بتربية بعثيّة غير قادرة على التخلّص من الفكر الاستبدادي العنصري الإقصائي، بتعميم خطابه على العرب السوريين، والشيء بالشيء يُذكر فالشعب الكردي لا يمكن أن تنسب أمة لتصريح شخص وبالمثل الشعب العربي لا يمكن أن نعمم على الشعوب أي موقف عدائي عنصري من أحد أفرادها.
أمام هذا الصراع المتنامي والذي يهدّد بالانتقال من الإعلام إلى الواقع، وتحوّله إلى صراع دموعي خطير، سنواجه ركوداً كبيراً في العملية السياسيّة التي هي بالأصل بطيئة الحركة فيما إذا لم نعتبرها متوقفة ومراوحة في مكانها .
فهذا الصراع خارج عن السيطرة لأنّ أطرافه غير معروفين، فهم أشخاص غير اعتباريين، فليست الحكومة طرفاً فيه علناً ولا الحركة الكردية طرف فيه، إنما هم أفراد يطلقون أفكاراً في أغلبها تخدم الأنظمة التي تستمرّ في الحكم بسبب عدم استقرار المنطقة، إنّ عملية غير واضحة الأطراف، لن نستطيع التحكم بها إذا ما أُخرجت عن السيطرة، وتمّت محاربتها بأدوات سلمية فكرية قادرة على كبح هؤلاء العنصريين.
ولكن دعم الفئة المطالبة بديمقراطية حقيقة لسوريا الجديدة، تنبذ خطاب الكراهية بين السوريين، يقع على عاتق السوريين أولاً، فالكل يدرك أنّ المصالح الاقليميّة لن تدعم سوريا قوية بل تتفق مصالحها مع سوريا تابعة لأنظمتها.
ليفانت – عمران منصور
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!