الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
الصين وفِخاخِ التقارُب الدُولي
إبراهيم جلال فضلون (1)

تظهر الصين اليوم قدرة على التحدث إلى مختلف الأطراف الخارجية، كثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد أن تجاوزت اليابان في نمو استثنائي، بمتوسط ​​معدل نمو سنوي 6.7٪ بعام 2012، وقد بلغ ناتجها المحلي الإجمالي قرابة 18 تريليون دولار، أي ما يُشكل 18.4٪ من الاقتصاد العالمي في عام 2021، وفقًا للبنك الدولي.

والفضل يعود ليس لتشي بل لحركة ريادة الأعمال المستمرة والتطور السريع لاقتصاد القطاع الخاص الذي أطلقه القادة السابقون، وهم ذاتهم من أهان الزعيم الصيني شي جينبينغ، رموزاً منهم، بل أهان كل الشعب الصيني في طرده رئيس الحزب السابق بالمؤتمر الوطني الـ10 للحزب الشيوعي الصيني (CCP)أمام أعين العالم بمختلف وسائله.. ولذلك كان فشل داخلي مع ارتفاع الدين المُفاجئ، وتزايد الاستثمارات المهدورة على مدار العقد الماضي، وقهر حُريات مُسلمي الروهينغا، وزيادة نسبة توقف النمو والبطالة المُرتفعة، وانهيار سوق الإسكان، وقطاع العقارات الذي يُمثل ما يصل إلى 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ومعوقات "صفر كوفيد" التي تخنق الاقتصاد الصيني، بسبب شرعية الحزب الشيوعي، وتوغل شي جين بينغ لعقد آخر في السلطة، وحملته القمعية لكبح جماح الشركات الخاصة "غير المنضبطة".

لقد أردف الفشل الصيني الكاتب هان باو جيانغ، في كتاب بعنوان "أكبر 18 مشكلة اقتصادية تواجه الصين وكيفية حلها"، وشهد لها دوج جوثري، مدير المبادرات الصينية بجامعة ولاية أريزونا، قائلاً: "على مدى 30 عاماً، كانت الصين على طريق منح الناس أملاً كبيراً، وأن البلاد في ورطة عميقة الآن".. لا سيما مع تقديرات بفقدانها أكثر من 105 مليون عامل إضافي بين عامي 2035 و2050، ويزداد بالتزامن مع عدد المسنين بحوالي 64 مليون آخرين. لتُصبح العواقب الاقتصادية وخيمة.. وقد بات العالم هو الآخر أقل ملاءمة للنمو الصيني، إذ واجهت بكين آلاف العوائق التجارية منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.

إذاً، عودة الصين إلى اقتصاد خاضع لسيطرة الدولة يُبين سعيها للاستفادة بشكل كبير من نظام اقتصادي عالمي أكثر انفتاحاً كانفراجة لمشاكلها المتعددة، حتى أنه لم يُتح للنموذج الاقتصادي للحزب الشيوعي الصيني سوى الخيارات السيئة، التي صورها عالم الاقتصاد الألماني الأمريكي "ألبرت هيرشمان" قبل عقود عدة، بأنه غير متوازن لنموه السريع، يبدأ في النهاية بخلق مجموعة مختلفة تماماً من المشكلات، ليكون أثر التبعات السلبية للاقتصاد الصيني ومشكلاته الحالية على اقتصادات الدول المحيطة كبيراً، عبر سياستها الاستعمارية الصامتة في أغلب دول العالم ممتدة للغزو الصيني قلب أفريقيا، بالإعلان عن قروض واستثمارات صينية ضخمة أبرزها وقع في ديسمبر عام 2015 بقيمة 60 مليار دولار، لكن هديتها للإثيوبيين بقلب أديس أبابا العاصمة كان أبرزها، بعد زيمبابوي، لتجوب العالم عبر طريق الحرير الأخير، وتكتسب دول الشرق الأوسط.. بنفي الطريقة التي ستحتلها كما احتلت إيران بحكرها للنفط لمدة 25 عاماً.

لهذا ما كان أمامها إلا التوجه الخارجي رغم وقوعها في حروب أهلية وجيرانها، كتايوان ومناطق النفوذ في بحر الصين الجنوبي، التي تحتمي بأميركا والغرب حتى أستراليا رغم الروابط التجارية المتينة بينها وبين الصين، تُثار لديها مخاوف من نشوب حرب بين البلدين عام 2026 إذا ما وقعت مواجهات بين بكين وواشنطن، وكذلك في خضم انعزال اقتصادات العالم الكبرى اليوم شبكات اتصالاتها عن التأثير الصيني، تسعى أستراليا والهند واليابان وغيرهم إلى إبعاد الصين عن سلاسل الإمداد الخاصة بهم، وبالتالي تواجه الصين حالياً نزعتين هٌما نهاية السيناريو الصيني: (ركود النمو، والتطويق الاستراتيجي)، في أسوأ هبوط للإنتاجية تشهده قوة عظمى منذ الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات.. ليُحاول الحزب الشيوعي بفشل جديد بعد كل ما أوردناه، بالتقارب الدولي عبر وساطتها بحُكم كلمتها الأولى على إيرانية لتتصالح واكبر اقتصاد ضمن مجموعة العشرين (السعودية)، وإعادة التموضع الاستراتيجي للصين في حلبة صراع الشرق الأوسط، التي نشأت خلال الربيع العربي مع سعي قوى من خارج المنطقة إلى اكتساب نفوذ فيها إلى جانب الولايات المتحدة التي انشغلت عن المنطقة بغزو الروس لأُوكرانيا، وانهيار الاقتصاد الأمريكي، لا سيما بعد انهيار أكبر بنكين، وهو ما قد يفتح أبواباً أوسع لنظام أمني إقليمي جديد، لكن علينا الحذر من النظام الإيراني لعدم مصداقيته، كما أن الصين وسيط مختلف عن العراقي والعماني بقدرتها على تقديم نفسها ضامناً، لا غيرها فلا تستطيع حتى أميركا ولا روسيا ضمان الوعود الإيرانية، أمام مشروع إيران النووي ذات الأغراض عسكرية، وهيمنة طهران على أربع عواصم عربية في محاولة لإعادة التقارب مع البحرين كذلك.. حيثُ إن أي تقارب بين النظام الإيراني والدول العربية فرصة لها لتوسع نفوذها وحلفائها، كالصين وروسيا في بلدانهم، غير مدركين أن الرياض قادرة على حماية مصالحها دونما حاجة إلى نصائح من أحد.

وفي الحالة الأوكرانية يقرأ الجميع أن الوساطة تلك تُمهد لشرق أوسط جديد، مع دور الصين السري الذي مهد للاتفاق علني في أوكرانيا منذ شهر صدرت فيه ورقة من 12 نقطة رفضها الجانب الأميركي والأوروبي، واصفين إياها بأنها أقرب مما ينبغي إلى الموقف الروسي بما لا يجعلها منطلقاً مناسباً للتفاوض.  

إن القراءة المتأنية للواقع يستدعي أن تأخذ في الاعتبار مسؤولية استقرار الأوضاع، وأن الجغرافيا لا يمكن تغيير معادلاتها ولا استبعاد تأثيراتها في التاريخ والعلاقات السياسية بين الدول، آملين أن تعود منطقتنا العربية والشرق أوسطية للهدوء والاستقرار الذين افتقدناهُما، للخروج من حال الحرب والدمار ونزف الدماء.

 

ليفانت - إبراهيم جلال فضلون

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!