-
منافسة جيوستراتيجية كبرى على أفغانستان.. أين قطر من كل هذا
- الصراع الجيوستراتيجي على أفغانستان
- أين قطر من كل هذا التنافس.. قطر تحاول اللعب في مجال جيوسياسي لا تملكه أصلاً
- الوسيط القطري ليس سوى حجر شطرنج
- حركة طالبان في الماضي
لطالما حاولت قطر شبه الجزيرة الصغيرة الغنية بالنفط لعب دور إقليمي يتجاوز حجمها، وبرز الملف الأفغاني مع وصول طالبان لسدّة الحكم عقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، اعتبرت قطر أنها حققت "انتصاراً دبلوماسياً"، فهي الوحيدة القادرة على التوسط مع الحركة الإسلامية المتشددة طالبان، ما قد يحقق آمالها بأن تكون لاعباً جدياً بالنسبة للدول الغربية المنخرطة في الأمر.
تمتلك أفغانستان موقعاً جيوستراتيجياً هاماً، فهي تقع في وسط المناطق الآسيوية الرئيسية كآسيا الوسطى وجنوب وغرب القارة، ما يجعل منها منطقة محورية للسيطرة على مختلف المناطق الأخرى.
كما أنّ موقع جغرافي يجعلها ممر ترانزيت مهم لصادرات النفط والغاز الطبيعي من وسط آسيا إلى بحر العرب. إلى جانب خطوط أنابيب الطاقة، كما أنّ أفغانستان تمتلك موارد وثروات طبيعية عديدة من نفط وغاز، وثروات منجمية كالذهب والنحاس والحديد والكوبالت والليثيوم.
لدول الجوار الأفغاني والدول الموجودة في نفس المجال الجيوسياسي مصالح عميقة في أفغانستان تحاول تحقيقها بعد الفراغ الأمريكي الذي خلفته عقب انسحابها من البلاد وتركها تحت رحمة حركة طالبان ىالمتشددة. فدول كالصين وروسيا والهند وباكستان العدوتان اللدودتان.
الصراع الجيوستراتيجي على أفغانستان
تشير التقديرات إلى أن باكستان الحليف التاريخي لطالبان ستحاول الاستفادة من الفراغ الأمريكي في قضية الحدود بين البلدين القائمة على أساس الخلاف حول خط دوراند الذي رسمه البريطانيون عام 1893، الذي يفصل بين المناطق القبلية الباكستانية (خيبر بختونخوا) عن أفغانستان، إذ لم يقبل أي نظام أفغاني، شرعية هذه الحدود.
ومنذ أربعينيات القرن الماضي، واجهت باكستان، مطالبات القومية البشتونية بإقامة دولة باشتونستان منفصلة. وبالتالي، فإن السيطرة والتأثير على أفغانستان من قبل حكومة يسيطر عليها البشتون كطالبان، من شأنه أن يخفف من مطالب البشتون داخل باكستان للانفصال، كما ترى باكستان أن وجود حكومة موالية لباكستان في أفغانستان ضروري لتقويض نفوذ الهند التي تخشى من تغذية الجماعات المسلحة في كشمير، الإقليم الذي يتشاطر الدين والعرق واللغة والجغرافية مع الجماعات الإسلامية.
انقلبت العلاقة بين طهران وطالبان، خلال السنوات القليلة الماضية، فبعد أن ناصبت طهران العداء للحركة عقب مقتل ثمانية دبلوماسيين إيرانيين في مدينة مزار شريف الأفغانية في 1998، دفع صعود تنظيم "داعش" إيران وحركة طالبان الأفغانية إلى التحالف لمواجهة خطر تمدد التنظيم، وتسعى إيران إلى تأمين حدودها مع أفغانستان وإقامة منطقة عازلة، تمتد من ولاية هلمند جنوب أفغانستان إلى مقاطعة قندوز شمال البلاد، وتسيطر طالبان على أجزاء كبيرة من المحافظتين.
السبب نفسه دفع العلاقة بين روسيا وحركة "طالبان" إلى تحوّل كبير، فبعد أن كانت روسيا تنظر منذ فترة طويلة إلى "طالبان" كتهديد إرهابي كبير، حيث كانت روسيا من سنة 2009 إلى 2015 عبارة عن ممر تزويد حيوي للقوات الأمريكية التي تقاتل طالبان في أفغانستان، أصبح الطرفان حليفان إلى حدٍ ما. فموسكو متوجسة من انتقال خطر تنظيم "داعش" إلى جمهوريات آسيا الوسطى.
اقرأ أيضاً: المسيّرات التركية في قبرص تعرض الرحلات التجارية للخطر
الهدف نفسه بالنسبة للصين التي تسعى لاحتواء المتشددين المسلمين من طائفة الأويغور الذي يطالبون بالاستقلال عن الصين، ولاسيما، وأن "حركة تركستان الشرقية الإسلامية"، وهي حركة لمقاتلين من الأويغور في إقليم شينجيانغ الصيني، تنشط حالياً في أفغانستان، وبالتالي تسعى لمنع أي اتصال بين حركة "طالبان" و المتشددين، وسبق أن زار ممثلو طالبان بكين بزيارتين في يونيو وسبتمبر 2019 لإجراء محادثات مع مسؤولين صينيين.
إلى جانب مشروعها الاقتصادي الكبير "حزام واحد، طريق واحد". إذ تُعدّ أفغانستان حلقة الوصل الرئيسة بين جمهوريات آسيا الوسطى والممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC)، و توفر هذه البلاد القابعة تحت الحكم الطالباني المتشدد، أقصر طريق بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، وبين الصين والشرق الأوسط.
أين قطر من كل هذا التنافس.. قطر تحاول اللعب في مجال جيوسياسي لا تملكه أصلاً
وسط هذا التنافس الجيوستراتيجي الشرس بين الدول الكبرى، تسعى قطر التي لا تشكل مساحتها سوى 0.1% من مساحة الصين، للعب دور أكبر من حجمها وهو ما اعتادت على فعله مراراً، فعمقت علاقاتها مع طالبان خلال الفترة الماضية.
هو أمر ليس بالجديد على قطر، فقد دعمت سابقاً منظمة الإخوان المتشددة، أحد الموضوعات الرئيسية للخلاف بينها وبين مصر والسعودية والإمارات من جانب آخر. وأعلنت مصر أنّ حركة الإخوان منظمة إرهابية، بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنحدر من الحركة في 2013.
وبعدها بسنة أعلنت قطر أنها ستخفف مساندتها للإخوان المسلمين. لكنّ هذا الإعلان لم يرافقه فعل، ما دفع مصر و السعودية وشركاؤهما في 2017 لفرض الحصار ضد قطر، إلى جانب تعزيز الدوحة علاقتها مع إيران الفاعل الإقليمي القوي والداعم لميليشيا الحوثي ضد التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، أيضاً، الهجمات الشرسة التي تقودها قناة الجزيرة القطرية ضد مصر والإمارات والسعودية.
مع التغييرات السياسية الدولية التي تمثلت بانتهاء عصر ترمب، وقدوم بايدن إلى البيت الأبيض، كانت الضرورة ملحّة لعقد قمة العلا من أجل مصالحة خليجية، جاءت بعد ثلاث سنوات أنهت الخلاف في الخامس من ديسمبر 2021، رغم رفض قطر تلبية 13 شرطاً لإعادة العلاقات معها بحجة أنها "تمس سيادتها واستقلال قرارها الوطني".
شملت المطالب إغلاق قناة الجزيرة، وتحجيم العلاقات العسكرية مع تركيا وإغلاق قاعدة عسكرية تركية في قطر، وقطع العلاقات مع حركة الإخوان المسلمين، وتقليص الروابط مع إيران.
ما تزال العلاقات متوترة رغم توقيع المصالحة، وتسعى قطر للعب في مجال جيوسياسي لا تملكه أصلاً، عبر التحكم بالجماعات المتشددة في الدول وتمويلها، لتمتلك أوراق ضغط من أجل مكاسب سياسية، هو أمر لن تتمكن من إنجازه لأنّ شبه الجزيرة القطرية لا تمتلك الموقع المؤثر أو القوة البرية أو البحرية التي تمكنها من تحقيق "أحلامها"، وهي الحاضن لأكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط.
لقد لعبت قطر على مدى الأعوام الأخيرة، دور الوسيط ما بين قيادة طالبان والعالم، ورعت مباحثات غير مسبوقة أجرتها الولايات المتحدة مع زعماء الحركة فعندما سعت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى إنهاء الحرب، استضافت قطر قادة من طالبان لبحث جهود السلام بدءأ من العام 2011. ومنذ العام 2013، يعمل المكتب السياسي لحركة طالبان من الدوحة.
اقرأ أيضاً: العراق يبحث الربط مع الشبكة الكهربائيّة الخليجيّة
وخلُصت محادثات الدوحة إلى الاتفاق الذي وقع العام الماضي في عهد الرئيس دونالد ترامب والذي نص على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بحلول مايو / أيار من هذا العام. ومن بعدها أعلن جو بايدن، بعد توليه مهام منصبه، أنه مدد الموعد النهائي للانسحاب الكامل إلى 11 سبتمبر/ أيلول.
تزامناً مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، سيطرت طالبان على بقية أفغانستان، واستولت على السلطة في كابل في 15 أغسطس/ آب بعد انهيار الحكومة المدعومة من الغرب، حيث أعلن البنتاغون خروج آخر جندي أميركي من أفغانستان ليل 31 أغسطس/ آب 2021، لتنتهي بذلك حرب استمرت 20 سنة.
لم تحسم القوى الغربية بعد طبيعة العلاقات التي ستقيمها مع حركة طالبان، فيما بادرت الحركة الإسلامية المتشددة ببعث إشارات إلى المجتمع الدولي، تقدم فيها نفسها على أنها أكثر انفتاحاً من السابق.
ما تزال الدول العربية الأخرى، متريثة في الاعتراف بحكم الحركة الإسلامية التي سيطرت على كابل، وتعدّ قطر أهم المرشحين، ووفق "بلومبيرغ"، فإن قطر منذ صعود طالبان للسلطة، تلقت مكالمات من كبار الدبلوماسيين في جميع أنحاء العالم.
الوسيط القطري ليس سوى حجر شطرنج
لقد زار وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، العاصمة الأفغانية كابول، الأحد الفائت 12 سبتمبر 2021، حيث التقى الملا محمد حسن أخوند، رئيس الوزراء المعين من قبل حركة طالبان، والرئيس السابق، حامد كرزاي، ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، عبد الله عبد الله.
عقب عودته إلى الدوحة أكد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، يوم الثلاثاء 14 سبتمبر 2021، أنه لا يمكن عزل أفغانستان، قائلاً إن مقاطعتها ليست حلاً.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، قال الوزير القطري، عقب محادثاتهما في الدوحة "موقفنا أنه لا يمكننا أن نعزل أفغانستان أو نقاطعها لأن طالبان تسلمت مقاليد الأمور".
أضاف الوزير القطري أن السبيل الوحيد لإخراج أفغانستان من الوضع الحالي هو الحوار، كما دعا الجميع إلى التحاور مع الأفغان.
ودعا إلى تضافر الجهود الدولية لتوفير المساعدات للشعب الأفغاني، مشيراً إلى أنه تم التأكيد خلال المباحثات مع نظيره الإسباني على أهمية حرية التنقل من وإلى أفغانستان. قال وزير الخارجية القطري إن بلاده وتركيا قامتا بالإصلاحات الفنية لمطار كابل، مضيفا أنه لا تزال هناك مشاورات بشأن تأمين المطار.
وفق تحليلات قطر سعيدة بأن تصبح مهمة مرة أخرى، كما لعبت دوراً في الضغط على طالبان من أجل تأمين وتشغيل مطار كابل، ودعمت عرضاً تركياً لتشغيل المطار، في خطوة تجعل الشرعية الدولية لطالبان أكثر قرباً.
مهما بلغ المال القطري من تأثير على الجماعات المتشددة، فإنّ ذلك لن يصنع من قطر فاعلاً وازناً مستقلاً على الساحة الدولية، وعندما تقرر الدول الكبرى أن تحرّك أوراقها لتحييد قطر أو زعزتها من الداخل، ستقف عاجزة عن مواجهتها، والوسيط القطري ليس سوى حجر شطرنج بيد العرّاب الأمريكي، تحرّكه لخدمة مصالحها، وتركُ أفغانستان لمصيرها، لم يكن قراراً اعتباطياً في ظل الخسائر الفادحة للحرب الأمريكية التي استمرت 20 عاماً
أمريكا تركت الباب موارباً مع الحركة المتشددة بالذراع القطري توعز إليه لتحرك طالبان كيفما تشاء لتحقيق مصالحها من جانب، وتهديد أعدائها روسيا والصين وإيران من جانب آخر، ويتم ذلك بأقل تكلفة ممكنة وبالمال القطري.
حركة طالبان في الماضي
ظهرت الحركة المتشددة في ولاية قندهار الواقعة جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994. وقد أسسها الملا محمد عمر الذي يعتبر "الأب الروحي لطالبان"، الذي توفي في العام 2003.
نشأت الحركة في مدارس قرآنية في باكستان المجاورة حيث وجد طالبان الإسلاميون السنة ملاذا آمنا إبان النزاع مع القوات السوفياتية،
وخلف الملا عمر بعد وفاته، الملا أختر منصور الذي قُتل في باكستان في العام 2016، وحالياً يقود طالبان الملا هيبة الله أخوند زاده، في حين يرأس الملا عبد الغني برادر، وهو أحد مؤسسي الحركة، جناحها السياسي.
وعلى غرار غالبية سكان أفغانستان، يتحدّر طالبان من إثنية البشتون التي تهيمن على البلاد بشكل شبه مستمر منذ عقدين، في تشرين الأول/أكتوبر 1994، سيطرت طالبان بدون عناء على قندهار (جنوب)، عاصمة المملكة البشتونية السابقة.
اقرأ أيضاً: رصد ناقلة نفط إيرانية تفرغ حمولة زيت وقود في سوريا إلى لبنان
وبترسانتها العسكرية وقدراتها المالية التي جمعتها من الحروب والتي تتيح لها ضم قادة محليين، راكمت الحركة الانتصارات الميدانية وصولا إلى كابول التي سيطرت عليها في 27 أيلول/سبتمبر 1996.
وطرد طالبان الرئيس برهان الدين رباني وأعدموا علناً الرئيس الشيوعي السابق محمد نجيب الله، حينها، اعترفت 3 دول فقط، هي باكستان والإمارات والسعودية، بنظام طالبان السابق، الذي فرض رؤيته المتشددة للشريعة الإسلامية خلال الفترة ما بين 1996 وحتى سقوطه العام 2001 عقب التدخل الأميركي، وقطعت الدولتان الأخيرتان جميع العلاقات الرسمية بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة.
عبير صارم
ليفانت نيوز_ خاص
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!