الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
نصف قرن من الاحتلال الأسدي
غسان المفلح

في حصار درعا البلد القائم منذ أقل من شهرين، من قبل ميليشيات إيران والاحتلال الأسدي، ونقضاً لاتفاقيات سابقة تمت مع أهالي حوران بإشراف الروس. الروس الذين يحاولون تحقيق المكاسب على الأرض السورية. مكاسب لا علاقة لها بمصلحة الشعب السوري، وإن اختلفت مع إيران أو الأسدية.


في هذا الحصار الذي تحول إلى قصف عنيف للمنطقة، وصل لحد تعفيش ميليشيات الأسد لبعض البيوت هناك. في هذا الحصار ومجريات الأمور وتفاصيلها تقدم دليلاً لا يقبل التأويل على أن الأسدية هي عبارة عن احتلال غاشم.


تنص المادة 42 من لائحة لاهاي لعام 1907 على ما يلي "تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو. ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها". وتنص المادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 على أن هذه الاتفاقيات تسري على أي أرض يتم احتلالها أثناء عمليات عدائية دولية. كما تسري أيضا في الحالات التي لا يواجه فيها احتلال أرض دولة ما أي مقاومة مسلحة.


لو نظرنا للوحة السورية الآن نجد: في المناطق التي هي تحت سيطرة الأسدية، هي مناطق محتلة وفقاً لكل تعريفات الاحتلال، المنصوص عليها في المواثيق الدولية. السوريون بأكثريتهم أخرجوا النظام الأسدي من مدنهم وقراهم، لأنه نظام فاسد وإبادي وقاتل. هذا تعبير فائق الوضوح على أن هؤلاء السوريين يعتبرونه محتلاً، حتى استعادت الأسدية هذه القرى والمدن التي استعادتها، قامت باستدعاء محتلين آخرين معها، روسيا وإيران، وتعاملت هذه الاحتلالات الثلاث مع هؤلاء السوريين تدميراً وحرقاً ومجازراً ونهباً، باعتراف كل تقارير المنظمات الدولية المعنية، الأهم اعتراف هذه الاحتلالات بذلك. هذه التقارير واضحة أيضاً لتمنع أي تأويل باعتبار هذه الاحتلالات الثلاث سلطة ليس لها شرعية، سوى شرعية القوة العارية، بلا حسيب أو رقيب. من يفاوض أهالي درعا البلد الآن؟


الجهة الأولى المحتل الروسي. الثانية المحتل الإيراني. الثالثة ضباط الأسد، حيث لا يوجد ضابط واحد فيهم من أبناء حوران. كلهم ضباط من الساحل السوري. ضباط مخابرات وفرقة رابعة وألوية جيش متعددة. ألا يقول النظام إنه سوري!! إذا أين الموالين له من بقية حوران أو مدن أخرى ليفاوضوا أهل درعا؟


هؤلاء الضباط يفاوضون ويقصفون المدنيين الآن معاً، دون أن يرف لهم جفن. أليس هذا تعبيراً فجاً عن سلطة احتلالية؟ ما هو الاحتلال إن لم يكن هذا؟ حيث لا وجود لممثل مدني واحد في لجانه التفاوضية هذه. هذا الأمر ينطبق على كل المفاوضات السابقة التي جرت منذ أن تدخلت روسيا بجيشها في سوريا.


ست سنوات مرت، استعاد خلالها المحتل الأسدي نصف ما خسره على يد السوريين. الآن أهل درعا يطالبون ببساطة بأن أبناء حوران هم من يجب أن يديروا شؤون المنطقة. هذا المطلب لوحده يوضح أن أغلبية سكان سوريا يتعاملون مع هذا النظام بوصفه محتلاً. معظم من يخضع للاحتلال الأمريكي لا يريد العودة لنظام الأسد، وكذلك معظم من يخضع للاحتلال التركي. الأهم من كل هذا أن السوريين يقبلون بمراقبة روسية وتواجد شرطة عسكرية روسية، ولا يقبلوا بتواجد أسدي أو إيراني. هل يمكن أن نجد أسوأ من هكذا احتلال؟


انتشار الحديث بين السوريين عن مفاهيم الإدارة الذاتية وغيرها تعبير على أن السوريين يعتبرون الأسدية محتلاً لهم. يحاولون الحصول على تنازلات من هذه الاحتلالات التي تكاثرت على سوريا، ببساطة لأن الأسدية نفسها تعتبر نفسها محتلاً. تتعامل مع السوريين وفقاً لمعايير احتلالية خاصة بها. هذا في حال استبعدنا المنظور الطائفي الذي تعاملت فيه العصابة الأسدية مع سوريا منذ خمسة عقود ونيف، لأننا لو أردنا إدخال هذا المعيار لوجدنا أيضاً أنه يحقق نموذجاً خصباً لدراسة "الاحتلال الطائفي" للبلد. هذه مقولة مضمرة أو معلنة عند كل سوري، بما فيهم أبناء الطائفة العلوية الذي يقاتلون مع الأسد.. يقاتلون بوصفهم محتلين وعفيشة، بغض النظر إذا كان بعضهم مجبراً أم لا. المتطوع ليس مجبراً.


بكل المقاييس والمعايير التي يمكن نقاش الحالة السورية، نجد أنها توضح ببساطة أننا أمام سلطة احتلال واضحة، نظرياً وعملياً. السوريون يسعون لحريتهم وكرامتهم، بإزالة محتل وليس نظام ديكتاتوري فقط. كما يحب بعض المتأولين تسميته. هل ارتكب احتلال ما في تاريخ البشرية مجازر أقل مما ارتكبه الاحتلال الأسدي؟ أرقام التدمير والتهجير والاقتلاع والقتل والاعتقال توضح ذلك. نعم إنه احتلال فاشي وإبادي.


غسان المفلح
ليفانت - غسان المفلح

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!